نُقْطَةُ اسْتِفْهَامٍ

32 10 5
                                    

"خيط الصداقة مهدد بسيف الحب دائما"


بعدما افترقنا و عدت إلى المنزل، جلست مع بنات مجموعتنا وأخبرتهن بما جرى بيني وبين علي في تلك الحديقة، حيث تناقشنا في أدق التفاصيل. سرعان ما بدأنا نخوض في تحليلات لعلاقتنا، وأخذت الأراء تتباين بين مؤيدة ومعارضة. فبعضهن لم يخفين إعجابهن بفكرة تطور علاقتنا إلى شيء أكثر من مجرد صداقة، بينما الأخريات رفضن الفكرة جملة وتفصيلاً. أما أنا، فما زلت غارقة في دوامة من الصدمة وعدم التصديق بأن علي قد يكن لي مشاعر تتجاوز حدود الصداقة.

بدأت في استرجاعِ اللحظات والمواقف التي جمعتنا، مُحاولًة إعادة تفسيرها بعيون جديدة، وكأنني أكتشف عالماً مخفياً لم أره من قبل. ومع ذلك، حاولت تجاهل كل تلك الأفكار المتزاحمة في عقلي، متمنية أن يحدث شيء يمحو من ذاكرتي كل تلك الأسئلة المحيرة التي تثيرها مشاعر علي. لقد كنت خائفة من فقدان صداقتنا. وأكثر من ذلك، كنت قلقة من أن تؤدي هذه المشاعر إلى تفكك جماعتنا.

تلقيت رسالةً من علي ليلا؛ يعتذِرُ فيها عما حدث ودعاني لنسيان الأمر. مُفسِّرا غضبَه بكونهمجرد تعبير عن مسؤوليته الكبيرة تجاهنا، و ما كان علَي إلا قبول اعتذاره بلا تردد.

حاولنا بعدها أن ننسى ما جرى، ورغم ذلك إلا أنني لم أتمكن من معاملته بالود الذي كنت أفعله من قبل.
عرفت بعد ذلك من آلاء أن آسر قد وافق براء في رأيه، ولم يقبل تصرفات علِي تجاهي ، لذلك قد استجوبه عن السبب ليحاول هو الأخير جعله يصدق كذبة الأخ الأكبر و محاولته حمايتنا بدافع الصداقة.

في الصراحة لم يصدق أحد ما قاله علي، فالكل أضحى يفسر تصرفاته بطريقة أخرى بعد آخر موقف، لكننا تناسينا ما حدث بسبب توتر النتائج النهائية للإمتحانات، و رؤية الإختيارات الثلاث التي سنحظى بها جميعا.
كلما اجتمعنا نحن التسعة في تلك الفترة، كنا نتبادل سؤالا واحدا، هل سيتجدد اللقاء؟ أم أنه حان الوقت الذي سيسلك كل واحد فينا طريقا غير الآخر، طريق الوحدة الشاق، و لا لقاء فيه.

كنا الأربعة، أنا و علي، سارة و إلين، نود الالتحاق بسلك الهندسة، بينما ترغب كل من آلاء و رنيم بالطب، ليظل آسر وحيدا باختياره الفن و التشكيل، أما بهاء فكان يود الإلتحاق بصديقنا لؤي لتتمة مساره في الصحافة أيضا.
إن سألتموني عنا، فكنا المتفوقين في الصف، لذلك سقف توقعاتنا كان غير محدود، و الكل ينتظرنا لتحصيل أعلى المراتب.

في هذه الفترة لم أصادف براء كثيرا، لكنني علمتُ أنه قد أصبح صديق بهاء الذي لا يفارق زين في كل زيارة و لقاء معه. فكما أخبرتني سارة فإنهما يزوران بهاء مرتين أو ثلاث في الأسبوع، و لا يفوت هو الآخر  أي لقاء يجمعهما الثلاث.

كنت أحاول تفسير سبب هذا التغير، أيود البقاء بجانبي؟ أم أنني أتوهم إهتمامه بي فقط؟ ليتني أستطيع فهم تصرفاته المزاجية هذه.

حينها بدأت بمراقبة حساباته بشكل شبه يومي، أعرف الأماكن التي يرتادها، و الأشخاص الذي يقضي وقته معهم، و حتى الأماكن التي يفضل العزلة فيها. كنت أنجذب إليه أكثر فأكثر، شعرت و كأنني أغرق في بحر سواده غير المعتاد.

لم يكن يثيرني الفضول أبدا حول أحدهم طيلة حياتي، لكن الآن أشعر و كأنني أود معرفة كل شيء حوله، أريد تدقيق تفاصيله، و الغرق في ملامحه البريئة.
رغبت كثيرا في ترك نفسي لهذا التيار الذي يجذبني، لكن، هل هذا الشعور هو الحب؟ كيف يمكنني أن أعرف؟ فأنا لم أشهد الحب سوى في صَفَحات الرِّوايات وأضواء الشَّاشات، كيف لها أن تعكس هذا الواقع الذي أعيشه حاليا؟

ومع ذلك، كان هناك شيء واحد أنا متأكدة منه، وهو أنني معجبة به بشدة، و أنني غير قادرة على مواجهة هذه المشاعر الغريبة التي تثير الخوف والارتباك بداخلي.

Insta&Tiktok: @lets_be.strangers 🕯

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن