الفصل 21 : مَخاوِفٌ وَ أحَاسِيسْ

148 14 17
                                    

جِئتِ أَنتِ كَنَسْمَةٍ هَارِبَةٍ مِنْ جَنَّةٍ لَمْ تُرْوَ قِصَّتُهَا بَعْدُ، تَحْمِلِينَ بَيْنَ يَدِيكِ عَبْقَ الْخُلُودِ وَلُغَةَ النُّجُومِ الَّتِي لَا يَفْهَمُهَا سِوَى الشُّعَرَاءِ وَالْمَجَانِينَ.......

كُنتِ كَفَنَّانَةٍ مَاهِرَةٍ تَتَلَاعَبِينَ بِالْأَلْوَانِ، لَا تَرَيْنَ فِي لُوحَتِي سِوَى جَمَالِهَا الْمَخْفِيِّ خَلْفَ تِلْكَ الشُّقُوقِ الَّتِي كُنتُ أَظُنُّ أَنَّهَا نُدُوبٌ أَبَدِيَّةٌ، كُنتِ تَتَجَاهَلِينَ عُيُوبِي وَكَأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا، أَوْ كَأَنَّكِ تَرَيْنَ فِيهَا إِنْعِكَاسًا لِجَمَالٍ خَفِيٍّ لَا أَجْرَأُ عَلَى تَصْدِيقِهِ........

حِينَ نَظَرْتِ إِلَيَّ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، كَانَتْ عَيْنَاكِ كَمِرْآةٍ عَمِيقَةٍ كَشَفَتْ لِي وَجْهًا لَمْ أَعْرِفْهُ مِنْ قَبْلُ، وَجْهًا مُخْتَلِفًا عَنْ ذَٰلِكَ الَّذِي أَلِفْتُ رُؤْيَتَهُ فِي زَوَايَا الْمَرَايَا الْمَكْسُورَةِ. ارْتَجَفْتُ كَطِفْلٍ عَارٍ يَقِفُ تَحْتَ الْمَطَرِ لِلْمَرَّةِ الْأُوْلَى، وَكَأَنَّكِ تَنْظُرِينَ إِلَى أَعْمَاقِ رُوحِي الْعَارِيَّةِ، وَتَهْمِسِينَ لِي دُونَ كَلِمَاتٍ: "أَنتَ تَسْتَحِقُّ أَنْ تُحَبَّ، كَمَا أَنتَ، بِكُلِّ نُدُوبِكَ وَضَعْفِكَ، بَلْ وَرُبَّمَا بِفَضْلِهَا."......

كُنتِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ امْرَأَةٍ فِي حَيَاتِي؛ كُنتِ مُعْجِزَةً جَاءَتْ دُونَ مَوْعِدٍ، كَشَمْسٍ تَسَلَّلَتْ إِلَى عَالَمِي الرَّمَادِيِّ وَأَضَاءَتْهُ بِأَلْوَانٍ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنْ عَيْنَاكِ وَحْدَهُمَا قَادِرَتَانِ عَلَى إِذَابَةِ الْجَلِيدِ الَّذِي يُحِيطُ بِصَدْرِي مُنْذُ سِنِينَ، أَوْ أَنْ لَمْسَةً مِنْ يَدَيْكِ عَلَى وَجْهِي قَادِرَةٌ عَلَى أَنْ تَخْمُدَ كُلَّ الْوَحُوشِ الَّتِي تَنْهَشُنِي فِي أَعْمَاقِي.......

كُنتِ اللَّهَبَ الَّذِي يَتَلَهَّبُ فِيهِ بُطْئًا، لَكِنَّهُ أَيْضًا اللَّهَبُ الَّذِي يَمْنَحُنِي دِفْءَ الْحَيَاةِ فِي لَيَالِي الْبَرْدِ الطَّوِيلَةِ. عِنْدَمَا اقْتَرَبْتِ مِنِّي، كَانَ قَلْبِي يَتَوَسَّلُ صَامِتًا أَنْ يَبْقَى قَرِيبًا مِنْكِ لِلْأَبَدِ، وَكَأَنَّنِي وَجَدتُّ فِيكِ الْأَمَانَ الْوَحِيدَ الَّذِي طَابَ لِي حُلْمُهُ.......

كُلَّمَا لَامَسَتِ وَجْهِي، كَانَ قَلْبِي يَرْتَجِفُ كَمَا لَوْ أَنَّكِ تَحْمِلِينَ فِي يَدَيْكِ خُيُوطَ رُوحِي، وَكَأَنَّكِ تَدَاعِينَ ذَاكَ الْجُزْءَ الْمُخْفِي فِي أَعْمَاقِي الَّذِي طَالَمَا اعْتَقَدْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. كَانَتْ لَمْسَتُكِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ لَمْسَةٍ، كَانَتْ كَالسِّحْرِ الَّذِي يَمْسَحُ عَنْ رُوحِي أَعْبَاءَهَا الثَّقِيلَةَ، وَ يَجْعَلُهَا تَتَنَفَّسُ بِسَلاَمٍ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ مُنْذُ سِنِينَ.......

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: 2 days ago ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

Lady De Jorgia Where stories live. Discover now