بلاء

144 20 3
                                    

بغرفة العناية المشددة في مستشفى السرور، تحتضن بدن آدم العاري وأجهزة الإنعاش حوله، كل واحدٍ يصدر صوتاً معين.
  
مستطح دون حركة، صدره يعلو ويهبط بخفوت، قلبه يدق ببطئ، وعقله غائب عن أهله الحائل بينه وبينهم جدار تلك الغرفة وزجاجها الذي يكشفه.
  
قبل أربع ساعاتٍ من الآن تلقت نُهى خبر تعرضه لحادث و قد نُقل لمستشفى حكومي قبل ذلك الوقت بخمس ساعات، حوالي الواحدة صباحاً.

Flash back(5:43am)

لم تطل ثوانٍ عديد بعد تلقي نهى خبر إصابة زوجها في حادث من قِبل إحدى موظفات المستشفى فإتصلت بأخيها تعلمه، ليهرع الأخير إلى صديق عمره فزِعاً، طول الطريق وهو يناجي ربه أن يكون بخير ويزال حياً.
 
فور وصوله إليه وعلمه بما أصابه، نزيف بالدماغ وكسر في يده اليمنى نقلَه إلى مستشفاهما الخاص، كون المعاملة ستكون أحسن وتواجدهم أريح.
  
فكر بكل ذلك وكيانه يعُتصر لشدة الكبت و عدم الإفصاح، يتألم على حال صاحبه وكيف سيكون حال أخته الصغيرة، طفلته التي رباها بنفسه.
  
كان يقف مقابلاً لغرفة العناية المركزة، يحوم بين أرجاءها محدقاً بالطاقم الطبي الذي يركب أجهزة مختلفة على بدن المريض، لم يركز على أحدهم كما فعل مع من يستشعر نبضه.
  
صوت دقاته الهادئة وهي تطرق سمعه تزيد من توتره وكأنه يعد كم مرة سيضخ ذلك القلب الدم مجدداً.
  
شعور مدمر أن ترى الجبل الذي تستند عليه في كل كُرَبِك، و المؤنِس الذي يرافقك في وحدتك، والوالدان اللذان عوضا من أنجباك، والأخ الذي لا يربطك به دم، والصاحب الذي كلما إشتدت وجدته شامخاً ضدها، مستلقي على سرير مرضى، أغلبيتهم يموتون إذا وصلو للعناية المركزة.
  
سيهلِك كيانك إذا وصل بك الزمن وشهدت إنهيار رفيق دربٍ مخلصٍ تقي صالح مؤمن، نفس طاهرة من الكبائر والشرك وكثرة الذنوب، نفسٌ مدمنة على الذكر والشكر والحمد والعبادة.
  
لك أن تتصور أن الوحيد الذي يحتمل نوبات غضب وجنون هذا البني آدم هو آدم، عالج غضبه وقسوته وحتى عنفه، أخرجه من سِجنٍ وروحٍ تدعى أكرم المريض ليصبح ما هو عليه، غيره من أكرم ذو العقد النفسية إلى أكرم الكريم الطيب المؤمن الملتزم المحب لربه وطاعته.
 
تخيلوا فقط أن تفقدوا شخصاً كان كل ذلك لكم، بل تخيلوا مشهده فوق سرير المرضى الذي نصفهم لا يعود.
  
كل هاته الأفكار كانت تحوم وتتجول بعقل الرجل، رجفةٌ غريبة إنتشرت بسائر جسده ولمعة الدموع تصدرت حدقتيه العسلية، بدأت ذكرياتهما تمر بين سطور صقراويتيه الدامعة، أظلت نظراته بالحزن وخيم على قلبه الأسى والبؤس.
  
لم يسمع أخباراً عن حالته بعد لكن ليس متفائلا البتة.
  
بينما يتذكر ضحكة آدم ومزاحه، جديته وغضبه، سروره وحزنه، تذكر كذلك نصائحه وكيف يتحول من أستاذ الفيزياء إلى أستاذ الفقه الإسلامي، ومن المهندس المعماري إلى الشيخ آدم كريم.
  
تذكر أكثر ما يكرر من قول اللّٰه جل جلاله:
"ما أصاب من مصيبةٍ في الأرضِ ولَا في أنفُسِكم إلا في كِتاب مِن قَبلِ أن نبرَأَهَا إن ذلِك على اللّٰه يسِير.
لكيْلا تاسَوا على ما فَاتكُم ولا تفرَحُوا بما آتينَاكُم واللّٰه لا يُحِب كل مُختَالٍ فَخُور" سورة الحديد (20_22).

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 17 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

You saved meحيث تعيش القصص. اكتشف الآن