"مَع مُرورِ الوَقْت، تَكْتسبُ قُدْرةَ السَّيْطَرةِ عَلَى كُلِّ مَشاعِرِكَ، فَيَأْتِيكَ الحُبّ عَثْرَةً"
قَررت تأجيل محادثتي مع الفتياتِ إلى أن أرتب أفكاري عما حصل، و لأقدم لنفسي سببا مقنعا لتصرفاتي معه، لأتعرف على الشعور المُتدَفِّق من جَوارحي بجانبه، و لأجد إجابة للأسئلة التي تُهلك عقلي، فهل هو مُحق في كوني أخَاف منه؟استيقظتُ صباحا مفعمةً بالحيوية، أعددتُ فطورًا شهيا، و أيقظتُ أمي بعدها، لتستغرب هي الأخرى من نشاطي و حماستي، و تتسائل عن سبب سعادتي الغامضة.
أخبرت أمي بأنني أحاول تقليص توتر الامتحانات، و التركيز على الإيجابيات بدل السلبيات، فأنا مقبلةٌ على حياةٍ جامعية فقط بعد شهرين لتتغير حياتي من فتاة صغيرة، إلى شابة بالغة مسؤولة عن عدة اختيارات في حياتها؛ أهمها تخصصها الجامعي.هذا الحديث يزعج أمي قليلا، فهي لا تحب تفكيري في تخصصات غير الهندسة، فأغلب المجالات الأخرى بعيدة عن مدينتنا، و لأنها لن تستطيع تحمل فراقي، فدائما ما كنت أطمئنها بحبي للهندسة و رغبتي في إكمال مسيرتي فيه، خاصة بعد تخلي أبي عنا، فقد أضحيتُ أخر غصنٍ في شجرة عائلتها تتمسك به و تجابه صعاب الحياة من أجله.
لكن القدر سيُعِدُّ لي طريقا آخرا لأسلكه.عندما أنهيت فطوري، ركضت إلى غرفتي لأحادِث صديقاتي و نحدد خطة الدراسة لليوم، لترتجف يداي بعد إمساكي للهاتف متفاجئة بطلب صداقة من براء في حسابي، مرفوقا برسالة في الخاص، مضمونها كالتالي:
" لياء مرحبا، كيف حالك صديقتي؟ أشكرك على مساءِ أمس، الإحساس بوجودك بجانبي هدَّأ من روع عاصفتي، شكرا"
و كيف لك أن تعلم يا صديقي أن رسالتك قد أرعدت عاصفة مشاعري؟
قبلت طلبه، ثم بعثت له جوابا كالتالي مع ابتسامة لن يحظى بشرف تلقيها:
" ربما ستتذوق شعور الطمأنينة الآن يا صديقي"
أحقا غَدونا أصدقاء؟ و هل سنَنجح في تصدي تلك الجاذبية بيننا؟
تصفحتُ حسابه قليلا، لتباغتني مجموعة من تعليقات صديقاته-و ربما حبيباته- يتغزلن به و يثنين من جماله تحت كل صورة يشاركها، بينما يقابلهن هو بإعجابٍ للتعليق دون رد.
تغاضيت قليلا عن ما قرأته، لتَأمُّل صُوَره بأريحية، متدحرجة بين هذه و تلك، إلى أن استوقفتني إحداهن في قارب بحري مع أصدقائه، يظهر فيها وشم يملأ جزء ظهره العلوي تحت كتفه اليمنى، أمعنت النظر محاولةً فهم معناه، لكن بلا جدوى، فالصورة غير واضحة، لذلك سألته مباشرة بعد إرساله لرموز تعبيرية عن آخر رسالة.
"ما معنى وشمك؟"
أعرف أنني فضولية أكثر من اللازم، لكنني حقا أريد معرفته، و أن يزول ذاك الشعور بالغربة حينما أنظر إلى عينيه.
"لا معنى له، مجرد وشم، سأخبرك لاحقا"
تلقيت هذا الرد بغضب و سخط، فهو يتجاهلني و يتخطى أسئلتي، و أنا يقتلني الغموض، و ربما يزيد من إنجذابي إليه، ما الذي يحدث لي؟ كيف لرسالة صغيرة تغيير مزاجي؟ أحقا أصبحتُ كالمراهقات بعد انتقادي لهن لسنوات خالية؟تبادلنا الحديث عدة مرات أثناء فترة الإمتحانات، لكننا لم نلتقي أبدا بعد آخر يوما قضيناه على الساحل.
كنت أراقب كل منشوراته الجديدة، بينما لم أكن أنشر شيئا آنذاك.لنعد قليلا إلى حديثي مع الفتيات عن تعارفي و براء.
بعدما اجتمعنا يوما في غرفتي، أخبرتهن أنني قد صادفت براء في الساحل يوم حادثة أخ إلين، و أنه كان يدخن إلى أن رآني أمامه، فرمى سيجارته بعيدا و بادلني التحية و سألني عن أفراد مجموعتنا، في الحقيقة كنت أضيف تفاصيلا لما حدث ليكون عاديا في نظرهن، لكن لم أكن أتوقع منهن الغضب أبدا.فأول شيء قالته رنيم جعل عقلي يتوقف عن فهم أمري:
-" ألست من يرفض فكرة الصداقة بين ذكر و أنثى؟ ألا تتذكرين كيف أسسنا مجموعتنا بصعوبة معك؟ أنت التي إذ صادفتي عليا بمفرده في الطريق تتصرفين و كأنك لا تعرفينه، و ها أنت من يقضي يوما كاملا مع غريب لا نعرفه؟ ماذا تفعلين يا لياء؟ ماذا يفعل هذا الولد بك؟"
-"لقد جاءني عثرة يا بنات، توقف و اعتذر مني، ماذا كان بإمكاني فعله؟ كنت أنتظرك يا إلين"
هكذا أجبتها بعدما توجهت نحو النافذة، فلم أعد أتحمل نظراتهن لعيناي، خوفا من فهمهن لمشاعري.إلين:
" لا تخدعينا و تخدعي نفسك، تعرفين أنها ليست الحقيقة، و الموضوع ليس موضوع اعتذار، ماذا يجدر بنا أن نفعل الآن؟؟"ضاق صدري من كلامهن، فهن محقات، لكنني لا أستطيع قول شيء، فأنا لم أفسر لنفسي ما يحدث، كيف سأقنعهن أنه مجرد صديق؟ كيف سأجعلهن يصدقنني؟ ليتني كتمت ما حدث و لم أخبرهن.
أضفت بصوت خافت:
-"لا أستطيع تفسير ما يحدث،أرجوكن اعذرنني"اقتربت إلي رنيم، وضعت يدها على كتفي، و قالت:
-" لا تؤاخذينا، ربما قسونا عليك قليلا، لكن هذا الولد قد غيرك يا لياء، و أنتِ تعرفين أننا على حق"-" لا لستن محقات، لكنني أشفقت على حالته، لذلك لم أستطع تجاهله و الذهاب، أنتن تعرفنني"
بدأن بالضحك، ثم عانقنني، و قالتا في آن واحد:
-" يا أهلا بالحب الذي دق أبواب لياء"و ليته حَلَّ سهلا كما كانتا يَظنا الحُب في الروايات و الكتب.
Insta & TikTok: @lets_be.strangers 📝
أنت تقرأ
لِنعُد غُرباءً
Romanceفي مدينة صور اللبنانية، تعود لياء، الممرضة الشابة، بعد غياب طويل لتواجه ماضيها وحبها الأول، براء، الذي تغيرت حياته منذ رحيلها. في رحلة مفعمة بالإثارة والتحديات، تتشابك الأقدار، لتعيد لم شمل الأرواح المبعثرة. لكن هل سيتمكن هذ الثنائي من تجاوز العقبا...