مَشَاعِرٌ مُتَضَارِبَةٌ

24 7 0
                                    


مرّت الأيّام كلمح البصر، فبعدما تم قبولي لإتمام سنة تخصص الطوارئ، بدأت أعيش مغامرة لا تشبه أي شيء آخر. في هذا العالم الصاخب والمليء بالتحديات، وجدت نفسي أغوص في أعماق واقع لم أكن أتوقعه.
كنت أقضي أيامي بين أسوار المستشفى فهذا ما تقتضيه التداريب، أتنقل بين الأروقة وغرف الطوارئ، أواجه حالات طارئة تستدعي سرعة البديهة وقوة القلب.

كان العمل في قسم الطوارئ أصعب مما تخيلت، يختبِر حدود صبري وطاقتي كل يوم، ولكنه أيضًا منحني شعورًا بالمسؤولية والشجاعة لم أذقه من قبل.
كان كل يوم يحمل في طياته درسًا جديدًا وتجربة فريدة، محولاً إياي من مجرد طالبة إلى جزء لا يتجزأ من فريق يسابق الزمن لإنقاذ الأرواح.

من جهة أخرى، نسجتُ خيوط صداقة متينة مع حسام،  الشاب الذي كان يتمتع بروح مرحة وقدرة فائقة على تحويل أثقل الهموم إلى أشياء خفيفة تتطاير مع الريح. كنا نلتقي كل أسبوع بشكل روتيني، نغوص في بحر من الأحاديث حول العلوم والفن، نناقش الأفكار، ونتبادل الرؤى. كان حسام محترمًا، يعرف حدود التعامل بلباقة وأدب، مما جعل الحديث معه مريحًا وممتعًا.

بمرور الوقت، بدأت علاقتنا تتعمق، فوجدنا أنفسنا نغوص في ذكريات الماضي. أخبرته عن براء و عن اختفائه المفاجئ، و عن قصتنا الغريبة والمختلفة في المراهَقة. كان حسام متفهمًا بشكل يفوق التوقعات، كما لو أنه الشاب الذي تتمنى كل فتاة أن تلتقي به. لذلك فلم يكن يحتاج إلى بذل جهد كبير لإقناعي بأن ما بيننا قد يكون أكثر من مجرد صداقة، فقد تسللت مشاعر الحب بين كلماتنا ونظراتنا دون أن نشعر. تدريجيًا، بدأت أرى في حسام ليس فقط الصديق الوفي، بل أيضًا الحبيب الذي يساندني في صعاب حياتي.

لأكون صريحة، لم أشعر بأي لهفة تجاه حسام، رغم أنه كان شابا أنيقا، تتلهف الفتيات حوله، طويل القامة ذو شعر أسود، عيناه بلون عسلي يميل للأخضر يشبه خاصتي، لكنه حينما ينظر للشمس يَشعرُ الناظر و كأنهما تتحولان إلى لون أصفر، يملك بنية جسدية معضلة، فهو رياضي منذ مراهقته. إلى جانب وسامته، كانت لشخصيته جاذبية قوية، يهتم بالتفاصيل مهما كان نوعها. حاولت إغراق نفسي في بحر من الأوهام، مقنعة نفسي بأن حسام هو الشخص المناسب، وأن ما أشعر به هو حب حقيقي. أردِّد بداخلي أن اللهفة تحدث للمراهقين و أن الإنسان الناضج يحب بعقله لا بقلبه.

في بعض الأحيان كنت أشعر و كأنني دخلت في هذه العلاقة خوفا من خسارة صديقي الوفي، فقد كان كالسند داخل معركة الحياة. ثقل هذه الحقيقة ظل يضغط على قلبي، لكنني تجاهلت كل هذا و نسيت نفسي تماما.
أحيانا، يغلبني الشوق، أو ربما الفضول، فكنت أحاول فهم سبب مغادرة براء لصُور، أعلم أن ذلك كان الحل الأنسب لنا، فبعدما منحني هدية متميزة، شعرت نفسي مدينةً له، كنت أخاف أن نعود إلى نقطة الصفر خاصة و أن معارفنا مشتركة، لكنه رحل تاركًا خلفه الحزن و الألم ليعيش بسعادة حيثما ذهب، أو ربما هذا الذي ظننته. تمنيت له كل التوفيق و مضيت في طريقي، أتذكره من فينة لأخرى حينما أعود لمكتبتي من أجل هديته التي باتت كحافز لي، فيوما ما سأقابل أيضا كاتبتي المبدعة.

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن