part 12: نهج جديد

8 3 3
                                    


.

نهج جديد

"انا على علاقة بالاميرة إيسلا"
شعر آرثر أن عقله بالفعل اكتفى من الصدمات، ماذا الآن! اميرة الدوقية إيسلا على علاقة ببربري!
"وانا جاد جدا في شأنها لذا اخبرك أن تتوقف عن ملاحقتي من الآن فصاعدا، انا لا اضمر سوءا، أود لو نتزوج انا وهي ونعيش في سلام، هذا كل شيء"
"وكما ترى، اوصل هذه المعلومة للجهة العليا"
نطقت سارة بعد أن فرغت من تدفئة آرثر ثم وقفت مكملة يدها تربت على كتف أخيها
"انا أتفهم شعور اخي، فأنا احبك أيضا واتمنى الزواج بك، وهذا ما سنفعله طبعا بعد أن ادمر الدوقية، لذا من الآن فصاعدا انا وأخي اعداء!"
أبصر الاخوان الحيرة المرسومة بأدعجتيه وكادا يسألانه ان كان لم يستوعب ما قالاه فسأل مقاطعا رغبتهما في الإيضاح
"اذا، روي لم يعد عدوي؟"
ابتسم روي واومأ قائلا
"بلى بلى لذا دعوني وشأني انا وإيسلا هكذا فقط"
لا زال آرثر في حيرة من أمره لكنه فهم أن روي لم يعد جزءا من خطة البرابرة فتحولت نظراته ناحية سارة لينطق ضجراً
"هل اختطفتماني لأجل هذا؟"
اتسعت أعين سارة في إعجاب لأنه وجه سؤاله ناحيتها وراحت تتلمس ملامح آرثر المتقزز من استمرارها في اتصالها الجسدي لتنبس بهدوء
"اه أردت رؤيتك ومقابلتك شخصيا عزيزي آرثر "
تذكر آرثر مع لمسات أناملها على وجنتيه ذكرها أن البرد يضر بقلبه لأنها مسدت ايسره بكفيها حتى استعاد نبضه الطبيعي فسأل مستغربا
"كيف علمتي أن قلبي به علة؟، هل آذيتم الطبيب؟"
"لا لا لم نفعل، تكهنت بالأمر فقط من آثار الالم عليك، هل انت بخير الآن؟"
كان الأمر غريبا عجيبا اكبر من قدرة استيعاب آرثر بشأن هذه المريضة بمرض الهوس والجنون أمامه، اهتمامها وانكبابها عليه باللمسات كما واستقرأ بوضوح هيامها به، لا يفهم ما تراه فيه لتعجب به هكذا وربما هذا هو معنى الهوس في الأمر، كيف تحب رجلا قتل رجال عشيرتها بل وتحبه أكثر ملطخا بدمائهم، أهذا هو الحب القاتل الذي سمع عنه؟
"ب بخير"
اجاب اخيرا قبل أن ينسى أن يفعل من شدة شروده، فعم الصمت من بعدها واستمرت سارة تداعب شعر آرثر تارة وتتلمس خدوده تارة وأخوها قد غادر بعد أن وضح مطلبه، آرثر لا يفهم ما التالي، ومالذي سيحل به، هو واثق أن الوقت تجاوز منتصف الليل ويداه وساقاه مخدرتان من القيد الذي حل بهما منذ الظهر، سارة لم تبرح مكانها جاثية أمامه تستمر باكتشاف ملامحه بجنونها هذا وقد سأم منها لينبس
"الن تنامي؟"
"لست متعبة"
عيناها الصفراوتان تشعان وجدا وكِلفا رؤيتها تعذبه لا اكثر وقد ضاق ذرعاً فحاول الفرار من يديها بإشاحة وجهه يمينا فتلحقه فيحركه يسارا فتلحقه! فيعيده ناحية اليمين لتردف متضايقة بملامح عابسة
"لا تهرب آرثر!"
"انا متعب!"
صرخ آرثر بها فأبعدت يديها بسرعة فقد اقلقتها ملامحه المعكرة وحواجه المنعقدة ولم تستمر حالتها طويلا فقد قهقهت عليه ثم نهضت
"سأطلق سراحك عزيزي، إن الحب لا يأتي هكذا فجأة انا اعلم، ستحبني مع الايام، لا تقلق فهدفي على المدى الطويل"
"الشكر لخالق المجرات، اطلقي سراحي اكاد أفقد الاحساس بأطرافي!"
جلست مجددا وأخرجت سكينها الصغيرة بدأت تقطع الحبال وأثناء عملها نطقت بآخر الشائعات والاخبار
"كاثرين تلك، الدوقية بأكملها تتحدث عنكما، أن الأمر سينتهي بينكما بزواج، والجميع يتحدث انك ايها الكونت المبجل من يحوم حولها"
ابتلع آرثر ريقه خوفا على كاثرين من هوس هذه الفتاة لكن ما قالته تاليا أراح كثيرا من اعماقه وآثار القليل
"ان تزوجتها، فسأعصف بك قتلا وتقطيعا وحرقا آرثر، انت من يتزوجها سأريك الجحيم حيا قبل موتك، سأتخطى شعبي وشعبك واحقق الكوابيس لك في اليقظة"
كادت تحرقه فعلا بنظراتها فهمس لها آرثر
"سأتزوجها، عندها لن تكون هذه حربا بين المملكة والبرابرة بل حربا بيني وبينك إذا؟"
"إن شئت تكون بيننا وان شئت بين كل ممالك العالم ودولها، انا اميرة شعبي لكنني ارغب أن أكون اميرة قلبك ولتقم الحرب في سبيل ذلك"
"اشاء أن تكون حربنا يا سارة"
قهقهت بخفة وفكت الحبال كلها قائلا بخيبة
"سنرى بهذا الشأن، الان غادر كي لا احققن وعدي قبل  أوانه، غادر قبل أن اشق جسدك واعبث بأحشائك"
"غادري اولا"
قال آرثر كلماته بقليل من الراحة أنه بات طليقا وبعض التألم يتلمس ساعديه المتسلخان من أثر الحبل واردف مبررا
"جسدي بأكمله مخدر، احتاج وقتا حتى استطيع الحراك"
ضحكت قليلا وكم تهوى الضحك هذه الفتاة معجبة بتصرفاته فهو رغم حدة الموقف لا يزال طريفا فغادرت اولا بعد أن حدقت به جيدا
"اراك قريبا إذا"
ما أن غادرت المجنونة حتى اخيرا شعر أن بوسعه التنفس أرخى جسده على الكرسي بكامل ثقله تمنى لو يقف فقد تعب من الجلوس لكن قدماه لا تساعدان الان، لا يصدق أنه نجى من موت محتوم بل لا يصدق كيف انقلبت الموازين بمعرفته أن سارة مهووسة به، شعر أن نجاة كثير من الأرواح الان بات بين يديه، شعر أن السلام يمكن أن يتحقق حتى فقط بحركة منه، لا مزيد من الموت ولا التشرد ولا روائح البارود المتصاعدة ولا القنابل وهذا فقط بتضحية بسيطة منه، ان يتزوجها! لكنه اقسم أنه سيتزوج كاثرين ويتحمل بعدها العواقب لاحقا، ففي النهاية سخطها سينزل به هو لا بغيره، وفي الحالتين الأمر بيده، إما ان يتزوجها وينتهي كل شيء فهو واثق إن طلب منها إنهاء الحرب ستفعل فقط أن غادر معها، أو يتزوج كاثرين ويتحمل عقابها لاحقا، في النهاية اختار كاثرين وكأنه من الأصل لم يكن بين خيارين، لن يجازف بحبه الاول والوحيد، لن يجازف بمسكنه، وما دام بهذا، بإحتماله لعقاب المهووسة سارة سينقذ العديد من الأرواح فليكن اذا، "إن شئت" كما قالت، وهذه مشيئته..
"اسف كاثرين، لكنني اليوم اتجاهل مشاعرك المختلطة تجاهي وسأتقدم لك بالزواج، وعندها مشاعرك قد لا تعود مختلطة فعلى الأرجح سيصبح من المستحيل أن تكون متبادلة، لكنها مصلحة متبادلة، سامحي انانيتي وقسوتي تجاه رغباتك"
قال كلماته هذه بكل الاسى الذي ولد من رحم أفكاره اللانهائية، قدره بائس في هذه الدنيا تأكد في هذه اللحظة، لكنه ليس يائسا، هناك خيط امل رغم رقته هو موجود، وسيحرص على التمسك به جيدا كي لا يضيع فهو رقيق يكاد لا يرى بالعين المجردة، وغاص عميقا عميقا في محيط أفكاره وخططه ومر الزمان عليه كدهور من الأرق والتفكير، لكنه جرى سريعا حوله فقد حل الفجر، لينهض اخيرا خارجا من هذه الشقة المهترئة يعرج في سيره حتى اعتدل، وقد مشى رغم بُعد المسافة حتى وصل قصره الذي ظن أنه لن يراه مجدداً، وقد تفاجأ بتلك المجموعة الواقفة داخل حيز قصره حيث الحديقة، فسار متجاوزا السور تحت صدمة البواب الذي ظن سيد القصر لن يعود كما يظن رفاقه المجتمعين وكلما اقترب آرثر اتضحت هيئة الواقفين، اوسكار الشاحب والمتسمر مكانه كجدار، كجماد لا روح له ولا مجال لوجودها، بيتر الذي يبكي وينتحب كرضيع، عدد من الرجال بملابس متشابهة، والملازم جاك رودولف بهالته الوقورة نفسه! مر زمان على آرثر منذ أن رآه! وفكر آرثر كثيرا ان كان رآه فعلا قبلا ام انه يتخيل ذلك؟ الملازم جاك رودولف رجل في منتصف الثلاثينات من عمره وسيم الطلعة عيناه خضراء تنضح بصدقه و أمانته ببشرة حنطية مبقعة قليلا وشعر أشهب متناسبٌ مع شاربه الاشهب بدوره، استغرب آرثر وجود الملازم جاك بشحمه و لحمه أمام باب منزله فهو رجل مشغول وقد نسي آرثر أنه كان مخطوفا حتى فهو في الواقع لم تتم معاملته معاملة اسير أو مخطوف فعلا، وزادت صدمته لرؤيته كاثرين واقفة معهم تبكي بشدة!، لم يشعر بنفسه كيف ركض ووقف رافعا صوته المبحوح نظرا لعدم شربه قطرة ماء من ساعة اختطافه أمس
"كاثرين لما تبكين؟!"
التفت الجميع نحوه وقد شحبوا كلهم ليصبح حالهم كحال اوسكار كجمادات واعينهم متسعة عن آخرها كأنهم شهدوا شبحا ولم يقدر أحد منهم على النطق بحرف أو ربع حرف
"لما تبكين كاثرين؟ بل ماذا تفعلين هنا والشمس لم تش.."
بترت بقية كلمته فقد تقدمت كاثرين تعانقه بكل قوتها الهزيلة،تشد على قماش ظهره حتى تجعد مزيدا فوق تجعده، دفنت رأسها بصدره وبكت هناك بقية بكوتها حتى ابتل صدر آرثر من دموعها الحارة الغزيرة وملامح الصدمة اعترته فبقي ساكنا، هل مات أحد يعرفه؟ والداه ماتا فمن بقي له ليموت ليشهد تجمعا كهذا أمام منزله؟ أيعقل أنها خالته الوحيدة؟ لكنها غائبة في الدوقية أقصى الشمال؟ اهم أعمامه اذا؟ لكنهم على خلاف مع اسرته اذا من قد يموت؟ وحتى إن مات أحد من من ذكرهم ايهم هذا الحاضرين هنا؟ ايهم هذا كاثرين التي تخلت عن كل غرورها تبكي أمامه هكذا بل أمام الجميع هنا، ونسي تماما فعلا أنه كان مخطوفا، ولم يتبادر لذنه ولو بالصدفة أنهم هنا لعزائه هو ظنا منهم بعد أن بحثوا عنه طوال الليل رغم حظر التجوال أنه الان مات في مكان ما وربما في جوف البحر البعيد؟
"ي يا رفاق ما بكم؟ بيتر لما تبكي كالمطلقة؟! كاثرين ماذا دهاك!"
ويسألهم هكذا قلقا لا يدري كيف شكله الآن، حاله مبعثر بالكامل، شعره في حال يرثى لها، ملامحه باهتة مرهقة وخده متورم، على ساعديه آثار حمراء علامة من الحبال التي شدت عليه، والتي رفعها يربت على ظهر كاثرين الباكية بخفة
"اهدئي اهدئي"
همس لها يشعر بإنخفاضة جسدها وارتفاعته لا يدري الا تزال تبكي ام أنها آثار بقايا بكائها، ولا يدري حقا ما العمل مع بيتر الذي يشعر بلهفة لضمه ليهدأ من روعه من شدة نحيبه، هذا الرجل الصغير الا يخجل؟ اين اختفى بيتر اللئيم سليط اللسان!
"انت حي"
اخيرا نطق أحدهم وكان الملازم جاك
"ولما قد اكون ميتا على اي ح..."
تذكر آرثر مقاطعا نفسه هذه المرة ولم يستحضر كيف نسي! أنهم هنا لأنهم ظنوه ميتا! هم هنا ظنا منهم أن البرابرة انتهكوا روحه وهي الآن بيدي خالقه!
"أنه خطئي! انا لعنة فعلا آرثر"
سمع صوت كاثرين المتشرب بالدموع والشهقات وعمقه بسبب تكلمها بحضنه وابتعدت اخيرا تسحب ماء أنفها ووجهها محمر الوجنتين والأنف
"انا الملامة عن أيا كان ما اصابك!"
"لكنني بخير كما ترين لم يصبني مكروه، لستِ ملامة على اي شيء هوني عليك"
"لكن الرسالة.. الرسالة... انت... انا...بسببي...لعنة"
دفنت وجهها بحضنه تبكي مجددا تنطق بكلمات لم يستطع الجميع استبيانها وارثر تنهد من تعبه يشعر أن جسده ما عاد يحمله وكذلك غزاه البرد بشدة رغم ذلك لا يستطيع تجاهل كاثرين حبيبته التي تبكي لكن بيتر يستطيع فقد صرخ بها
"ابتعدي عنه كفى! جميعنا نود معانقته!"
اقترب بيتر دافعا كاثرين ليصبح محلها يبكي هو الآخر في حضنه تبعه أوسكار كذلك وارثر يقهقه على طفوليتهم وبكائهم لكن في النهاية هم كانو تحت صدمة أنه مات وهذا ليس أمرا هينا بل هو كل الأمر! جاك أشار لرجاله بالمغادرة ودخل القصر يتقي البرد يترك آرثر مع الاطفال الثلاثة لا يدري كيف يسكتهم، ولم يكونوا ليتركوه لولا استشعارهم للحمى بجسده فأدخلوه بسرعة اخيرا سمحوا له بالراحة كما و سمحوا لمجاري دموعهم أن تجف، و سقوه ماء يرحمون جوفه المتشقق من العطش، كيف يحتمل الناس الأسر شهورا؟ وهو لم يحتمل أكثر من يوم؟ رق قلبه لكل اسير ومخطوف في العالم الان
.
استطاع آرثر الاغتسال واخيرا هو مستلقي في سريره يشعر بكمادات كاثرين الباردة على جبينه تحركها من وقت لآخر على أنحاء وجهه وكذلك عنقه لتنخفض حرارته، نعم هذه اللمسات التي يحبذها، ليست كلمسات سارة المجنونة كما بات يسميها، الجميع مجتمع حوله يودون معرفة ما جرى معه وكيف عاد سليما معافى عدى من الحمى التي تحرقه، ولم يبخل عليهم فقد روى لهم كل شيء ما عدا جزئية أن سارة مهووسة به، كما لم يخبرهم بأمر حربه معها فهو سيفاجئ كاثرين بزواجه منها آسفا على ذلك غير آسف بذات الوقت، ادعى أنه خطف بسبب اخبار روي أنه الان رجل حر من عشيرته بسبب حبه لإيسلا وجاك لم يقتنع لكنه تفهم وحمد الله أن آرثر بخير ثم غادر بعد أن تأكد من صحته وبعد قوله
"سنتوخى الحذر بمعلوماتنا، اعتني بنفسك جيدا آرثر خفت حقا من فكرة اني فقدتك"
وارثر شعر رغم أن جاك شاب في الثلاثين بمشاعر الأبوة تفيض منه كما مشاعر الإخوة التي فاضت بالكامل من اوسكار الصامت منذ عودته يكتفي بالجلوس طرف سريره لم ينبس بحرف، فتحولت نظراته نحو بيتر ليقرر أن يمازحه قليلا
"يا سليط اللسان، لم اتعرف عليك وانت تنتحب كالمطلقة"
قلب بيتر عيناه بملل يشعر بالحرج على منظره سابقا لكنه كتف يديه ضد صدره يثبت أنه سليط اللسان فعلا
"سمعناك تقولها اول مرة ايها المتحذلق فتش غيرها!"
ضحك آرثر قليلا يفتش غيرها فعلا لكنه همس فجأة
"اه بارد "
فتوقفت كاثرين عن كماداتها وراحت تتلمس جبينه تقارنه بحرارتها
"انخفضت قليلا الحمد لله"
حدق بها آرثر هامسا بعد أن شعر بلهفتها للحديث معه
"اشكرك، لكن لم أتخيل أن تتركي منزلك للبحث عني، لابد أن تعودي قبل أن يدرك أحد غيابك، لن اكون سعيدا إذا انتشرت شائعات مريعة حولك"
اومأت كاثرين ببعض الخجل، فهي كحال بيتر أو اسوأ تشعر بالحرج من بكائها سابقا، تتمنى صفع نفسها على عدم حذرها من إظهار مشاعرها بهذه الطريقة، اكيد أن آرثر يظنها مزدوجة الشخصية هذا ما فكرت به
"بيتر هلا تعيدها بحذر دون أن يراكما احد؟"
"اخرجتها من منزلها وانا مستعد لإعادتها دون أن تمس سمعتها بسوء، لا تقلق آرثر اعتمد علي"
"اعتمد عليك ايها الطفل البكاء"
مثل آرثر البكاء يذكر بيتر بمرارة منظره عندما بكى فتلقى آرثر من بيتر ركلة رغم كونه طريح الفراش دون شفقة وهو يستحق في نظر بيتر لأنه كان صادقا عندما ذرف الدموع حزنا وخوفا عليه، فبيتر تذكر اللحظة التي رأى فيها جسد أخيه نوح بلا روح شاحبا باردا ميتا غير حي، لذا بكى، لكنه لم يغضب على آرثر فعلا كما يمثل، لازال يخشى عليه ويتذكر سوء تلك اللحظة عندما ركضوا رغم أنفاسهم المسلوبة يبحثون عنه في الأزقة وفي ذات الوقت يتجنبون دوريات الشرطة، كم كان الوقت يمر عليهم مرور الكرام كأنه يخبرهم أن الدنيا ستمضي حتى وإن مات صديقكم، الساعات ستدق ككل يوم الفرق فقط أنه لن يسمعها كما تفعلون... وغادر بيتر ينتظر كاثرين خارجا، التي كلمت ارثر نادمة
"لو أنني أعدت الرسالة لما حدث ما حدث، الخطأ خطئي وهذه حقيقة لا غبار عليها"
"لما تظنين ذلك؟ كنت سأخطف على اي حال! انت لا يد لك في هذه الحرب، فلما تلومين نفسك؟ انا بخير، و الاهم اني كدت اطير فرحا وانت تسقين قلبي بدموع فرحك، شعرت بالفراشات تتحرك في أعماقي تتمنى قليلا من عبير قلبي بعد أن تفتح حبا بك"
اخفض آرثر صوته أكثر عندما نطق الغزل كي لا يسمع اوسكار ويزداد حرجها، ابتسمت بخفة تكاد تذوب كشمعة من قوله المعسول وقلبها يرقص محله كأنه شعلة هذه الشمعة ولو أمكنه لخرج يضم قلبه بشغف، لكن ماذا تفعل؟ ففي النهاية هي  وضحت له بغباء سابقا انها ليست مستعدة له بعد فاستأذنت بالمغادرة وفعلا غادرت، ليلتفت آرثر اخيرا نحو توأم روحه وقلبه صديقه العزيز اوسكار
"الن تعبر عن سعادتك بعودتي؟"
"بكيت فيضانا حتى ابتلت ملابسك"
اجابه اوسكار لا ينظر له بتاتا فنغزه آرثر ليلتفت اخيرا اليه
"الن تسألني عن حالي؟ خفت كثيرا وفكرت بكما انت وكاثرين، ظننت أنني لن اراكما مجدداً، صفعني ذلك الوغد روي حتى ظننت رأسي ستنقلع عن عنقي ذلك الوغد قوي جدا، الن تتوعد له بالانتقام على ما فعله بصديقك؟"
"صديقي اقوى مني فلما اتوعد له؟"
ابتسم آرثر بفتور على قول اوسكار، يبدو له أنه في كل مرة يسكته عن الحديث بمهارة فقرر آرثر الفضفضة لصديقه قليلا لينطق بما اثار أعماقه يراها كالحقيقة فقط
"لست قويا، بل انا ضعيف هزيل، كآخر ورقة بغصن لشجرة ودعت كل أوراقها في الخريف، تستعد لمجابهة اعصار عاتي، اتظن الورقة تنجو؟"
حرك اوسكار ساقه بنفاذ صبر، تبدلت معالم وجهه لحزن وكره وامتعاض في آن واحد، و آرثر خرس بعد ملاحظته إنقلاب مزاج الاكبر بل كان منقلبا منذ أن رآه فعدل الغطاء بهدوء على جسده وكاد يعدل من استلقائه حتى سمع هسهسة اوسكار الحانقة
"اتلمح لي في كل مرة انك ستموت!"
ترك اوسكار السرير والتف بكامل جسده ليواجه ارثر وصرخ به شادا على قبضاته
"انا تعبت! تعبت من الخوف والقلق!"
انعقد لسان آرثر مزيدا لرؤية حال صديقه التائه يمسك شعره بكلتا يديه فندم بسرعة على تشبيه نفسه بتلك الورقة التي ستقع حتما قبل وصول الإعصار
"انت بحاجتي لكن انا، انا خائف كلما كنت معك، عندما عدت تغيرت كثيرا عما كنت عليه سابقا قلت لا بأس! ما كان آرثر ليتغير لو لم يحدث ما يغيره! لكنك عدت مريضا مرهقا بقلبك ونفسيتك! آرثر حالك لا يروقني البتة! الوم نفسي على مآل المطاف بك! ليتني منعتك ما كنت لتتورط بهكذا أحداث!"
شد شعره ندما فنهض آرثر رغم تعبه يزيح يدي صديقه قائلا معتذرا
"اسف آسف، اوسكار انا اسف فقط لا تتصرف هكذا ارجوك، هيا اجلس قليلا ودعنا نتحدث بهدوء"
لم يستمع اوسكار لإعتذاراته وتوسله وقرر بجدية أن يشعر آرثر بما شعر به رغم أنه مدرك لحقيقة أن الأصغر لا ينقصه شجار الان، يجب عليه أن يفهم آرثر لكنه سأم وتعب من كل شيء في حياته واليد الكبرى لحالته الان تعود للقائه باوليفر في الواقع، لم يعد نفسه منذ أن رأى لونا التي يصدق أنها ابنته ووجد أن صديقه سيتحمل هذا الحمل الذي أرهق كاهله، متجاهلا أحمال آرثر التي تدمر ظهره فدفع اوسكار صديقه بشدة يبعده عنه ليعود آرثر ويقع على السرير بقوة مصعوقا من عنف اوسكار الذي ليس فقط غير مألوف بل لم يكن له وجود من الأساس! و يكمل الحانق سلسلة صراخه كأن شيئا لم يكن، ان مشاعره مختلجة مختلطة، حساس جدا هو في هذه اللحظة
"انتابني شعور سيء وعدت في ليلتي لأطمئن عليك لكنك لم تكن بالقصر بل وجدت المدعو جاك أخبرني انك مفقود! خرجنا بحثا عنك نتوارى من مصابيح الشرطة ونبحث عنك في الأزقة جميعنا يصدق اننا نبحث عن جثتك! لقد تعبت، تعبت! "
شد آرثر على شراشف السرير، انقلبت الموازين فعلا، كل شيء بات بيديه حقا، لكن انظروا ما الضريبة، الجميع قلق عليه وسيستمر بهذا القلق، وعندما يقع عليه عقاب سارة فهم سينالون منه أيضا وهذا ما غاب عن فكره، لكنه لم يتوقع أنهم بين ليلة وضحاها سينقلب حالهم هكذا، اهو عزيز لهذا الحد؟ اهو رجل صالح حقا! اهو فظيع الان أن قليل منه سعيد بقلقهم هذا؟ هو ليس وحيدا بعد الان ولكن أن تكون محاطا بالناس لما هو أشد الما من الوحدة؟ عليك أن تتحمل مسؤولية كل مشاعرهم تجاهك، عليك أن تتحمل مسؤولية الالم الذي تسببه، عض آرثر شفته المجروحة اصلا ليشعر بألم مضاعف أراح قلبه قليلا، يخفي عينيه الخائبتين بغرته عن مجال رؤية اوسكار ويهمس بما قدر عليه بقناع الهدوء رغم هيجانه المطمور
"انت متعب فأرتح اذا، انا كذلك متعب فهل تسمح لي؟"
نظر اوسكار نحوه بحدة كأنه يبتغي حرقه بنظراته، تمنى لو يستمر الجدال حتى يخرج كل ما يرهق روحه ويسلبها، تمنى لو يدفعه آرثر كما دفعه وتمنى لو يتطور الأمر لتبادل اللكمات، أليس هكذا يتشاجر الناس؟ لكنه قرر أن يغيظ آرثر جيدا ما دام آرثر لا يرد متجاهلا كذلك حقيقة أن آرثر الان عاد من موت محتوم اجج مشاعره هو نفسه، لكنه وصل الحد وعليه أن يفعل أي شيء فقط ليشعر هذا الكونت بالذنب والتعب أيضا فقط ليرتاح هو وهو يعلم تماما كيف يفعل ذلك فهم بالمغادرة بعد أن انحنى احتراما لمكانة الكونت
"اتركك لترتاح إذا سيدي الكونت"
غادر اوسكار هكذا بعد أن اشعل ناره وغادر تاركا آرثر يحترق بها، هذا ما ناداه بتوأم روحه ورفيقه العزيز أفشى فيه غضبه ثم رحل، شعر آرثر برغبة عارمة بالقفز على عنق اوسكار ليخنقه على أفعاله الصبيانية، لما ينحني له وهو الاكبر؟ أفقد عقله بسبب خوفه؟ اتشاجرا الان؟ ماذا حدث حقا! اوسكار يبالغ برد فعله هذا أو ربما لا؟ انه في أعماقه يعلم أن اوسكار يتغير الان نحو الاسوء بسببه وبسبب سر كبير يخفيه اوسكار عنه، لكن كيف يقنعه أن له أولويات اهم الان؟ أن هذا الكونت عليه أن يؤدي واجبه جيدا حتى يترك ندمه وتتركه صدمته ويكف قلبه عن التسارع والتباطؤ، خانه جسده الذي تمنى لو يبقى واعيا أكثر ليرتب أفكاره، لكن حتى التفكير يستهلك مجهودا وماذا إن كنت منهكا طاقتك خائرة بالفعل؟ فسقط آرثر نائما بعمق، لم يحلم بشيء، عقله مرهق للغاية ولم يطق نزج أي حلم أو كابوس، وكم شعور النوم دون احلام أشبه دائما بالغرق عميقا في الظلام لكنه مريح جدا، أنه أشبه بلحظة تتجرد فيها عن العالم بكل ما يدور فيه من دائر... أترى هو نفسه شعور الموت؟
*
ساعد بيتر كاثرين في عودتها عن طريق الشرفة ولحسن حظها في ذات اللحظة التي حطت رجليها على أرضية الشرفة طرق أحدهم باب غرفتها، الشمس اشرقت بالفعل وهو الوقت الذي تستيقظ فيه عادة، رتبت مظهرها قليلا وفتحت الباب تتظاهر بحك عينيها كأنما لا تزال نعسة، ليقابلها وجه اليزابيث الباكي وما خطب الجميع يبكون اليوم؟
"اليزا؟ ما بالك منذ الصباح؟"
"ميلينا!... ابي.. صفع ميلينا!"
"ماذا؟ مالذي تقولينه!"
لم تستوعب ما قالته اختها بعد فحطت يدي اليزابيث على أكتاف اختها وغيرت فحوى جملتها تهزها لتفهم
"اسرعي! ابي غاضب على ميلينا"
تمسكت كاثرين بالشال الذي يحيط كتفيها كي لا يقع بينما تنزل السلالم تركض ورائها اليزابيث لتجد دادالي واقف في منتصف غرفة المعيشة المفضلة للعائلة، ميلينا على أحد الارائك يدها على خدها والام ميشيل تربت على أكتاف دادلي تتكلم بهمس بما لم تسمعه كاثرين والصغرى التي ورائها كظلها
"ماذا هناك؟ اشرقت الشمس توا ومعها قمتم على الشجار"
تمتمت كاثرين بحنق واقتربت من اختها الكبرى تطمئن على حالها، لم تكن ميلين تبكي كما ظنت كاثي بل كانت تحدق بإتساع عينيها بنار المدفأة، ملامحها ساكنة تماما فقط يدها التي حطت على خدها ترتجف، فأمسكت كاثرين بيد اختها تبعدها عن خدها لترى علامة يد والدها هناك وانقبض قلبها لهذا المنظر
"صباح الخير ابي وامي"
قالت كاثرين لتشد انتباه والديها فتكلم دادلي بسخرية
"واي خير هذا في بيت كله نساء!"
"لما تقول مثل هذا الكلام لبناتك العزيزات؟، أخبرنا ما جرى وجعلك تضرب ابنتك الكبرى أمام اختها الصغيرة هكذا"
كانت ميشيل تحاول الاستعانة بالهدوء في كلامها فأجاب دادلي اخيرا بعد أن اجتمعت الأسرة الكريمة، يرفع يداه أثناء حديثه يتحرك في الارجاء
"الخادم اللعين أتاني هذا الفجر! أخبرني أن العزيزة الليدي ميلينا معتادة على مقابلة رجل في حديقة المنزل سرا بعد منتصف الليل!"
وضعت الام يدها على فاهها مصدومة تنظر إلى ميلينا تنتظر تفسيرا وكذلك كاثرين
"وميلينا لم تنكر! وعندما سألتها عن هويته فضلت الصمت فصفعتها!"
أردف دادلي يضرب الأرض برجله اخر حديثه
"واحدة ان شوهت سمعة نفسها تشوه معها سمعة اخواتها! وهكذا تسمحن للخدم بحمل سيرتكن؟!"
نهر دادلي الفتيات الثلاث وكاد يحمل عصاه ليفتك بأجسادهن لولا أن ميشيل أوقفته
"اللعنة على الحساد إن كان لهم دور في هذا!"
نطقت ميشيل لزوجها فضحك مستهزئا قائلا بعد ضحكه
"وان أراد الحاسد أن يحسد يختار هذه العائلة اللعينة؟ بنات عجوزات عوانس ينفر منهن الزواج، تعبت من ضحك الأمة علي! ميلين عمرك قارب على الثلاثين فبدل أن تصوني نفسك تقابلين الرجال!"
خرجت ميلين عن صمتها تأبى الظلم
"لا تتحدث عني بهذه الطريقة! انا شريفة من كل ما يقال! وهل الشائعات مبنية على الحقيقة؟!"
"اللعنة عليَّ و عليك وعلى الحقيقة! واللعنة عليك يا كاثرين لما يقال عنك في الدوقية اجمع!"
"وما شأني انا في ما يجري"
وقفت كاثرين معترضة فضحك دادلي للمرة الألف
"الجميع يتحدث عنك وارثر! تجوبان الارجاء يدا بيد! على الاقل هذا هويته معلومة فمن اللذي تقابيلنه يا ميلين! اجيبي في الحال!"
عضت كاثرين شفتها ونظرت لأمها بقلق لتجدها تمسد جبينها أصابها صداع، تحولت نظراتها لميلين اللتي قالت
"أنه رجل شريف، لكنه يا ابي لايناسب معاييرك، هو من أسرة معروفة غنية لكنهم ليسوا من النبلاء، فما قولك أتريد هويته؟"
"وان لم اردها اتستمرين في مقابلته في حديقة منزلك يا قليلة الحياء!"
"استمع للبنت يا دادلي!"
تدخلت ميشيل وفهمت رغبة ميلين التي اجابت بما يجول بخاطرها
"انت لا يهمك سوى النبلاء، لو كان فاندربولت الذي تجوب معه كاثرين أنحاء الدوقية كما قلت ليس أعلى منك مكانة لكانت إلى جانبي مصفوعة بدورها!"
"هذه السافلة!"
صاح دادلي وحمل عصاه دافعا ميشيل محامي الدفاع بعيدا يبتغي ضرب ميلين التي احاطتها كاثرين بجسدها تتوسل باكية
"كفى كفى! ارجوك ابي لا تؤذها!"
"انت كذلك تستحقين درسا جيد أنك إلى جانبها!، اتظنون أن المكانة كل ما يهمني؟! انتظرت واستمعت لكن! كل رجل يتقدم بالزواج ترفضنه اقبل برغباتكن! في النهاية هذه فكرتكن عني أنا الذي احترم رأيكن!"
شعرن بتأنيب الضمير رغم انه يكذب لكنه توعد لهن
"لا مزيد من الاستماع! ازوجكن لمن اشاء بدأ من هذه اللحظة!"
رفع يده بالعصا فصرخت اليزا تعزز من الأجواء الدرامية  المشحونة
"أنه طبيبنا! الطبيب هاريس! رأيته بأم عيني في الحديقة!"

.
يتبع











يتبع

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.






...
3699 words

Promises Of Love And War "وعود الحب والحرب"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن