الحادى عشر

396 13 0
                                    

ادهم اختار العمل علي حاسوبه  في صمت تام....تجاهل وجودها تمامًا طوال فترة الرحلة ...فشغلت نفسها بقراءة مجلة ادبية اختارتها من مجموعة مجلات عرضتها المضيفة عليها...نظرات الحسد والغيرة التى وجهتها لها المضيفة الحسناء اخافتها ...احست انها تتمنى ان تكون مكانها بجوارادهم وكانت ايضًا تقيمها بنظرة متفحصة ويبدو انها اغتاظت من نتيجة تقيمها لها فانسحبت لاخر الرحلة ولم تحاول مجددًا مع ادهم ...و نظرت في اتجاهه فوجدته مازال منهمكًا في العمل علي حاسوبه ولم يرفع رأسه بعيدًا عنه الا عندما احس بعجلات الطائرة وهى تلامس ارض المطار..
حتى هذه اللحظة هى فقط تعلم انهم  مسافرين الي الصعيد ...اخيرًا عرفت وجهتهم عندما طائرة ادهم وصلت لجزء خاص من مطار الاقصرالدولي
سيارة سوداء شبيهه بسيارة القاهرة كانت في انتظارهم مع سيارة دفع رباعى اخري ...نفس المنظر الذي شاهدته في القاهرة يتكررهنا مرة اخري بنفس التفاصيل ..فشخصية مهمة مثل ادهم لابد وان يحاط بحراسة مشددة من رجالة المخلصين اينما ذهب...
فعلًيا لاول مرة في حياتها تسافر ...لاول مره كانت تغادرالقاهرة لاول مره كانت تركب طائرة ...مع ادهم كانت دائما تختبر لذة المرة الاولي في كل شيء....
القرنة "...."
ادهم قال لها بلدى القرنة بفخرعند وصولهم لمدخل القرية...اخبرها وصوته يقطر فخرًا...
-  القرنة فيها اماكن اثرية شهيرة زى وادى الملوك ومعبد حتشبسوت وتمثال ممنون ومعبد الرمسيوم ومعبد سيتي ووادي الملكات...اكتر اثار الاقصرعندنا
اعجبت بولائه وانتمائه لقريته ليتها تمتلك الاصل والعائلة مثله... ادهم يملك كل شيء افتقرت اليه في حياتها ...                                               
عائله واصول عريقه واموال والاهم ثقه في النفس تجعله يتحكم في الجميع  اما هى فسلطان كان عائلتها الوحيده وبوفاته اصبحت غريبه في عالم لا يرحم ولولا ادهم ربما كانت؟؟ ....
متعت نفسها بمناظر البلد الخلابة ...جو مختلف تماما عن الذي اعتادته في القاهرة....النشوة التي احست بها غمرتها لدرجة انها فقدت الاحساس بالوقت لم تستعيد ادراكها الا حينما توقفت السيارة امام بوابة ضخمة...
استقبلهم عند البوابة الخارجية لمنزله رجلان يرتديان الجلباب ويحملون بنادق علي اكتافهم.. دهشت بشدة ولم تستطع التصديق
وجهت نظرة رعب لادهم ...وعندما احس برهبتها يده احتوت يدها بحنان بالغ ...استسلمت في حضن يده مع انها كانت تشعر بتنميل في كامل ذراعها نتيجة للمسته ...
بعد اجتياز البوابة الحديدية السيارة  دخلت في حدائق مساحتها شاسعة في نهايتها منزل اشبه بالقلعة الحجرية مبنى علي مساحة ضخمة جدًا مكون من طابقين....علي الرغم من جمال المنزل الفريد في عمارته وجمال الاراضي المحيطه به الا انها تملكها رعب هائل ...في قصره في القاهرة كانت سعيده اما هنا فهى مقبوضه وتشعر بالخوف ...خوف لم تعرف له سبب واضح ...ربما لانها لم تعتاد رؤية ذلك الكم الهائل من البشر في نفس الوقت وربما لانها علمت مقدار ضآلتها عندما شاهدت اصل ادهم ...كيف ستواجه عائلته وهى ابنة خادمهم ...ادهم لم يشعرها بالدونية ابدا لكن رد فعل عائلته بالتأكيد مختلف خصوصًا انهم كانوا يريدون تزويجه من من يعتقدون انها تناسبه وهو اختارها في تحدى سافر لرغبة والده ...تخيلت قوة والده من كمية الغفر اللذين يسيطر عليهم باشاره من يده ...
الرجال مع بنادقهم اصبح الان منظرمعتاد من تكراره مرارا امامها فعند سلالم المنزل شاهدت العديد منهم وهم يرحبون بأدهم باحترام واضح حراس ادهم الشخصين المسلحين والتى كانت تستنكر وجودهم حوله يصبح منظرهم متحضر جدا بجوار جيش الغفر الموجودين بغزارة في كافة ارجاء المنزل والحدائق...
ادهم اصطحبها الي واحد من مجالس عده تحتل مساحة ضخمة صممت لتناسب كبير عائلة البسطويسى...دخلت معه وهى تجر ارجلها جرا وتتوقع الاسوء ...يد ادهم الان اصبحت طوق النحاه ...شعر بها تزيد من الضغط علي يده فتصلبت عضلاته مما جعلها تشعر بتوتره هو ايضا ...
في المجلس كان يوجد نسخة  لكن كبيرة في السن من ادهم ...
ادهم ولكن بعد مرور ثلاثين سنة من الان ...لكن  ايضا بوجه جامد قاسي خالي من التعبير كأنما لم يعرف الضحك او الانفعال في حياته مطلقا   ....
ايضا شاهدت سيدة عجوز ملامحها بسيطه وجهها بشوش وحجمها قليل جدا  فور رؤيتها لادهم فتحت ذراعيها لاستقباله وقالت بحب وفرحه غامره ولدى.... -
ادهم استقبل لهفتها بقبله حنونه علي رأسها وقال...
- كيفك يا امى ...كيفك يا والدي
سليم احتضنه وقال ...
- بخير الحمد لله دى بجي عروستك ؟
ادهم قال بنبرة حانيه ...
- ابوى ...امى اقدم لكم هبه مراتى طالبه في كلية الهندسه ..
سليم مد يده لهبه بالسلام ...فاستقبلتها بحذر.. يده القوية عصرت يدها...لكنها علي الرغم من قوتها شعرت معها بالحنان 
اما والدة ادهم فوجهها الحنون يرسم تعبير لن تستطيع نسيانه مهما عاشت من عمر ...الفرحة الممزوجة بالحب ...اخذت هبه في حضنها وانتزعتها من يد ادهم .... قالت بفرح حقيقي نابع من اعماق قلبها ....      
- نورتى بيتك يا بنتى .... مخاوفها اختفت الان مع حنان والدته الطاغى ... حنانها كان يشع ...يغطيها بنظرات كلها حب وحنان        
وصدمت صدمة عمرها لاول مره في حياتها يتم احتضانها...واحست بحضن والدة ادهم وكأنه حضن ام...اخيرًا تذوقت حضن الام الذى لم تعرفه يومًا ....علي الرغم عنها دموعها نزلت وغسلت وجهها
فشعر ادهم بدموعها....فامسك ذراعها بلطف بعد ما تحررت من حضن والدته...وكأنه ادرك انها ستسقط علي الارض بدون دعمه لها
- امى الحاجة نجيه اطيب قلب ....عاوزك تعتبريها زى مامتك
"من غير ما تقول... انا ماصدقت لقيت ام"... هبه فكرت
هزت رأسها بإمتنان...لمسة ادهم سببت لها قشعريرة في جسدها مجددًا
والده قال بلهجة آمرة  ...
- الرجاله يا ولدى منتظرينك في المجلس ...سيبك من جعدة الحريم وجدم معايا ..
ادهم تردد لثوانى لكن والدته شجعته...
- روح يا ولدى ...انا هاخد بالي منيها لحد ماترجع ..
ادهم تطلع في عينيها بحنان ثم حررذراعها وذهب مع والده وتركها في حماية والدته.....
حنان نجيه وفرحتها برؤيتها قضيا تماما علي مخاوفها لكنها ما زالت لا تعلم مقدار ما يعلموه من معلومات عنها ...عن زواجهما  ...
سألت نفسها بقلق ....
- يا تري هما يعرفوا انها بنت سلطان الساعى البسيط..؟
حياة ادهم حياة خيالية لم تتخيل وجودها يومًا ..عم سلطان الساعى البسيط  كان كل دنيتها ..منزلهم الصغير كان حصن امانها وكانت مكتفيه بذلك وفجأه دخلت دنيا غريبه من اوسع ابوابها
فرحة نجيه الواضحه والمرتسمة علي وجهها طمئنتها بإن اقامتها هنا سوف تكون سهلة 
نجيه اخبرتها بلطف...                                                                 - اخلعى حجابك يا بنتى محدش هنا غريب لايمكن راجل غريب يجدر يدخل هنه ابدًا.... 
هبه خلعت حجابها ...شعرها الاصفر الحرير تحرر من ربطته
نجيه هتفت بانبهار ...
- بسم الله ما شاء الله ...زى ما أدهم وصفك بالظبط
تسألت في دهشه....
- وصفنى...؟
نجيه اخبرتها ...
- ايوه لما سألته ايه شكلها عروستك جالى " ملاك شعره لون الدهب الصافي وعنيه لون الزرع...وبشرتها لون التلج "
صدمت من وصفه وقالت....
- هو وصفنى  كده معقول..؟
- هو مكنش بيبالغ ....شعرك لونه جميل مره.. ما شفتش زيه في حياتى جبل كده ... ضحكت بحنيه واكملت ...                                             - انا وابوه سألنا نفسينا كتيرعن سبب تعلق ادهم الجوى بيكى لكن لما شفتك عذرته وفهمت...
ياما عرضنا عليه يتجوز وكان بيرفض لحد ما عرفنا في يوم انه اتجوز ادهم ولدى جوى وبياخد قرار ولا يمكن حد يجدر يعارضه حتى ابوه...لما راجل في عز شبابه وينتظر عروسته تكبر سنين ده معناه انه بيحبها جوى 
عقلها اشتغل فورا....حاولت ان تفهم ...سألت نفسها يمكن نجيه ليس لديها فكره عن الضغط الذي مارسه زوجهاعلي ادهم...هى قالت عرض عليه ولم تقل اجبره...نجيه مازالت تواصل تعريفها بادهم الحقيقي الذى لا تعرفه .....
- ادهم ولدى الوحيد ..جبته بعد سنين انتظار ..كنت خلاص فجدت الامل انى اخلف وكنت بتحايل علي سليم اللي انتظرنى كتيرانه يتجوز تانى وكان بيرفض...وبعد ضغط منى ومن العيله ...سليم وافق اخيرًا ويوم ما قرر يتجوزعرفت انى حامل ...سليم غير رأيه ولغى الجوازه وحصلت مشكله كبيرة وعداوة بين العيلتين لسه لحد اليوم جايده بينا وبين عيلة الكفراوى بس متغطية تحت ستارة المصالح بس علي اي شرارة هتولع نار مش هترحم
الاسم ضربها ...عائلة الكفراوى...تذكرت عزت المحامى عندما اخبرها عن الضغوط التي كان يواجهها ادهم من اجل ان يتزوج ابنة عائلة الكفراوى وقال لها ايضًا انها فتحت الجروح القديمة ...الان فهمت ماهى تلك الجروح القديمة...موقف كان ادهم لا يحسد عليه ولكنه واجهه بقوة       نجيه اكملت ..
- مش هكذب عليكى يا بنتى ومش عاوزاكى تزعلي منى لكن انا قلبي انقبض لما عرفت ان ادهم اتجوز واحدة مصراوية ومن غيرما يقلنا كمان بس اما شفتك الحمد لله اطمنت وجلبي انفتحلك وهعتبرك بنتى اللي مخلفتهاش في حياتى واتمنى منك تعتبرينى مكان والدتك
زى مافهمنا من ادهم انك يتيمه من زمان ...عشان كده لو تجبلينى مكان والدتك الله يرحمها هتفرحنى كتير وتريحى جلبي
الدموع غلبتها ...حنان نجيه الفياض غطاها من رأسها حتى اصابع قدميها...نجيه ام وتحب ابنها لدرجة انها مستعدة لحبها مثل ابنتها لاعتقادها انها بذلك تسعد ادهم... اه  لو يعلموا الحقيقة.. وانها مجرد لعبة اشتراها كى يسيطر علي اوضاعه...
- الدور الفوجانى يا بنتى كله مجفول لادهم ومش هيكون معاكم فيه اي حد حتى الخدم ومساعدتك عبير هيطلعوا بالطلب بناء علي اوامر ادهم ..     هو طلب اكده...
طابق كامل مغلق عليهم بمفردهم ...هبه قلبها هوى في ارجلها من الخوف كيف ستواجه ذلك الوضع المستحيل ...؟                                           ربما ادهم يرغب في حفظ سرهم ولذلك منع صعود الخدم الا باذن منه كى لا يكتشفوا زيف زواجهم
تذكرت ذهول عبير عندما تجرأت اخيرًا وسألتها ..                               - انتى تعرفي ايه عن علاقتى بأدهم...؟
عبير اجابتها بذهول ...
- طبعا مراته هى دى حاجه تستخبي البيه بلغنى يوم ما اتفق معايا بانى هكون مساعدة عروسته اللي اتجوزها من فترة بس عمليتها اجلت اتمام واعلان جوازهم وبلغ كل اللي في البيت بكده ...
لو تسمحيلي اسألك ...ليه سؤالك ده ؟
بماذا ستجيبها ...؟ لذلك صمتت وتجاهلت سؤالها ولكن عقلها بدأ في الفهم والتركيز...
ادهم منذ يوم عمليتها وهو قررانها سوف تتنقل الي منزله واتفق مع مساعده شخصية لها وابلغ خدمه انه تزوج ....قرران يبوح بالسر الذي اخفاه لسنوات اخيرا ... خبر انتقالها لمنزله تسرب الي اهله في الصعيد ... وبالطبع طلبوا منه ان يقابلوا العروسة المجهولة  التى اخفاها ادهم لسنوات وقرر ان يظهرها اخيرًا...يبدو ان ادهم تسرع عندما دعاها للاقامة في منزله وتورط بالاعلان عن زواج لا يرغبه
- اطلعى ارتاحى ونامى يا بنتى انتى لسه طالعه من عمليه ...ثم اكملت بخبث....                                                                                  - ومتنتظريش ادهم جريب.. لما مجلس العيلة بيجتمع بيه بيعدوا ساعات كتير ياما ..مصالح العيله كلها في يد ادهم...
يا ام السيد وصلي العروسه لفوج خليها ترتاح في جناحهم....
اثر ندائها سيدة عجوزظهرها محنى من اثر الزمن ووجهها رسمت التجاعيد عليه خريطة واضحة المعالم خرجت من باب جانبي صغير      
ام السيد اشارت لها ان تتبعها وصعدت علي سلالم رخاميه مفروشة بسجاد احمر سميك....
تبعتها بطاعة ...وصعدت خلفها الي الطابق الثانى الذى كان مختلف كليا في تصميمه عن الطابق الاول.... كان عصري مع لمسه من التراث مزيج عجيب لا يمكن الا ان ينتمى لشخص مثل ادهم البسطاويسي...
ام السيد فتحت لها باب غرفة نوم .. دخلت منه بتردد وام السيد خرجت واغلقت عليها الباب بدون ان توجه لها أي كلام...

سجن العصفورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن