الفصل الثانى

629 23 0
                                    

فور وصولهم الي الشركة ادخلها والدها مباشرة الي المطبخ ...اجلسها علي طاولة طعام في ركن المطبخ وقدم لها الشاي وقال لها بحنان..                - يلا حبيبتى ذاكري.... ثم غادر المطبخ ليباشر عمله...
لم تكذب خبر واندمجت في الاستذكار ...فترة طويلة  مرت وهى مازالت مندمجة لا تشعر بأي شيء...موظفوا الشركة علموا ان سلطان احضرابنته واجلسها تستذكر في المطبخ فتجنبوا ان يزعجوها وربما تجنبوا ان يحرجوها ... وأخيرًا شعرت بالامان والراحة بعد اسابيع من الخوف سوف تذاكر بدون خوف..
نعمة وجود ابيها الي جوارها لا يعادلها أي شىء اخر انحنائها  المتواصل منذ ساعات علي كتابها جعلها تشعر بالم فى ظهرها ورقبتها.....قامت تتجول في المطبخ ...خلعت صندلها وعادت مجددًا للجلوس علي المقعد الذي اختاره لها والدها... ورفعت ساقيها علي مقعد صغير امامها ...فستانها ارتفع حتى ركبتيها ...سيقانها البيضاء الجميلة ارتاحت بنعومه علي  المقعد...اصابع قدميها الصغيرة تنفسوا بإرتياح خارج الصندل .... اغمضت عينيها ويداها حررت شعرها وفكت ربطته فنزل كشلال الذهب علي كتفيها...
وهزت رأسها تبعد شعرها عن عينيها  ... ودلكت عضلاتها المرهقة لعدة دقائق ثم واصلت مذاكرتها... تلك الدقائق من الدلال اعادت اليها همتها واكملت بنشاط ..
عند الساعة التاسعة كانت تقريبًا قد اكتفت واحست بالرضى من نتيجة تحصيلها ...والدها ايضًا كان قد انهى عمله ...هتف بسعادة غامرة فور دخوله المطبخ ...
- البية الله يكرمه ادانى 500 جنية وقالي جيب حاجة حلوة لبنتك وانت مروح...عشان كدة ال500 جنية دول بتوعك اختاري هتعملي بيهم ايه
وما كان منها الا ان شهقت من الصدمة  فخمسمائة جنية دفعة واحدة خارج الميزانية معجزة لم تشهدها من قبل .. يا الله يا كريم ...الفرحة غمرتها حتى النخاع ..
- خلاص يا بابا انا عرفت هنجيب بيهم ايه...يلا بسرعة عشان نلحق المحلات قبل ما تقفل.....
.......................................................................................
- لا لا يا هبة مش ممكن الفلوس دى بتاعتك يا حبيبتى....
- يا بابا يا حبيبي انت بتلبسنى خوذه ...وانت مش لابس اشمعنى انت    لازم عشان خاطري تلبسها انا بخاف عليك ..
دموع الفرحة ملئت عينيه ....بعد اصرار رهيب من هبه  وتوسلات..  سلطان قبل بشراء الخوذة التي كان ثمنها مائة وتسعون جنيهًا....
وبحنان بالغ اقترح ...
- كده فاضل 310 جنية انا عارف بقي هنعمل بيهم ايه ... انا عازمك علي العشا في اغلى مطعم ...                                         
فاعترضت بشده..
- لا يا بابا مينفعش خسارة الفلوس                      
دمعت عيناه ...
- دي يا حبيبتى هتكون اول مرة هعزمك فيها بره مش خسارة فيكى أي حاجه....                                                      
لكنها اصرت واقترحت عليه بقناعة شديدة..                                    
- خلاص ناخد الاكل ونروح نعد علي النيل انا بحبه اوى ونفسي اشم هوا نضيف ...                                                                           ومجددًا اذعن تحت اصرارها  فرقة هبة وضعفها كانوا دائمًا ينتصرون ... من كان يستطيع مقاومة طلب لهبه الملائكية ...                                    وبعد اصرارشديد منها اكتفى باحضار مشويات للعشاء من مطعم فخم وكنافة بالقشطة كتحلية لها لانه يعلم مقدارحبها لها .... واخذها للجلوس علي النيل بناء علي رغبتها ...
بعد العشاء هتف بسعادة غامرة ....                                                  - عارفة بقى يا حبيبتى الباقى لازم تجيبى لنفسك بيه فستان جديد ...بكره ان شاء الله بعد المدرسة هاخدك المحلات....
.......................................................................................               
كعادة كل يوم وجدته هبة في انتظارها علي باب المدرسة ولكن في ذلك اليوم كان يرتدي الخوذة الجديدة بفرح ...
واخبرها بفرحة غامرة عندما رأها ...                                     
- ادهم بيه الله يكرمه ويعمربيته قالي ..." يا سلطان خلاص متجيش الفترة التانية وراتبك ماشي زى ما .. وقالي بالحرف ما هو مش هيجرى حاجه يعنى لو كل واحد قام عمل طلبه بنفسه " ..
يعنى الحمد لله مش هسيبك لوحدك بالليل تانى ابدًا ...
و كالمعتاد بدأ يعدد في صفات ادهم الحميدة كما يفعل كلما اتى ذكره ...   
- ده ابن حلال وكريم وبيعاملنا كويس ربنا يكرمه ..... ابن عز طول عمره بصحيح...
دائمًا كان يتحدث بالخير عن رب عمله المليارديرادهم البسطاويسي... ويكفيها اعفائه لوالدها من عمله في الفترة الثانية حتى تتأكد بنفسها من استحقاقه لكل مدح اختصه به
طوال سنوات عمرها الاخيرة....فشعرت بامتنان بالغ تجاهه
منذ ان وعت وبدأت في الفهم وابيها يعمل كساعي خصوصي لمكتب ادهم البسطاويسي...بالتحديد منذ ثمان سنوات ومن حينها تحسنت احوالهم المادية بدرجة كبيرة فأدهم البسطاويسي كان كريم مع موظفيه بطريقة ملحوظة    واباها اعتاد الثناء عليه كل يوم....والان اشفق ادهم علي ابنة سلطان من ظروفهم الصعبة واعفاه من عمله في الفترة المسائية كى لا يتركها وحيده في تلك الظروف المرعبة والتى اصبحت تواجهها يوميًا ...
فكرت مع نفسها فى امتنان كبير يغمرها  من شهامته مع ابيها..              
" اكيد عنده بنات عشان كدة فهم خوف بابا عليه..." وركبت خلف الدها وتمسكت به بسعادة فشعر بسعادتها فهو ايضًا سعيد   وكلمةالسر " ادهم البسطاويسي                      
هذه المرة قال هو  و باصرار فرح ليضيف اليها المزيد من السعاده  ...     - هنعدي نجيب الفستان قبل ما نروح...
بعد اسابيع طويلة ... اخيرًاعاد لها احساس الامان اثناء مذاكرتها لدروسها كانت تجلس علي الطاولة  في صالة منزلهم و بجوارها والدها وهو يقرأ في المصحف..." الحمد لله "...ساعات عمله  في السابق كانت تقضيها في الرعب من المجهول...واستراق السمع عبر الجدران للاصوات التي تخيفها
شهران مرا منذ رحيل الجارة الرائعة حسنية فكانت تغلق فيهم علي نفسها  باب شقتهم بالمفتاح وتظل تدعى الله ان يسترها ويمر الوقت بسلام حتى عودة والدها من عملة في العاشرة  ...لكن الحمد لله بفضل رحمة ادهم البسطاويسي وعطفه لن يتركها والدها في المنزل وحيدة مجددًا.....
مع عمله لفترة واحدة اصبحت حياتهم افضل بالتاكيد ...وايضًا تحسنت صحته كثيرًا وعندما اطمئنت لوجوده بجوارها زاد تركيزها وتحصيلها ارتفع بشكل كبير ..
كل شيء كان يتحول للافضل واستمتعت بالوضع الجديد لفترة...          لكن كل  شيء تغير فجأة وتكهرب الجو مجددًا ...فعند عودتهم في احد الايام من المدرسة سلطان كان يوقف دراجتة النارية تحت منزلهم كما كان يفعل دائمًا اعترضه احد البلطجية وقال بغباوة متعمدة ...                        - ده مكانى شفلك مكان تانى ....
الخوف احتله ..لم يخف علي نفسه بل خاف علي هبة حتى الموت...فهو ادرك ان البلطجى يعطله لغرض ما وبالتاكيد هوغرض دنىء مثله....
فاجابه بتوتر بالغ ...
- طيب يا بنى ...
ثم اشار لهبة بالصعود لمنزلهم فورًا وغادرعلي دراجته لايجاد مكان اخر لها وهو يرتعد من الخوف ..
خوفه الاعظم واسوء كوابيسه كانوا علي وشك التحقق...لكنه ما ان ابتعد حتى فهم الغرض من حركة البلطجى ..."عبده " ...الحقيقة ضربته بقوة فالبلطجى كان يعطله في الاسفل كى ينفرد عبده بهبه علي الدرج...
وبرعب  لا يوصف ترك دراجته في وسط الشارع بدون اهتمام وعاد بأقصى سرعة الي هبة .... 
التي كانت قد  صعدت الدرج وهى تجري بقوة ....قلبها يخفق بعنف ...دقات قلبها تصم اذانها من قوتها...ادركت ان وراء تحرش البلطجى بأبيها شر... وصلت لباب منزلهم وانتظرت اباها فهى لم تملك يومًا مفتاح فهى لم تحتاجه ابدًا فوالدها كان يوصلها حتى الباب دائمًا ولم تضطر يومًا لحمل مفتاح في المدرسة  ...لسوء حظها رأت عبده البلطجى ينزل الدرج وهو يتطلع اليها بعيون شريرة تفضحه....                     
هرب الدم من عروقها وتسألت برعب...                                           - انت فين يا بابا..؟ ...رعبها وصل الي السماء مع اقتراب عبده منها لدرجة انها شمت رائحة مقرفة تفوح من فمه القذر...                         واقترب عبده  اكثرمنها حتى احست بلفح بانفاسها القذرة علي وجهها... فالصقت نفسها في باب شقتهم وكأنها تستنجد به....
الدموع حبستها بصعوبة ...
صوت خطوات والدها التي تطوي السلالم جريًا اعطاها الامل في الخلاص...خطوات والدها المقتربة بلهفة لم تؤثر في عبده الذي قال بوقاحة ...                                                                  
- مسيرك ليه يا جميل.. وقريب اوى....
ثم وجه نظرات تهديد وتحدى لسلطان كأنه يتحداه ان يعترض علي ما قاله... وببرودة اخرج مدية صغيرة من جيبه لوح بها في تهديد في وجه والدها ثم هوي بها في حركة تهديد صريحه علي كفه عدة مرات ...        بعدما انهى تهديده الفج...عبده دفع سلطان بكتفه بقوة اطاحت به علي الارض وهو في طريقه لنزول الدرج....
وبعده انهض اتجه فورًا لهبة المرعوبة كى يطمئن عليها...
خوفه علي هبه وصل لحد الجنون ...قلبه يبكى ويقول .." اة من الظلم والفقر والذل والضعف "...
ادرك بما لا يدع مجالًا للشك ان عبده وضع هبه في رأسه ولن يتوانى حتى ينالها... جمالها المبهر لعنة عليها منذ الان..لابد وان يهربوا ...يغادروا هذا المكان الموبؤ ...لكن السؤال الاهم الي اين ؟
وكان اسوء ما في الامر اكتشافه منذ ايام قليلة انه مريض بقلبه وحالته خطيرة ..
القهراكل قلبه ...خوفه علي ابنته من الدنيا من بعده سيطرعلي تفكيره      
اذا كان لا يستطيع حمايتها من عبده في وجوده  فماذا ستفعل اذًا عندما تكون وحيده في مواجهته...؟
وادخل هبة المرعوبة الي المنزل واغلق الباب بقوه....                
- هبه حبيبتى طمنينى ..لمسك ؟
هزت رأسها برعب...
- لا لا
فزفر بارتياح ....
- الحمد لله ...الحمد لله
تركها ورفع يده الي السماء وقال ... " يارب احميها مالناش غيرك "
...........
وعندما اتى لاخذها من المدرسة في اليوم التالي احست بشيء غير طبيعى في تصرفاته ...كان متوتر وخائف ويتلفت من حوله باستمرار..
توتره انتقل اليها فسألته بقلق ...
- بابا مالك طمنى...؟ ...انا خايفه ..
-  ما فيش يا هبه اطمنى  ..عاوزك لما تروحى تلمى في شنطه صغيرة خالص  كام غيار والحاجات المهمه بس  ...الحاجات المهمة العزيزة عليكى بس يا هبه فاهمانى ؟ 
نصف ساعة وتكونى جاهزة عشان نمشي
نمشي ؟ 
تسألت في دهشه ....
- نمشي نروح فين يا بابا
اجابها بغموض...
- متسأليش دلوقتى ...ادعى ربنا يسهلها ونطلع بالسلامه وبعد كده هفهمك كل حاجه ..
ثم من بعدها ولسان والدها بدء في الاستغفار بدون توقف " استغفر الله العظيم ...استغفر الله العظيم  "...كررها بلا توقف....حتى بعد ما وصلوا الي منزلهم وهو مازال يردد ...استغفر الله العظيم...
نفذت طلبه بسرعه ...اشياؤها القيمة قليلة جدًا وهو اكد عليها ضرورة احضار حقيبة صغيرة لا تلفت الانتباه اليهم ...ارتدت فستانها الجديد الذى اشتراه لها منذ اسابيع ....وفي حقيبتها المدرسية المعتادة  وضعت كتبها وادواتها جميعًا وحشرت في حقيبة يدها فستان حسنية وبعض الغيارات الداخلية واهم ماحملته معها كان الصوره الوحيدة التى لديها لوالدتها...خرجت بسرعة الي والدها الذي كان مازال يستغفر 
وقادها لخارج المنزل واركبها علي الدراجة النارية خلفه مجددًا وانطلق بأقصى سرعه كأنه يهرب من الجحيم ...

سجن العصفورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن