خمرًا من التين
الشر يحيط بنا من كل جانب .. والأكثر رعبًا أنه ينبع من الداخل أيضًا لا من الخارج فقط ..
كانت محاصرة بالشروتقاوم‘‘ والخلاص يبدو مستحيلًا ونور الشمس لم يعد يصل للقصر عبر المصاريع الخشبية للنوافذ والتي أغلقها والدهما من الخارج بقطع ضخمة من الخشب فركعت على قدميها عند فراش عاصم قائلة بحسم ..- لن تغادر غرفتك مهما حدث .. وستضع سماعاتي في أذنيك وتستمع للموسيقى الهادئة ولن ترفعها أيضًا مهما حدث ..
وعلق عاصم بضيق ..- لن أستطيع يا ربى الجلوس كل هذا الوقت في غرفتي وإحدى سماعاتكِ سلكها مقطوع ولا تعمل بشكل جيد ..
لكنها أجابته بنفس الحسم ..- هذا ليس خيارًا يا عاصم .. لديك حمام في غرفتك وأنا أحضرت لك قارورة ماء والسماعات ستفي بالغرض وستحجب عنك الضوضاء القادمة من الأسفل وأنا سأأتي لرؤيتك بعد قليل ..
كانت تحاول بكل طاقتها حجب عاصم عن العالم الملوث في الأسفل .. الأحوال في القصر متردية وحتى الخادمة توقفت عن العمل بعدما عجز والدها عن الدفع وتراكمت الفواتير وباتوا مهددين بقطع الكهرباء والمياه عن القصر .. وحينما أدركت الوضع وبعدما سحب والدها كل قطعها الذهبية الثمينة كانت تخفي بعض المشغولات الذهبية الرقيقة والتي كانت بحوزتها ولا يتذكرها والدها لتقوم ببيعهم في الخفاء لتوفر بعض الطعام لعاصم ولوالدها والذي لم تتمكن من تركه بلا طعام على الرغم من قساوته وسوء طباعه وكان يأكل ولا يسأل من أين لكِ هذا حتى استنفذت كل ما تملك وحتى الإندومي لم تعد تستطيع شرائه ..
لم تحاول وعده بطعام لأنها لا تعلم كيف ستفي بالوعد لكن ربما يترك أحد هؤلاء الأوغاد ما يصلح للأكل بالأسفل كما حدث في مرات نادرة فهؤلاء لا خير يأتي من ورائهم مطلقًا .. وكيف لا يرى والدها هذا ويبتر كل هذا الخبث من جذوره وينهض للعمل لأجلهما على الأقل؟ كان لا ينفك يفكر في الكسب عن طريق اللعب والمقامرة ومع أنه يخسر باستمرار لم يكن يستطيع التخلي عن إدمانه ولا عن الحفلات الماجنة التي يحضر فيها المدعويين كل أنواع الشراب ليزداد ضلال عقله وتغيبه ..
واليوم يقيم والدها واحدة من حفلات المجون خاصته على أمل أن يضرب حظه ويفوز ببعض المال وكأنه لم يتعلم من الخمسين حفلة الماضية والتي خسر فيها كل شيء حتى القصر رهنه ..
وارتدت سروال من الجينيز وقميص قطني بأكمام طويلة وجمعت شعرها في شنيون ولفته بمنديل .. كانت تحاول عدم لفت الانتباه إليها والتصرف كالصبيان وهي تتنقل بين الطاولات التي غشاها الدخان فلم تكن تعلم من الجالس ورائها وسعلت بشدة وهي تقدم الخمر لشخص بذيء من ضيوف والداها كان أكثرهم محاولة للتحرش بها ..
" " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه
أنت تقرأ
ورقة التين
Romanceالقيمة الحقيقية للإنسان هو من يصنعها بنفسه لا تلك التي يرثها مع مقتنياته البالية والتمسك بالأرستقراطية الزائفة حجة البليد الذي يعيش على أطلال الماضي.. في كل لحظة كان يردد فيها والدي كلام جدي المكرر الباهت عن أصولنا التركية والألقاب التي كانت لنا في...