الثالث

583 21 0
                                    

ومع انها لم تفهم تصرف والدها الغريب لكنها نفذت تعليماته حرفيًا وجمعت اقل القليل.. ونزلت معه من المنزل بدون أي كلام او سؤال كيف تستطيع سؤاله وهو متوتر وخائف بهذا الشكل ....فأجلت فضولها وتساؤلاتها لوقت اخر يكون والدها فيه اقل توتر  ...
لدهشتها اوقف دراجته النارية تحت بناية فخمة في حى افخم ...اخذها من يدها وصعدا في المصعد الي الطابق الرابع.... اتجه الي احدى الشقق السكنيه التى لها باب خشبى ضخم واخرج مفتاح من جيبه وفتح باباها وادخلها برفق...
دهشة هبه وعدم فهمها لتصرفات والدها كانت قد بلغت عنان السماء  لكن عندما فتح الباب ودخلت الي الشقة الفخامة والترف الواضحيين اوقفا عقلها تمامًا عن العمل... لم تكن تتخيل وجود مكان بهذا الجمال في حياتها اذا لم تكن هذه هى الجنة فكيف اذًا الجنة ستكون ...؟
دهشتها وصدمتها من فخامة الشقة اثاروا انتباه والدها ... بحكم عمله عند ادهم البسطاويسى هو اعتاد رؤية اماكن بمثل تلك الفخامة بل وافخم كثيرًا اما هبة المسكينة فلم تغادر الحارة مطلقًا سوى الى المدرسة
ادهم البسطاويسي احد اغنى اغنياء مصر ان لم يكن الاغنى بلا منازع...عائلته كبيره ومشهورة في الصعيد ...من هؤلاء الناس اصحاب المقامات والنفوذ ...يقال ان جده في الماضى عثر علي كنز من الاثار وقام ببيعه ومن يومها واموالهم تعبأ في شكائر كما يقولون...والده مشهور بالقوة والقسوة وادهم هو الواجه المتحضرة لتلك العائله ...ادهم الذى تعلم  في احسن الجامعات استطاع ان يسيطرعلي اموال العائلة وتحويلها لمليارات رأس مالهم اكبر من رأس مال دول صغيرة... قوة عائلته مع ذكاء ادهم وقوته حولوا الاموال الطائلة والسلطة اللي كانت لديهم لامبراطورية قوية لها اسمها... 
هذه الشقة التي فتحت ابنته فمها ببلاهة عندما رأتها كانت شيء عادى وبسيط بجانب ما كان يراه في قصر البسطاويسي عند ذهابه الي هناك...   كان دائما يستمع الي حكايات الموظفين في الشركه عن فخامة قصرادهم... الحكايات المبالغ فيها التى كان يستمع اليها كانت تقول ان صنابير المياه في قصر البسطاويسي صنعت من الذهب وان مقابض الابواب زينت باحجار كريمه... هو كان يذهب الي القصر بصفه مستمره لكنه لم يدخل الي الحمامات يومًا ليتأكد من كلام الموظفين لكنه كان يعلم أن الحكايات فيها الكثير من المبالغه ...هكذا طبع بعض الناس يبالغون في الوصف حتى يختلط الواقع بالخيال....       
وبلهفة دخل واغلق الباب بالمفتاح وبكل الترابيس الموجودة في خلف الباب وتنفس بارتياح...
- الحمد لله
الوعى عاد اليها عندما رأته يغلق الباب...سألته بعدم فهم ..
- بابا احنا بنعمل ايه هنا ....؟
تجنب النظر في عينيها وقال....
- احنا هنعيش هنا ..
الصدمة التي تلقتها كانت عنيفة ...لدرجة انها لدقائق تخشبت وفقدت القدرة علي الكلام.... وعندما اخيرًا استاطعت الكلام ...كان صوتها منخفض مبحوح....
- بابا انت اكيد بتهزر....؟
لكنه اقترب منها وامسك كتفيها بحنان وقال...                                    - هبه انا بتكلم جد من هنا ورايح انسي اي حاجه عن حياتك القديمة.........
انسي اي حاجه غير ان اسمك هبه سلطان ابراهيم...حتى مدرستك انا نقلتك منها لمدرسة تانية ...خلاص يا هبه ...عيشتنا هتبقي هنا....
من الطبيعى ان اي فتاة اخري كانت ستشعر بالفرحة وتنبهر بالمكان ولا تهتم بكيفية حدوث تلك المعجزة ....لكن عقل هبه ابي ان يرحمها .. عقلها العنيد ملىء بمليون سؤال وسؤال....
- بابا فهمنى بس..ازا..
لكنه قاطعها بحزم ....فهى لا ينبغى عليها ان تفكر ولا ان تقلق بعد اليوم فوضعها الجديد حماية لها من كل خوف ولتدع الخوف له هو وحده ليعانى منه لباقى عمره لكن الثمن كان يستحق المغامرة ...
- اخرمره يا هبه هنتكلم في الموضوع ده .. انا هقلك اللي لازم تعرفيه وبس...انا عملت خدمه لادهم بيه فكان قصادها انه كافئنى وسمحلنا نعيش في الشقه دى وناخد بالنا منها لحد ما امورنا تتحسن....
قد تكون اقتنعت او قد تكون استسلمت بانها لن تاخذ منه أي معلومات اضافية ولكن في النهاية حملت حقيبتها...وبدات في البحث عن غرفة لها...
بدأت تتعود علي فخامة الشقة تدريجيًا...بعد زوال الصدمة ...انزاح الضباب عن عقلها وبدأت في التركيز... الشقة الضخمة تحتل طابقين كاملين من المبنى ويربط بينهم سلم داخلي ...                                            الطابق العلوى يحتوى علي ثلاث غرف نوم اشبه بالاجنحة لكل غرفة حمام خاص بها وصالون وملحق بكل غرفة غرفة اخري صغيره تحتوى علي ارفف عرفت فيما بعد انها تسمى غرفة الملابس...وفي الطابق السفلي يوجد ثلاث غرف اخريات اصغر من اؤلئك اللاتى يحتلين الطابق العلوى منهم اثنتان لهما حمام خاص  واخري بدون ويحتل معظم مساحة الطابق السفلي صالون مهيب قد تكون مساحتة اكبر من مساحة شقتهم القديمة باكملها....... المطبخ في حد ذاته حكايه ...وملحق به غرفة خادمة بحمامها الخاص ....
بدون تفكير اختارت لنفسها احدى الغرف الصغيرة التى لها حمام خاص بها وسلطان اخذ الغرفة  الصغيرة القريبة منها والتي كانت بدون حمام
سلطان اخبرها بتردد...                                                               - ما تجربي تاخدى واحده من الغرف الكبيرة اللي في الدور التانى 
نظرت اليه برعب....
- لا يا بابا ازاي وافرض صاحب الشقة رجع لاي سبب ...خلى الدور اللي فوق جاهز ومتوضب لصاحبه واحنا خلينا تحت ده حتى غرفتى من فخامتها وجمالها مش قادرة اصدق انى هستعملها....تفتكر يا بابا مش المفروض نستعمل غرفة المطبخ ؟
لكنه هز رأسه بشدة ...
- ايه يا بنتى اللي بتقوليه ده..؟....بكره هتفهمى كل حاجة وغرفة المطبخ من بكره في خدامه هتيجى تعد فيها تنضف وتطبخ....
عينيها اتسعت عن اخرهما... صدمة اخري اضيفت الي سلسلة الصدمات السابقة....
- خدامه..؟ امال احنا شغلتنا ايه هنا  ....ضيوف ؟
وظهرت الحيرة علي ملامحه لبعض الوقت ثم اجابها ....                       - شغلتى اخد بالى من البيت واللي فيه في غياب صاحبه... وانتى شغلتك تذاكري وتنجحي ....كمان نسيت اقولك انا من النهارده اترقيت في شغلي البيه الله يكرمه خلانى امين مخزن من مخازنه ...المخزن قريب من هنا... يعنى في مدرستك الجديدة لما اصحابك يسألوكى بابكى بيشتغل ايه تقدري تقوليلهم مدير مخزن ..
الدموع ملئت عينيها...فهو يعتقد انها كانت تخجل منه....                       - انت طول عمرك احسن اب وانا عمري ما خبيت او انكسفت من شغلك انت في نظري احسن اب في الدنيا...
السعادة غمرته ...- الحمدلله ... الحمد لله اللهم ديمها نعمه علينا يارب...
المعجزة التى حولت حياتها لم تنتهى بعد علي الرغم من انها لم تحرج يوميًا من الركوب خلف والدها علي دراجته النارية الا انها احست بالراحة عندما علمت ان وسيلتها الجديدة للذهاب الي مدرستها هى الباص الخاص بالمدرسة والذى سيوصلها يوميا ذهابًا ايابًا..وسيلة امنة ...فخمة ومريحة...و الاهم كان زى المدرسة الموحد والذي وصل في اليوم التالي لاقامتها في الشقة مع ملابس داخلية وملابس نوم...تسألت بدهشة ....
- امتى بابا جهز ده كله...؟ وجدت ثلاثة اطقم من الزى المدرسي ... ولدهشتها كانوا مناسبين لها تمامًا وكأنهم صمموا خصيصًا لها... بألوان جميلة من درجات النبيتى وجاكيت اسود اظهر شعرها الاشقر كأنه شلال ذهب علي اكتافها النحيلة...حذائها القديم تبدل بدسته من الاحذيه الجديده ... كل حياتها تختلف وكأنها تعيش في حلم ... 
وكهبه مختلفة ...هبه جديدة ... دخلت مدرستها الجديده بثقه ...اخيرًا كل البنات تساوا ...نفس الزى نفس وسيلة المواصلات ..لكنها مازالت  مميزة عنهم بمستواها العلمى المميز و جمالها الملفت والاهم اخلاقها العالية...
ولكن تبقي دائما السؤال المؤرق الذى عجزت عن اجابته....ما المقابل يا تري....؟

سجن العصفورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن