15- (أستاذ حديدة)

792 72 9
                                    

كانت بجانبه في السيارة لَم تدهسها سيارته ولكنها فقط دخلت في حالة إغشاء من هول الموقف فنزل حملها ليضعها بالكرسي الجانبي، قادَ بها مهرولًا بمقودهِ حتى اختفى الفيضان عن عينيه بعدما كان يرى الكثير يركض والمباني تنهار من ارتفاع المياه خلفه، وصل أسفل المنزل وأخرج تلك الفتاة من سيارته حاملًا إياها على ذراعيه ثم تأمل ملامحها جيدًا..كان وجهها مستدير وبيضاء البشرة كاسية وجهها حبات النمش المتناثرة وشعرها البني المنسدل على ذراعيه كان كلمسات الحرير بين يديه، وجهها كان ببريئٍ وفاتن .. لأنها فاتن.

- يا حظك المهبب يا سلمى.
قالتها سلمى بعدما فتحت التلفاز لتجد الأخبار تذيع ما حدث بمنطقة الأولين التي حدث بها هذا الفيضان منذ أقل من ساعة مُسببًا خسائر أرواح والعديد من المباني والمنازل قد هُدِمت، فكانَ حفل زفافها سيُقام هُناك بالأسبوع القادم في ذلك الفندق السياحي..فا الأولبين تُعد منطقة راقية إلى أبعد حد ولا يُقيم زفافه هناك غير طبقات كادت تلمس السماء مثل عائلة حمزة وسلمى.
- يابنتي اهدي شوية وترتيني اكتر مانا متوترة، الواد أسامة مجاش من الشغل والدنيا مقلوبة.
- أهدى! أهدى ايه دي الفلوس راحت على الأرض يا ماما ده حاجز القلعة بخمسين ألف جنيه!
ما هذا الهراء! خمسون ألف جنيهًا من أجل حفل خطبتهما؟ أهذا الذي يسمى بحمزة يحبها بحق أم مُبذر أم ماذا!
خرجَ والدها من المرحاض يقوم بتجفيف وجهه من أثرِ الوضوء فتحدث:
- ممكن تهدي يا سلمى ونشوف هيحصل ايه؟ يمكن الفندق محصلوش حاجة!
- يا ناس ياهو، بقولكم أسامة مرجعش بتقولوا فندق! ابني فين يا نهار أسود!
رنَ هاتف سلمى من الداخل فهرولت غرفتها تجيب :
- حمزة، أنا أسفة اني خليتك تحجز هناك، مكنتش أعرف اني كل ده هيحصل صدقني.
- يا حبيبتي ولا يهمك، إن شاءالله الفندق يكون متأثرش ولا حاجة.
إبتسمت سلمى بعينيها التي احتلها الاحمرار من البكاء حتى سمعت صوت الباب يُفتح فتركت الهاتف تهرول و وجدته أسامة منهكًا يلهث أنفاسه فاتجهوا عليه أجمعين بمأمنٍ.
- كنت هموت، حرفيًا كنت هغرق.
قامت والدته باحتضانه فتذكرت سلمى دون إرادتها ما كانت تفعله زمان والدتها ألا وهو تفضيل أخيها ولكن تلك الأفكار تنحت بعدما تحدث:
- بس الغريب اني الناس بيقولوا الفندق محصلوش حاجة غير شوية غرق بسيطة في الأدوار اللي تحت.
اتسعت أعين سلمى بغبطة وهرولت إلى المكالمة تعاود الاتصال لتُطمئن حمزة.

صعدَ بها إلى شقته ثم فتح الشقة بالمفتاح الذي أخرجه بالسيارة ودخل يضعها بلينٍ ورفق على الأريكة، التقط من داخل غرفته زجاجة عطر وبدء بالضغط عليها حتى تستفيق فبدأت بفتح عينيها والسعال بقوة فركض يجلب لها كوبًا من الماء واعتدلت من جلستها حتى وقعت عينيها على عينيه بتركيز فوجدته هائمًا بملامح وجهها، حمحمت وتحدثت تتفحص الشقة بذعر وصوت مرتعب:
- هو أنا فين وإنت مين؟ هو أنا كل وقت والتاني هفتحلي عين على واحد شكل! مش كفاية البلاوي اللي حصلتلي من ورا الرجالة! ابعدوا عن وش أمي بقى! ها يا حبيبي بتبيع سمك ولا انت اصلًا سمكة؟
أضاق جمال عينيه لا يفهم شيئًا، فعن ماذا تهرتل تلك الفتاة وكادا يموتان منذ قليل غرقًا!
اقتربَ منها ليُهدئها فدب الهلع بها ونهضت تصرخ بقول:
- ابعد عني، أنا تعبت يارب، أنت مين؟ أنا عايزة أرجع والنبي روحني.
-  ده بدل ما تشكريني اني نجدتك من الفيضان! مانا هروحك حد قالك اني خاطفك! أنتِ بس كان مغمى عليكي.
توقفت لثانية تتذكر أمر الفيضان وأمر أسواجيتا وأمر كل شيء! وكأن عقلها كان مُغيب لبرهة فتساءلت:
- الفيضان!!! عندك مرايا بسرعة؟؟
اردفت فسحبها من يدها إلى غرفته لتقف أمام المرآة وكادَ يجن رأسها! فا هي بشرية مرة أخرى! اتسعت عينيها وضحكت كالأطفال وظلت تقفز عاليًا بينما يقف الآخر لا يفقه شيء من ذلك العبث الذي يحدث! فصاحت:
- أنا حرة! أخيرًا أنا حرة!
قالتها ثم قفزت على سريره تتراقص فصك فكيه وانزلها لاقطًا ذراعها بغضب
- إنتِ مجنونة يابت إنتِ؟! انزلي من على سريري إنتِ فاكرة نفسك في دريم بارك؟
نزلت تنظر له بعدم فهم لكلماته فتساءلت تضيق عينيها:
- بت؟ وايه دريم بارك ده؟
تخصر بذراعيه ساخطًا وتحدث:
- إنتِ منين؟
- من حي الصيادين.
- اه عشان كده..تلاقيكي مفكرة دريم بارك دي أكلة سمك.
شهقت فاتن بطريقتها الشعبية البحتة ورفعت ذراعها تمرره من امام جبتها وتتحدث:
- نعم يا عمر! وماله إن شاءالله حي الصيادين!
- عمر مين يابت انتِ؟ أنا اسمي جمال! جمال الحديدي شغال في وزارة السيا..
اتسعت عينيه بهول وتذكر أنه لم يعد كذلك بعد فكرته الملعونة التي حلت على رأسه بعدما من المؤكد قد غرق الهيكل بالطبع ولكن ظل عنده بصيص من الأمل لربما قد أخذه أحد من الوزارة وهرول به، وضع كفه على جبهته لا يستطيع تخيل أن منصبه قد سقط وربما سيُحاسب قانونًا على هذا بالسجن!
- ايه فيك ايه يا  أستاذ حديدة؟
صك فكيه وتبلور كفه ناحية وجهها فاغلقت عين واحدة وتنظر بالأخرى محاولة التباعد بخوف ثم أنزل كفه بغضب:
- حديدة مين! الحديدي بقولك..ملامحك مش لائقة على أسلوبك اقسم بالله.
قال اخر كلماته ناظرًا لها بحنق وسخط ولكنه لا ينكر أنه دون إرادته قصد بعض الغزل الصغير فا هذه عادتها منذ زمن بأن تجبر جميع الأعُين بالسقوط عليها.
- أه أه..شغل المعاكسة والسيكي ميكي ده خليه لغيري، أنا ست متجوزة وجوزي قتال قُتلة خد بالك.
صك فكيه وهو يزمجر بـ لامُبالاة يقول:
- معاكسة ايه وزفت ايه، بت إنتِ اترزعي هنا ثواني.
توجه نحو غرفة وردة يقوم بقرع باب غرفتها لتستيقظ ويخبرها بكل ما حدث وأن خابت فكرته ولكن لم يجيب أحد، دخل الريب قلبه ففتح الباب ولم يجدها! نطق اسمها متسعة عينيه ليُخمن بأنها من المؤكد اتبعته حينها خاصة أنه قد أخبرها على اسم المكان واليوم لا يوجد معهد!

فاتن أسفل بورسعيد 2 |قيد الكتابة|Where stories live. Discover now