....
زفاف¹
.....
سارح بأفكاره بذلك الاجتماع المليء بالرجال البدناء، يضحكون ويتحدثون ولا يدري فيما يتجمعون؟ أحدهم يتحدث عن زفاف ابنته، والآخر عن مصنع نبيذه، يتفنكهون حول كل الامور الممكنة و السياسة التي يفترض بهم الحديث عنها في خبر كان، وسارة اميرة البرابرة، ابنة البارون جوزيف بالتبني تتوسط ذلك الاجتماع، بأرجل مخلوفة ويدان متكتفتان، هي بدورها سارحة بهذا السرحان، والواعي لقضية الشرود هذه كان جوزيف الذي ابتسم بجانبية قائلا بصوت عالي يقاطع حديث المجتمعين
"هل الكونت فاندربولت مريض؟ أراه ليس معنا"
عاد آرثر لوعيه وارجح أنظاره بالعجائز المبحلقين به، كم هو مضحك كونه الشاب الوحيد بهذا الاجتماع، لا يفترض به أن يكون هنا، لكنه كالسجين هنا والسجانة هي سارة التي ابتسمت قائلة
"أنه سليم معافى وان كان مريضا فهو مرض الحب، حفل زفافه بالغد يا جماعة"
اعتدل آرثر بجلوسه وابتسم بتكلف لحظة تلقيه التبريكات
"لكن لما انت هنا ما دام زفافك غدا؟"
سأل أحد الرجال فأجاب جوزيف عن آرثر
"لأنه مهتم بقضيتنا، لنعد إذا إلى موضوعنا حتى لا يصيبه الضجر، كيف سنصل للسلام ايها الدوق؟"
"بالطبع نعطي البرابرة ما يتمنونه مع مراعاة مواطني مملكتنا، أليس كذلك آرثر فاندربولت؟"
اتجهت الأنظار اليه فتلاشت ابتسامته المتكلفة وما عاد قادرا على التظاهر، و شعر بالاعياء فجأة عند التقاء عينيه بجوزيف الذي أومأ له، وتفاجأ عندما نطق بنفسه دون وعي
"صحيح"
وكأنه دمية خشبية يحركها جوزيف، لكن التفاجئ كاد يسلب صوابه عندما وقف جوزيف قائلا
"جميعنا هنا سنتلقى فوائد جيدة، يمكننا إيهام الناس أننا نعاني لنصل للسلام، وبالوقت المناسب نعلن اتفاقيتنا"
عاود جوزيف الجلوس قائلا لأحد الرجال
"كيف متاجرتك بالعبيد؟"
"إنها ممتازة!"
"وانت، أخبرني عن جودة الأفيون!"
"رجالنا يختبرونه جيدا"
كاد آرثر يفقد عقله وهو يرى رجال الحكومة الفاسدين يفصحون عن قصد فسادهم أمامه، وكأنهم يخبرونه أنه مدنس مثلهم، لعدم قدرته على التبليغ، هو شريك بكل هذه الجرائم، لكنه علم أن لا مجال للمزاح، فالدوق نفسه هنا موجود، لابد أن الدوق يتمنى من البرابرة مساعدته على سلب العرش من أخيه الدوق الاكبر، وبذلك اجتمعت الاحجية واكتملت! اقوى الأشخاص بهذا المكان هم الدوق اولا، جوزيف ثانيا واخيرا سارة، والتي تأتي بالافكار لكنها دمية مثله تماما...
"لا تخف آرثر، اراك متصلب كالجليد، جميعنا اصدقاء هنا"
قال رجل جالس إلى جواره فنظر نحوهم بإستغراب واخيرا تحرر لسانه لينطلق يتظاهر بكونه لا يستوعب الفكرة
"لماذا اشعر انكم جميعا تتبعون للبرابرة؟"
"لأننا كذلك، نحن هنا نمهد لحربنا الكبرى في المستقبل، هذا السلام ليس سوى فرصة للبرابرة لترتيب صفوفهم وتقوية جيوشهم، نسعى للتعاون مع اعداء المملكة للإطاحة بها"
"ولماذا انا هنا"
"لأن اميرة البرابرة تريد ذلك ببساطة"
"نعم ببساطة"
نظر آرثر نحوها قائلا
"اريد المغادرة، أشعر بالغثيان، اتسمحين لي؟"
"بالطبع يمكنك المغادرة، لا نريد للعريس أن يمرض قبل يوم زفافه"
نهض آرثر بحذر متوتر من الأجواء حوله، مشى على طول طاولة من الرجال الذين يرمقونه بنظرات مريبة، وعندما كاد يخرج تمسكت به تلك اليد الصغيرة لسارة وسمعها تقول
"اراك في الاجتماع القادم، لا تحاول الهرب، فليست كاثرين فقط بين قبضتنا بل جميع من يهمك أمرهم"
ابتلع ماء فمه ناظرا نحوها بنوع من الحذر واجابها بصوت خرج همسا
"اعلم ذلك"
تاهت بنظراته الضائقة ذرعا وابتسمت دون شعور، اهي نوبة أخرى من هوسها؟ أمرها عجيب وأمرها هذا لا يزيده إلا مرضا فوق مرضه
"سمو الأميرة، احتاج المغادرة"
قال يجر يده منها وأكمل خطواته قبل أن توقفه
"تهمل آرثر"
التفت بضيق قائلا بشبه انحناء
"نعم سموك؟"
"خذ هذا"
بمعدن الفضة كان المسدس مزينا بين يديها، وشكل المسدس المذهل جذب أنظار المجتمعين ليسأل جوزيف
"سموك، الكونت آرثر لا يثق بنا، كيف تعطينه مسدسا بغرفة كهذه مليئة بالشخصيات الهامة؟!"
"لا تقلق ابي جوزيف، آرثر يعلم جيدا، ليس بوسعه اذيتنا، إنها فقط هدية مني إليه"
حدق آرثر بالمسدس، و تسائل بجدية ان كان يحتوي طلقات نارية، وبهدوء غريب التفت نحو الموجودين بالغرفة، ليجد أن عددهم يفوق العشرة، هذا المسدس إن كان محشوا فطلقاته ستة، اذا لن يكون قادرا على قتل الجميع، الحراس سيمزقونه اربا قبل أن ينجح، لكن ماذا عن إفراغ ثلاث طلقات برأس جوزيف والثلاثة الأخرى برأس هذه المههوسة؟!، ابتسم لا شعوريا إثر هذه الفكرة الدموية
"تبتسم؟ اتقبله مني؟"
عيناها الكبيرتان وكأنهما تحدقان بروحه، ربما تعرف بما يفكر فيه، وهذا ما دفعه لقبول مسدسها بحبور
"شكرا سموك، سأحفظه جيدا"
"اعتبره هدية زواجك"
نبرتها لم تسعده البتة، ولم يتهاون في إظهار عدم رضاه بقوله
"مسدس؟ هدية زواجي...مسدس؟"
ابتسامة غبية حركت شفتيها وقد داعبت شعره دون خجل قائلة
"ظننت أن هذا ما سيحبه ضابط مخضرم مثلك"
وطبعا لم يعجبه تعديها فتراجع خطوتين ببسمة متكلفة وانحنى مجيبا قبل انصرافه
"شكرا لك سموك"
وخرج يجر قدماه بتعب بممرات قصر الدوقية بالجناح الأيسر، خلال سيره كان-كالعادة- غارقا بأفكاره، شاردا بالاحداث التي تثقله من كل حدب وصوب، وتنتقل يمناه من وقت لآخر لتحسس المسدس بحزام خصره، وتحت ستار الشرود اخيرا شعر بذلك الجسد الصغير الذي اصطدم به وارتطم بالأرض، ليحدق بذهول بتلك الطفلة التي تمسح مؤخرتها بألم، وتحاول النهوض عن الارض وترفع بذات الوقت كتبا وقعت من يديها، فجثى بسرعة يوازي طولها ويساعدها على النهوض متأسفا
"اعذريني صغيرتي، هل أنتِ بخير؟"
اومأت الطفلة ناظرة إليه بحذر قبل أن تبتسم بوسع قائلة بصوتها البريء
"الكونت ارثر؟"
"اتعرفينني ايتها الصغيرة؟"
أجابها آرثر وهو بهدوء ولطف يرفع اخر كتاب ويعطيه لها، فأومأت الطفلة مرة أخرى
"اعرفك، انت صديق صديقي!"
"صديقك؟ ويا ترى من يكون؟"
"انه اوسكار، سمعت من الخادمات أن الكونت آرثر جاء لإجتماع اليوم، وظننت صديقك اوسكار أتى معك لذا انا هنا من أجله"
"يا للأسف صغيرتي فأوسكار لم يأتي معي"
ظهرت ملامح الاستياء بوجه الطفلة الصغير، وبقيت واقفة كأنها تفكر بحيلة ما، فسألها آرثر
"ما اسمك؟"
"انا لونا، سيدي النبيل، ابنة الأمير اوليفر"
"يا الهي، سموك اعذريني لعدم تعرفي عليك!"
ضحكت قليلا قبل أن تقول
"علي الذهاب سيدي اللورد، لونا لا تريد أن تجدها ماما، لا يسمح لي بالتواجد بهذا الجناح!"
"حقا؟ اذا عليك الذهاب بسرعة سموك"
كانت على وشك الركض بعد أن ودعت آرثر لكن الصوت الآمر المنادي بإسمها أوقفها
"توقفي عندك يا لونا!"
التفت آرثر حيث الصوت ليرى امرأة تبدو جميلة، لكنها شديدة النحل ويبدو عليها البؤس والتعب، وبتلك اللحظة التي التقت عيناهما بها بدت له السيدة شديدة التفاجئ برؤيته
"ماما انا اسفة، اعلم أن هذا الجناح ممنوع علي"
قالت لونا التي عادت إلى أمها معتذرة، وبالطبع انحنى آرثر لحظة معرفته أن هذه السيدة البائسة تكون ام الأميرة الصغيرة لونا
"الكونت فاندربولت؟ ياله من شرف لي انا اراك"
"بل الشرف لي ليدي مارتيناز"
"اسمي ايزابيلا، لا أظنك تعرفني"
لن يكذب آرثر أنه تسائل إن كان هناك من يعرفها، فيعلم الجميع أن زوجة الأمير اوليفر لا تخرج ابدا من القصر، وكأنها باتت جزء من الاثاث
"سررت برؤيتك، ارجو المعذرة، علي المغادرة"
"تمهل ايها اللورد"
توقف آرثر كما تمنت، والتفت نحوها بكامل جسده ينتظر منها ما تريد قوله، لكنها لا تعرف ما تقول، فقط فكرة أن هذا شخص من العالم الخارجي، ومن محيط اوسكار بالاخص أمامها الآن، تجعلها تريد الوقوف معه اكثر، وتبادر لذهنها سؤال ظنت أنها لن تكون قادرة على طرحه لأي كان، لكنها تشجعت، وقررت تحرير كلماتها فربما لا فرصة أخرى
"اتمنى سؤالك حول أمر ما"
"بالطبع ليدي، كلي آذان صاغية"
"لونا اذهبي للعب"
التفتت لونا نحو امها بتسائل، وبهدوء انسحبت من الرواق رغم الفضول الذي التهمها، وبعد أن تأكدت ايزابيلا من مغادرة لونا اقتربت من آرثر الذي تراجع فزعا
"ليدي، اكل شيء بخير؟!"
سألها مستنكرا اقترابها المفاجى وجحوظ عينيها المخيف، بدت ككوابيسه وخيالاته المستنزفة لوعيه وطاقته
"لونا، صغيرتي لونا تشبهني صحيح!؟"
سؤال حروفه خرجت مرتجفة، هذه السيدة التي تخيفه بتصرفاتها المريبة، بدت كشخص يحتاج المساعدة، ولا يدري لما بدى وكأن جوابه عن سؤالها هو ما سيساعدها، فتمسك آرثر بربطة عنقه يحررها من ضيقها مجيبا
"بلى، تشبهك كثيرا جدا"
"هذا ما يقوله الجميع، الان ما أنا بحاجة لمعرفته، وارجوك أن تكون صريحا هو.. هل..هل لونا تشبه الأمير اوليفر؟!"
ابتلع آرثر ريقه ينظر حوله يحاول تذكر ملامح اوليفر ويقارنها بتقاسيم وجه لونا فأجاب بعد أن عادت حدقتيه للنظر بعينيها الجاحظتان
"لا اعتقد انها تشبه والدها"
"اذا اتشبه اوسكار؟!"
سؤال صاخب كالرعد، زلزل قلبه، لا يدري لما ارتعب من افاكر كثيرة راودته، لكن ان تسأل زوجة الأمير إن كانت ابنتها تشبه اوسكار صديقه، الا يوافق هذا ما يقوله اوليفر؟ بذلك اليوم في قصره عندما كاد الأمير واوسكار يتشاجران، قال اوليفر أن اوسكار التقى بزوجته، هذه اتهامات تأخذ اوسكار لمجرى سيء، أليس كذلك؟
"اسرع، ايها اللورد، أخبرني بسرعة! هل اوسكار يشبهها بأي شكل من الأشكال؟"
"لا ادري، لما تسألين؟ ما علاقة هذه العائلة بأوسكار!"
ابتسامة ساخرة زارت محياها مع ضحكة صغيرة بدت له نابعة من الصدمة
"هه، انت حقا لا فكرة لديك!"
تراجعت وخطت مبتعدة عنه قبل أن يلحق بها سائلا
"ارجوك اخبريني، ما علاقة عائلة مارتيناز بأوسكار!"
"إنها قصة طويلة، ايها اللورد"
"سأسمعها، كل وقتي لك، ارجوك أخبريني"
"أتفهم إصرارك، المشكلة أن القصة الطويلة، لكنني لا املك الوقت لأرويها، إن كنت لا تملك جوابا لسؤالي...الوداع"
التفتت ومشت نحو الجناح المقابل وكانت تزيد من سرعتها حتى قاربت للركض
"تمهلي ارجوك!"
ركض آرثر وراء هذه التي تهرب منه على طول الرواق حتى البوابة الفاصلة بين الجناحين، حيث فتحت البوابة أمامها وأغلقت ورائها مباشرة وانتقل الحراس من أمام الباب اليه يقفون بوجهه يمنعونه عن اللحاق بها
"ماذا تفعلون! من تظنون أنفسكم!"
"سيدي لا يسمح لك بالتواجد بهذا الجناح، ارجوك عد ادراجك"
"اريد مقابلة الليدي ايزابيلا!"
"نعتذر لكن لا يسمح لك بمقابلتها عد ارجوك"
"اللعنة عليكم!، افلتوني!"
ترك الحراس آرثر الذي غادر ساخطا يلعن ويشتم تحت أنفاسه، ما خطب ايزابيلا هذه تلعب بأعصابه! لما بحق الجحيم قد تشبه لونا اوسكار؟ بينما لونا ابنة اوليفر؟!
"ربما عليّ سؤال اوسكار؟"
هذا ما خطر على باله، رغم التردد النابض بأعماقه ....
أنت تقرأ
Promises Of Love And War "وعود الحب والحرب"
Acak"تقدمت بالزواج من والدك.. وعندما سألني عن أي بناته اقصد؟ ذكرت اسمك"كاثرين" بلا أدنى تردد..." .. في زمن الحرب والعنصرية، مقاتل جزر العديد من الأعداء أصابه المرض من شدة الندم على أفعاله في الحرب، لكنها كانت له دواء وسلاما امرأة معروفة بالغرور والنرجسي...