مُفْتَرَقُ الطُّرُقِ

38 9 4
                                    

"غُرباءٌ ثم أَصْدِقاء، ثم أحاديثٌ طَويله، ثُم أحِبَّة، ثم حَدِيث قَلِيل ثُمَّ عَادُوا غُرَباء"

— محمود درويش

________________________________________

لم أنسَ وعدي لبَراء أبدًا، كان يتردد في ذهني كأنغام لحنٍ عالق في ذاكرة القلب.

و أخيرا، قررت أن أراسله، ملتمسة منه لقاءً على الساحل قبل يوم تأكيد إختياراتنا،  تدفقت من قلبي مشاعر كموجة عارمة، حماس شديد أشعرني بألمٍ في معدتي، كأن توتر الفراق قد تلبسني.

جلستُ على مكتبي، محاولةً أن أجد الكلمات التي تعبر عن تلك المشاعر المتضاربة بداخلي. كنت أشعر وكأنني أواجه قرارًا مصيريًا، كأنني أُعلن انفصالًا عن علاقة دامت سنوات.

لكن، أيهما أكثر إيلامًا؟ هل هو انفصال بعد سنوات من الذكريات والتجارب المشتركة؟ أم انفصال، قبل أن نروي فُضولنا تُجاه بعضنا البعض، قبل أن نتعرف على أعمق خبايا أرواحنا؟

لقد كان التوتر يعْصف بي، يمْلأني بشعورٍ من عدم اليقينِ والخوف من المجهول. ومع ذلك، كان هناك شعور أعمق، رغبة ملحة في اللقاء به، في مشاركة حديث صادق تحت سماء الليل المرصعة بالنجوم، على صوت الأمواجِ الهادئة. كُنت أَحتاج إلى أن أرى بريقَ عَينيه الضيقتين مجددًا، أن أشعر بوجوده بقربي و بجانبي، لَعَل هَذا اللقاء يكشفُ لنَا الطريقَ الذي ينبغي علينا أن نسلكهُ، سَواء كان طريقًا مشتركًا أو مساراتٍ متباعدة.

بعدما تحدثنا و اتفقنا بخصوص موعد اللقاء، جلستُ أمام مرآتي، و بدأتُ في تسريح شَعري ببطئ محاولةً جعله يَتماوج كَالحَريرِ عَلى كَتفي، ثُم وضعتُ لمساتٍ خفيفة من المكياج، و اخترت فُستانا أزرقاً يعكس لوْن البحرِ.

أَخذتُ نفسًا عميقًا، محاولة تهدئة نبضات قلبي المتسارعة، ثم خرجت من المنزل بخطواتٍ واثقة. كان الطَّريقُ إلى الساحل يمْتد أمامي كأنه شريط من الذكريات والأحلام، فها أنا على بعد أيام من تغيير جذري في حياتي. مع كل خطوة، كنت أشعر بالاقتراب أكثر فأكثر من تلك اللحظة الموعودة، فأنا أعلم أنه اللقاء الأخير بيننا حيث سيلتقي قلبانا تَحت سماءِ الْمَسَاء للمرة الأخيرة، مع دقات الساعة السادسة التي كانت تحْمل وعدًا بلقاء لا ينسى بحيث سنعود غرباء بعده كما كنا.

حينما وصلت الى الساحل، رأيتُ براء جالسا على صخرة كبيرة يترقب قدومي، و بعدما أبصرني بدأ يقترب بخطوات ثابتة نحوي، كان قلبي يخفق بتوتر و حماس.
عندما اقترب، تبادلنا نظرات صامتة، تحمل في طياتها آلاف الكلمات غير المنطوقة.

وقفنا أمام بعضنا للحظة، ثم ابتسم ابتسامته التي طالما كانت ملاذي، و قال:
-" تبدين جميلة"

لِنعُد غُرباءًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن