22_ غابة ضوء القمر

198 12 20
                                    

.
.
.
.
.
.
.
.
.

عندما دخلت غابة ضوء القمر، كان كل شيء يبدو وكأنني انتقلت إلى عالم من الأساطير. الأشجار التي تحيط بي كانت شاهقة، بأغصان متشابكة وكأنها تحتضن السماء. أوراقها الفضية تتلألأ برقة تحت ضوء القمر الذي كان ينساب عبرها كأشعة سحرية. شعرت كأن الطبيعة نفسها تتحدث معي بلغة خفية، تتردد في الأجواء من خلال نسائم الليل الهادئة.

كانت الأرض مغطاة بأعشاب ناعمة متلألئة، وبتلات الزهور البيضاء الصغيرة المتفتحة ليلاً، تبدو وكأنها نجوم متلألئة على سطح الأرض. هذا المكان كان ينبض بالحياة، لكن ليس كالحياة العادية. كل شيء هنا كان يتحرك ببطء وهدوء، كأن الزمن توقف ليتيح لي الاستمتاع بهذه اللحظات.

بينما واصلت السير، شعرت بأعين خفية تراقبني، ربما حيوانات الغابة أو حتى أرواح قديمة، لكن لم يكن هناك أي خوف، فقط انسجام غريب مع هذا العالم. النهر الذي مر بجانبي كان صافيًا، عاكسًا ضوء القمر بنعومة، وكأن السماء نفسها امتدت إلى هذا المجرى المائي.

رائحة الزهور الليلية كانت قوية ومنعشة، تخترق الحواس وتملأ الروح بالسلام. في هذا المكان، شعرت أنني لست فقط ضيفة، بل جزء من هذا النسيج الساحر. غابة ضوء القمر كانت عالمًا ينبض بالسحر والغموض، وقد أحاطني بجمال لا يوصف، وكأنني عشت لحظة من أسطورة قديمة.

بينما كنت أتقدم أكثر في غابة ضوء القمر، لاحظت فجأة تلك الأضواء الزرقاء الغامضة تطفو في السماء، تتحرك ببطء وكأنها أرواح هائمة تبحث عن شيء ضائع. كانت الأضواء تهمس بخفوت، همساتها غير مفهومة، لكنها اخترقت أذني كنسيم بارد جعلني أرتعش. كلمات غامضة، متداخلة وغير واضحة، تكررت في الأجواء، وكأن هذه الأضواء تحاول إيصال رسالة من عالم آخر.

كلما اقتربت من الأضواء، شعرت بأن البرودة تزداد حولي، ليس فقط من الهواء الليلي، بل من تلك الهمسات التي كانت تحتوي على شيء من الخوف والغموض. ارتجفت يداي بينما كنت أراقب الأضواء وهي تدور وتتمايل كأنها ترشدني إلى مكان أعمق داخل الغابة، أو ربما تحذرني من شيء قادم. كانت تلك اللحظة مشحونة بالتوتر، شعور غريب يسيطر عليّ، مزيج من الفضول والخوف.

الغابة التي كانت تبدو ساحرة وهادئة تحولت فجأة إلى مكان يحمل في طياته أسراراً لم أكن مستعدة لاكتشافها. كل صوت، كل حركة صغيرة، بدت وكأنها جزء من لغز أكبر.

نظرت ناحية لوميريال، ولاحظت كيف كان يبدو تائهاً في أفكاره، عينيه السوداويتين مثبتتين على الأضواء الزرقاء التي تطفو في السماء. كان وجهه محايدًا، لكنه يحمل في ملامحه شيئًا غامضًا، كأنه يسترجع ذكريات أو يحاول حل لغز ما يعجز عن نسيانه. بدا للحظة وكأن تلك الهمسات الغامضة كانت تخصه وحده، كأن الأضواء تخاطبه بلغتها الخاصة.

اقتربت منه ببطء، مترددة إن كان الوقت مناسبًا للتحدث. لكن شيئًا ما بدا مختلفاً في حضوره، وكأن تلك الأضواء الغريبة أثارت داخله شعورًا قديمًا. شعرت بتلك المسافة التي تفصلنا رغم قربه الجسدي، وكأن عقله كان في مكان آخر، بعيداً جداً.

ذئبة الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن