الصُّدْفَة

98 15 15
                                    

بينما نحن جالسون نحكي قصص طفولتنا، دخل شابين إلى المكتبة، أحدهما طويل القامة، ذو بشرة بيضاء تشبه نور القمر، مع شعر أسود يخطف عينا الناظرين نحوه، بملامح تحمل غضبا مكتوما. أما الآخر فكان أسمر البشرة، متوسط الطول، ما إن ألقى نظرة إلى طاولتنا، تزين وجهه بابتسامة دافئة، و إذ به يتقدم نحونا؛ بينما الشاب الآخر ظل واقفا أمام الباب بتردد يرمقنا بنظرة غامضة و كأنها ممزوجة بالحزن. لم أتمكن من فهم تعابيره، فقد كان وجهه عبوسا، لكنه لم يستطع إخفاء براءة ملامحه وجاذبيتها.

تقدم الآخر نحو بهاء، عانقه و الأسئلة تتوالى على لسانه، يسأل عن الحال والأحوال، يتفقد التفاصيل الصغيرة، لنعلم بعدها أنه زين صديق بهاء و جارهم أيضا.

-" يا للصدفة، مضى زمن طويل لم أراك فيه، كيف حالك مع آخر سنة؟"

أجابه بهاء :-" نعم، صدفة غريبة، ماذا تفعل هنا؟"

بعد أن انتهوا من حديثهم، دعوناه للجلوس معنا بلطف وود، خاصة أن علي طالما تمنى لعب الشطرنج معه، فقد كان بهاء دائمًا يحَدّثُنا عن ذكائه وبراعته في اللعب. استجاب زين لدعوتنا، ونادى على صديقه بصوت مرح:

-"براء، تعال، أريد أن أعرفك على بهاء."

براء، الإنسان الذي يسلم من العيوب، كيف يمكن لإسم أن يصف ملامح صاحبه بهذه الدقة؟ كانت ملامحه جميلة، نقية، تخلو من العيوب، إلا ذلك الحزن الغامض الذي يكسوها.

تقدم الشاب نحونا بخطوات واثقة، وبادلنا التحية بنظرة عينيه الهادئة. عرَّفنا زين على صديقه الغريب قائلاً:
-" هذا صديقي براء، من كلية الاقتصاد."

بدأ كل واحد منا بتقديم نفسه، وتبادلنا التحيات بابتسامات ودية وكلمات تعارف دافئة، محاولين كسر حاجز الغموض الذي كان يحيط ببراء، حينها قلتُ:

-"أنا لَياء، تشرفت بمعرفتكم"

نظر إلي بعيون تفيض بالتحدي والاستفزاز، ثم أخذ كرسيا وجلس بجانب علي، في الطرف المقابل لمقعد رنيم الجالسة على يساري. كان في تصرفه نوع من التكبر غير المفهوم، فتساءلت في داخلي عن سبب هذا التصرف الفظ؟ ماذا يظن نفسه؟ بدا وكأنه يعتقد أن له الحق في إفساد الأجواء بموقفه المتعالي. لاحظ الجميع انزعاجي منه؛ فتعابير وجهي وسلوكي لم تكن تخفي استيائي من تصرفاته ونظرته المتغطرسة. لم أستطع التصرف بعفوية في حضوره، فنهضت متظاهرةً بالبحث عن كتاب، في انتظار أن يكمل علي جلسة الشطرنج ويغادر زين وصديقه الطاولة. عندما عدت إلى مقعدي، لم تتغير نظراته، بل زادت في حدة الاستفزاز، ثم قال بصوت رجولي خشن:

- "تعطين اسمك حقه."

أجبته مستغربة من كلامه:

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن