الحلقة الثانية

2.4K 88 5
                                    

دخلت سيارتان فاخرتان باب الميتم...لتتجه كل واحدة منهن إلا وجهة مختلفة...لتخرج من السيارة الأولى سيدة يظهر من شكلها و عنجيتها أنها فاحشة الثراء...خطت بكل تكبر وغرور بوابة الميتم...نحو غرفة المديرة...ولاكن لفت نظرها طفلة تلعب بدميتها الصغيرة...إقتربت منها و عيناها تدمعان من شدة الشوق و الحنين...تكاد لا تصدق أنها نفس العيون الباردة القاسية...همست بصوت مخنوق تغلبه اللهفة: "إلين...طفلتي...صغيرتي...هل هذه أنتي..."

رفعت سنايا رأسها لتنظر إليها بإستغراب و دهشة...
فلم يسبق لأحد أن حدثها بهذه العاطفة من قبل...من غير بارون طبعا... "عفوا سيدتي...أنا لست إلين...انا اسمي سنايا..."
قالتها ببرائة قبل أن تعاود النظر لدميتها....

بقيت ساكشي واقفة و وجهها فيه علامات الصدمة...
فهي لا تكاد تصدق أن هذا الشبة كله بين هذه الصغيرة و طفلتها المتوفاة...حسمت أمرها...و هي تفكر في القرار الذي سأخذته في هذه اللحظة...و الذي سيغير حياتهم الحزينة...إلا أخرى مليئة بالفرح...دخلت المكتب لتجد المديرة ترحب بها وتتمنى لو تفرش لها سجادا من حرير...فهي متزوجة من أغنى أغنياء البلد...و وجودها هنا أكثر من شرف لها....

"أهلا و سهلا سيدة ساكشي...هل من خدمة أقدمها لك" قالتها بحماس و فرحة عارمة...

ساكشي بإزدراء:"تقدمين لي خدمة!! على العموم أنا أتيتك برغبة في تبني طفلة هنا إسمها سنايا...."

المديرة بصدمة:"أأنتي جادة في تقولينه للتو ؛تريدين تبني سنايا...إنها غير مناسبة لكي...فهي ضئيلة الحجم...ولديها مرض في القلب فوق ذالك..."

ساكشي بحدة:
"هل ستتخدين قراراتي بدلا عني...وعلى العموم فهذا يزيد من تمسكي بها...فهي صغيرة و لن تتحمل العيش هنا أكثر...و كما أنني سأضعها في بئبئ عيني...و لن أجعلها تحتاج لشيء...و إن كان على العملية...فأنا سأفعلها لها...والآن هلا تكرمتي و اعطيتني أوراق التبني أم لا..."

المديرة بخوف و هي ترتجف:"تفضلي سيدتي...آنا آسفة لتطفلي...لا داعي لتغضبي..."

أمسكت ساكشي الأوراق بقوة و غضب عارم لتوقع عليها...وهي سعيدة أنها ستتمكن من أخذ تلك الطفلة معها للبيت....بقيت واقفة تفكر في كيفية إقناعها بالذهاب معها....و إصطحابها لقصرها...فهي بالرغم من ضآلة حجمها...إلا أنها تبدوا عنيدة و شرسة و لن ترغب بمرافقتها بسهولة تامة...

أما تلك السيارة الثانية التي دخلت...فهي تبدوا أيضا أن صاحبها يملك من المال ما يطعم به قارة بأكملها... خرجت منها سيدة في منتهى الأناقة و الرقي...ولاكنها بسيطة أيضا...ما إن تنظر إليها حتى تشعر بالألفة إتجاهها...ولاكنها كانت مضطربة...أنفاسها تخرج بصعوبة تامة...للحظات شعرت أنها غير قادرة على التنفس...كانت مرتعبة و كأنها تشعر بالرهبة من هذا المكان...و سرعان ما تخللت دمعة حزينة وجنيتها...لتمسحها على الفور...لتعيد ثباثها و رباطة جأشها....كانت تبحث بعينيها عن أحد ما...وسرعان ما حلت إبتسامة رائعة على شفتيها...أرجعتها شابة في مقتبل العمر...لقد وجدت ظالتها المنشودة...وهو ذالك الصغير الذي لفت نظرها أول مرة حين اتت بالتبرعات الأسبوع الماضي...دخلت للمكتب فور خروج ساكشي ببضع لحظات...و لحسن الحظ أنهما لم تلتقيا...

المديرة بترحاب:"أهلا و سهلا سيدة جريما...هل يمكنني خدمتك بأي شيء..."

جريما بحزم:"أريد أن أتبنى الطفل الذي في الخارج من فظلك..."

المديرة بدهشة:"عن أي واحد تتحدثين...فأنا أرى العديد من الأطفال في  الخارج..."

جريما بإبتسامة:"إنه ذالك الطفل الذي يمتلك عيونا كالصقر...يبدوا من ملامحه القوة و الصرامة...و أي شخص يقف أمامه يشعر أنه ليس طفلا...بل رجل صغير...هل علمتي الآن عمن أتحدث..."

بقيت تنظر إليها بتوجس فكل هذه المواصفات تنطبق على شخص واحد فقط....هو بارون...لطالما كانت تخشاه...و تخشى عينيه الرماديتن الخطرتين....و لازالت...لقد وضعت بين نارين...و كل  واحدة منهن...أشد قسوة من التي قبلها...إن اليوم هو يوم مشؤوم بالنسبة لها...لقد أتت السيدة ساكشي لتبني سنايا....والسيدة جريما لتبتي بارون...أي مصيبة ستحدف عليها الآن....بعد أن يعلم برحيل سنايا...

سلمت أمرها لتخرج مع جريما ناحية بارون لتخبره بالأمر الواقع و أن سنايا إبتعدت عنه الا ما لا رجعة...ولاكن لصدمتها الشديدة أنه تقبل الموضوع ببساطة و بفم مغلق...و قبل أن تطمأن تماما و جدته يهمس لها بصوت دب الرعب في اوصالها....
"أنا لن افوت ما فعلتيه و كنت قد أقسمت من قبل أن أحرق هذا الميتم بما فيه...لو أبعدت سنايا عني..لذا إستعدي...فالعد التنازلي بدأ من الآن..."

تركها بعدها وهي تخرج أنفاسها بصعوبة...ما كانت تخشاه قد حدث....وهاهو يسارع في الركوب في تلك السيارة الفاخرة مطلقا لها نظرة تهديد من بعيد...

أما عن سنايا فهي كانت تبكي بكائا مريرا...يقطع القلب....لقد إبتعدت عن بارون...إبتعدت عن صديقها الحنون ...الذي كانت لا تغفى سوى وهو يضمها إلا صدره و يداعب خصلات شعرها...ويحكي لها عن الأمراء و الأميرات و القصور...و هاهي الآن ستذهب العيش في قصر لم تحلم بمثله في حياتها...ولاكن بدونه...ترى هل هو قلق عليها الآن؟ وهل يارتى نفذ وعده بإحراق الميتم؟

شعرت بعدها بيد حنونة تمسح لها دموعها...و تضمتها لصدرها باعثة كل حبها و حنانها و أمومتها إتجاهها...

ابتسمت لها و كأنها قد إطمأنت قليلا...فبادلتها الإبتسامة و هي تقول لها بصوت أمومي حاني:"من الآن فصاعدا...ستنادينني أمي...لقد أقبل بأي لقب آخر فأنتي ابنتي...و أيضا منذ اليوم لن يكون إسمك سنايا...سيكون إسمك إلين...حسنا..."

أومئت لها برئسها...متفهمة كلامها فليس لديها خيار آخر...ولاكنها تقسم أنها لا يمكنها نسيان إسمها الأصلي أبدا...فهو و بارون سيظلان محفوضان في قلبها إلا الأبد...

كيف تتوقعون أن يحرق بارون الملجأ؟
و ماهو سر جريما الذي جعل أحوالها تنقلب؟
و سنايا كيف ستتقبل العيش وسط عائلة لا تمد لها بصلة؟

تابعوا لتعرفوا.....

سنلقي مجددا (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن