مَنْ أنَا يَا أُمِّي؟

37 9 2
                                    


♤أَعْتقِدُ أن الجَميع في حَاجةٍ لِصَخرَةٍ يَتَّكِئ عَلَيها فِي لحظاتِ ضُعفه؛ تلك الصَّخرة الحَنونة التي تدعى أُم.♤


عُدت إلى المنزلِ مع الساعة الخامسَة مساء، وجدتُ أمي تنتظرني بغرفتي، جالسة على الأرض، تَحتضن صُورتي في يديها.

كانت تلك الصورة التي لطالما أَخْفَيْتُها عن عينيها، صُورة تجمعني بأبي، في عمر السنتين، تلك التي أنام و أنا أتأمل براءتي فيها و التي تَحرُسني من نسيانِ ملامحِه، فربما يمر بجانبي في الشارع يومًا و لن أتمكن من معرفته. فلا زلت أدعي للقائه، لأبوح له بما في خاطري من مشاعر مكبوتَة عَبر خمسة عشر سنة مضت، و لأخبره بمعاناتنا في غيابه، وكيف تجاوزناها أخيرا بتمسكنا ببعض، و ليعلم أيضا أن أمي حافظت على وعدها له يوم لقائهما الملعون، ولم تمنح قلبها لأحدٍ سواه.

بعدما أبصرتني واقفة على باب الغرفة و عيناي منتفختان، نهضت بسرعة و بغضب قالت:
" أين كنت يا لياء، لقد اتصلت بك ألف مرة، لماذا لا تردين علي؟ أتودين قتلي؟"

-" حسنا يا أمي ها أنا هنا"

-" ماذا تفعلين بهذه الصورة؟ ألم أقل لك لا أريد أن أرى أي شيء يخص هذا الرجل في منزلنا؟"

-" و أنا لا أريد أن أنسى وجهه ألا تفهمينني يا أمي؟"

-" لماذا؟ ألم تكبري للحد الذي يجعلك تفهمين أنه لا يستحق؟ لا يستحق أي رجل أن نبكي خلفه و نحن نمسك صورته، ألم أعلمك هذا؟"

أخذتُ نفساً عميقاً، وجمعتُ شجاعتي المتناثرة قبل أن أنطق بالكلمات التي كانت تختمر في صدري لسنوات. ثم قلت بصوتٍ مبحوح:

"من حقي التساؤل كيف كان سيبدو العالم لو لم يتركنا. أريد أن أراه، أن أعرف لماذا رحل، أن أفهم، ألم يكن هذا الرجل يحبك؟ أود سماع القصة من وجهة نظره، كبرتُ و أنا أستمع كل ليلة لتوبيخك لأنني منحتُ ذكرا ما قلما في الإبتدائية، كبرت و أنت ترمين علي كرهك للرجَال، أصبحتُ فتاةً مريضة نفسية ألا ترين؟"

توقفت للحظة، أشعر بثقل الكلمات التي تتساقط كالجمر من فمي، أعلم أنه تود حمايتي، لكنها تؤذيني بهذا.
ثم أتممتُ بعدما قابلتني بالسكوت و الدهشة:

"وأنا تعبت، أمي.."
أكملت بمرارة،
"تعبت من سيطرتك على مشاعري واختياراتي. أعرف أنك تحاولين حمايتي، لكنني أشعر أنني مُحاصرة. أحتاج أن أعيش حياتي بطريقتي، أن أملك الإختيار بخصوص مستقبلي، أن أخطئ وأتعلم، و أن أختار من أحب وكيف أحب."

أغمضت عينَي، محاولةً كبح الدموع التي كانت توشك أن تنفجر، وأضفت بهمس:

"أنا بحاجة لأن أكون نفسي، وأن أتحرر من ظِل رحيل أبي وسيطرتك. أرجوك، افهميني."

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن