أَصْدِقَاءٌ

50 12 1
                                    

بعدما فَقدت تركزي و أنا أشاهده، أخذتُ كتابي ثم طلبتُ من النادل حسابَ طاولتي للمغادرة.

اتجهتُ نحْو براء خارجَ المقهى، وقفتُ أمامه، و استأذنت للجلوسِ، فأماءَ برأسه موافقاً على طلبي.

عم الهدوء بيننا لفينةٍ من الزمن، نستنشق عبق الهواء المالح ونشاهد البحرَ وهو يتلاطمُ بلطف. تسارعت نبضات قلبي، و شعرت بدفئٍ غريب بقربه، و كأنني أعرفه منذ زمن بعيد.
يمر الوقت ببطئ شديد و أنا أحسب الدقائق منتظرةً كلمةً منه لنبدأ حديثنا، بقينا على حالنا لما يزيد عن العشر دقائق، إلى أنْ بادرتُ:

-" منذ متى و أنت تدخن؟"

نظر الى عيناي وقال:
-" منذ أن وعيت على نفسي"

-" بماذا تشعر؟"

-" بكل شيءٍ ما عدا الطمأنينة"

-" لم أفهم؟"
باستغراب نظرت إليه.

-" لا داعي يا أيتها الأميرةُ الصغيرة"

ها قد عاد البرود الذي صادفته أول مرة، لا أفهم لماذا يتدحرج بين شَخصيتيْه، بين تلك البريئة، و هذه الباردة.

-" ألا تتعب من حمل شخصيتين متضادتين؟"
باستهزاء قلتُ.

-" لياء، ربما لا تزالين صغيرة عن كلّ هذا، أشعر و كأنني أرتكبُ أخطاءً كثيرة، لكنك أكبرهم، لا أريد أن أجرحك أكثر، ربما حان وقت ترككِ و شأنكِ كما تريدين"

ماذا يقصد بالصغيرة؟ و أي خطأ أنا؟ أهو من يدفعني بعيدا عنه؟ أحقا يريدني أن أذهب؟

لكنني لا أنوي الذهاب هذه المرة، أرغب في معرفته، أريد إكتشاف ما وراء ملامحه المنطفئة، و معرفة سبب حزنه الذي أخمد نور عينيْه، لماذا هو غاضب لهذا الحد؟ أيعقلُ أن الحياة لم تكن عادلةً على روحه البريئة؟ من أطفأ شمعةَ طفولتِه و أرْغمه على الوقوف صامداً؟ من أَحْمله ثقلاً يخطِف من ملامحه الفرح و الابتسامة؟

-" براء، أنظر، أعرف أن بدايتنا لم تكن جيدة، ما رأيك أن نتعرف من جديد؟ ربما نكون أصدقاء رائعين، ما رأيك؟"
بكل براءةٍ تسألتُ.

-" أتستهزئين ؟ ماذا تحاولين فعله؟"

-" لا شيء، فقط أقصد أنني قبلت إعتذارك و أرغب بمعرفتك أكثر، ألم تقل أنك تتمنى لو أن لقائنا كان مختلفا؟"

-" كنت أمزح"

رده الساخر جعلني أشعر بالإحراج و التوتر، أحسستُ و كأنني أخطأتُ للمرة الثانية في تفسير ما حدث، ربما لم أحظى بذلك الاعجاب الذي ظننته. نظرت إلى عينه ثم نهضت من الكرسي، أخذت حقيبتي و وليت ظهري له  كما اعتاد أن يفعل.

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن