البارت الثالث عشر

3.2K 361 16
                                    


خرج جيهوب مسرعا من المسكن ليستقل سيارة أجرة إلى العنوان الذي حصل عليه ، بعد ربع ساعة وصل إلى العمارة حيث تقطن مي يونغ و أسرتها ، أسرع و صعد في المصعد و هو يترنح في مكانه من شدة حماسه ، خرج ليقف أمام الشقة ثم تجمد مكانه و كأنه استيقظ للتو من حلم و هو يحدث نفسه :
- يا إلهي ! ما الذي أفعله هنا ؟؟ لا بد أنها ستكون مع عائلتها .. ما الذي سأقوله لو طرقت الباب ؟ مرحبا أريد رؤية ابنتكم مثلا ؟ آآه حقا كم أنا غبي !! لا أعلم حتى إن كانت قد عادت إلى البيت أم لا تزال تبيت في مكان ما ..
بينما هو كذلك فتح الباب فجأة لتلتقي عيناه يعينان مألوفتان ، كانت سيدة شاحبة الوجه و عينين غائرتين و شعر قصير شديد السواد تتخلله بعض الشعيرات البيضاء كالحرير تلف حولها معطفا قطنيا ، تسمرت في مكانها ممسكة بمقبض الباب و هي تنظر إلى جيهوب باستغراب الذي ظل يحدق بها لثوان حين رأى و أخيرا شيئا من ملامح مي يونغ فقد كان واضحا أن السيدة والدتها ..
فجأة شعر جيهوب بالإرتباك و خشي أن تظن السيدة به سواء لوقوفه أمام شقتها و هو ينظر إليها بتلك الطريقة فلم يجد سوى نزع قناعه و انحنى لها بابتسامة مشرقة و قال :
- أنيوهاسيووو .. أرجو ألا أكون قد أزعجتك سيدتي ..
ما إن رأت السيدة وجهه حتى وضعت كلتا يديها على فمها و كأنها تحاول عدم فضح صدمتها ، بدأت عيناها تتلألآن و قالت بسعادة :
- يا إلهي ! إنه هو حقا ! إنه جيهوبي من بانغتان !
اندهش جيهوب لتعرف السيدة عليه و شعر ببعض الإرتياح لردة فعلها المطمئنة على الأقل لن يكون مضطرا للتفكير في طريقة لرؤية مي يونغ ، فجأة أطل رجل من الشقة يهرول و أمسك بكتف زوجته قائلا :
- آآه عزيزتي !! كم مرة أخبرتك ألا تفتحي الباب لمفردك !
قاطعته و هي تشير لجيهوب بحماس :
- عزيزي انظر انظر ! إنه جيهوب نفسه ! لقد أتى لرؤية صغيرتي ميمي !
التفت إليه الرجل و بدت عليه علامات الانبهار هو الآخر فانحنى له جيهوب باحترام ، حينها أفسح له الطريق و هو يمسك يد زوجته :
- أيقووو .. تفضل بني تفضل !
في تلك الأثناء أنهى جيمين استحمامه و بعد أن ارتدى ملابسه و جلس يجفف شعره أخذ هاتفه بين يديه لجد رسالة من صديقه ، فقال بتعجب :
- أووه .. هل نسي شيئا لم يخبرني به ؟
ما إن فتح الرسالة حتى تغيرت ملامحه ، ألقى بالمنشفة و دفن وجهه أكثر في الشاشة و كأنه يحاول تصديق ما يقرأه ، ثم خرج مسرعا من غرفته و وجد الأعضاء مجتمعين في الردهة يشاهدون التلفاز فقال و هو يلهث :
- أين هوبي هيونغ ؟
نظر إليه رابمونستر باستغراب و قال :
- لقد خرج منذ مدة .. بدى مستعجلا .. لماذا ؟
قام جيمين بالاتفاف حول نفسه كالجرو التائه ثم نظر إلى الأعضاء بتعابير ضائقة و قال :
- شباب .. علينا أن نجد هيونغ ..و بسرعة ..
حينها دخل جيهوب إلى البيت الذي كان عبارة عن شقة بسيطة الديكور و الأثاث ، لكنه كان مريحا و باعثا للأمان ، جلست والدة مي يونغ بالمقابل له و ابتسامتها لا تفارق وجهها ، كانت تبدو و كأنها معجبة مراهقة متحمسة ، أحضر والد مي يونغ أكواب قهوة و قدم له كوبا ، تنحنح جيهوب و قال بصوت محرج :
- أنا أعتذر على زيارتي المفاجئة ..
ابتسم والد مي يونغو قال :
- لا .. لا بأس بني .. نحن سعداء بقدومك
شعر جيهوب بالسعادة الغامرة و بالراحة لأنه تم قبوله وسط أسرة مي يونغ بسهولة ، ثم قالت السيدة بعد صمتها الطويل بابتسامة عريضة :
- لا بد أنك قرأت رسالة ابنتي ؟
- رسالة ؟
- نعم .. ابنتي مي يونغ من أشد معجبيك و قد أرسلت لك رسالة ..
ابتسم جيهوب و هو يفكر كم هو محظوظ بمي يونغ خاصته ، ربما لم يتمكن من قراءة رسالتها لكنه تمسكن من التعرف عليها في النهاية ، ثم التفتت إلى زوجها تحكي له و هي جد متحمسة و تضحك :
- عزيزي أتذكر اليوم الذي كتبت فيه ميمي خاصتنا الرسالة ، كانت حقا متوترة حتى أنها أعادتها مرات و مرات ، و قد تطلب مني اقتناء أوراق مزركشة من محل أظنه كان في ضواحي سيول ..
ضحك الرجل و قال و هو يربت على ظهرها :
- بالطبع أذكر عزيزتي ..
شعر جيهوب بالخجل قبل أن يسود الصمت في المكان ثم تغيرت ملامح السيدة المنيرة إلى العبوس رغم ابتسامتها الهافتة و قالت بنبرة آسية:
- حتى بالرغم من ملازمتها الفراش بالمستشفى .. أصرت على كتابتها ..
أحس فجأة جيهوب بشيء يخترق صدره ، انتفض من صمته و قال بكل تلقائية :
- مستشفى ؟ لماذا هل مي يونغ بخير ؟
التزم الاثنان الصمت فقد كانت الكلمات أصعب من أن تنطقها الألسن ، ظل جيهوب يتطلع إلى تعابير الزوجين علهما يشفقان على حاله و يطمئناه على مي يونغ ، حينها وقف الرجل و قال لزوجته :
- عزيزتي .. لقد حان وقت الدواء .. هيا لترتاحي
لكنها سحبته ليعود للجلوس و قالت بعد أن سالت دموعها كالسيل من عينيها اللتان تشبهان عينا مي يونغ ، و قالت و الدموع تخنقها :
- لا ! دعني على الأقل أخبره قصة ابنتي .. أريد أن يعلم كيف عانت أوري ميمي في المستشفى لعام كامل تصارع المرض ..
انهارت السيدة أمام أعين جيهوب الذي ظل مصدوما مما يسمعه ، لم يتركها نحيبها من إتمام كلامها فدفنت رأسها في حضن زوجها الذي أسند رأسها على صدره يهدأها ، خانت الكلمات جيهوب للحظات ليقول بعدها :
- سيدي أرجوك أخبرني ما الذي حصل لمي يونغ .. هل هي بخير؟
سالت دمعة وحيدة من عين الرجل و قال بعد أن نزع نظاراته الطبية :
- مي يونغ ابنتي .. ماتت منذ ثلاث سنوات .. بمرض السرطان ..
أحس حينها جيهوب أن الشقة تدور حوله أو ربما الأريكة التي يجلس عليها التي تدور ، لكن ما يستطيع جزمه هو أن الأرض كانت تهتز تحت قدميه ، فقد القدرة على الكلام بل حتى القدرة على التفكير ، لم يسبق لكلمة "ماتت" أن كانت بذلك التعقيد ، حاول استرجاع كل معنى مرادف لهذه الكلمة ليوقن أنه يعني أن الشخص غادر للأبد و لا يمكن رؤيته ، و ما أثار صدمته أنها لم تمت منذ شهر أو شهرين بل قبل ثلاث سنوات ..
وقف والد مي يونغ يسحب زوجته بين دراعيه و قال لجيهوب :
- اعذرني بني .. سآخذ زوجتي لتناول دوائها و أعود ..
أخذ الرجل زوجته لغرفتهما كي ترتاح بينما ظل جيهوب جالسا مصدوما في مكانه ، جال بنظره حول المكان ، كانت صور مي يونغ رفقة عائلتها تملأ الأرفف و الجدران فتهيء له سماع صدى ضحكاتها ، أحس فجأة بالخوف ينساب إلى جسمه و يشل حركته ، شعر و كأن الأريكة التي يجلس عليها تزداد برودة و بهالة غريبة تحيط به و كأن أيد خفية تتسلل من كل زاوية بذلك البيت لتسحبه إلى الجحيم ، ارتدى قناعه و قبعته بيديه المرتعشتان و وقف بسرعة فأحس بدوار شديد و بحاسة سمعه تضعف كل ما كلن يسمعه هو صفير مدوي ، انتابه شعور بالاختناق فانطلق يجر قدميه الثقيلتان ليغادر الشقة باحثا عن متنفس من اختناقه ..
كان الأعضاء في المسكن يحاولون استيعاب ما رأوه في ملف مي يونغ الذي وصل إلى جيمين قبل لحظات من صديقه ، كيف يعقل أن الفتاة التي خرج جيهوب للقائها و التي كان يدعي خروجه معها هي طالبة سابقة توفيت منذ ثلاث سنوات ..
نظر جين إلى جيمين و قال :
- هل أنت متأكد أنها الفتاة التي تحدث عنها ؟ ماذا لو كانت تشبهها فقط ؟
- لقد أكد لي أنها هي .. كما أنها تحمل نفس الإسم ..
رمى رابمون بالهاتف على الطاولة و قال و هو يرتدي معطفه :
- سأذهب للبحث عنه .. بما أنه ذهب لذاك العنوان لن يكون بعيدا عنه ..
وقف الجميع يريدون مرافقة رابمونستر لكنه رفض خوفا من جذب الانتباه و طلب منهم المكوث في البيت لعله يعود سالما ، باسثناء جيمين الذي أصر على مرافقته لمساعدته على البحث ..
كان جيهوب يمشي في الشارع يترنح كالسكير و يصطدم بالمارة فهو لم يعد قادرا على التمييز بين الحقيقي منهم و ما هو من نسج مخيلته ، أصبح يشكك في أي شيء ، و كيف لا يفعل بعد أن اكتشف أن الفتاة التي أحبها و التي أمضى أسابيع و أسابيع يتحدث إليها و يمرح معها شخص ميت ، لم يكن يستطيع التفكير جيدا بينما يرتمي بين المارة كالكرة بعضهم يصرخ في وجهه و بعضهم يشتمه ، لمح زقاقا خاليا فاتجه إليه و عيناه تكادان لا تريان أي شيء أمامه من رؤيته الضبابية ، كان يحاول الاختلاء بنفسه ليتجنب تعرف الناس عليه فآخر ما قد يريده في هذه اللحظة هو فضيحة أخرى ..
ارتكن في الزقاق الضيق الخالي و تشبت بالجدران بعد أن فقدت قدماه القدرة على حمله ، أخذ يلهث بشدة و كأن شيئا يخنق رقبته فنزع عنه القناع بقوة و رماه على الأرض ، شرع في استرجاع كل ذكرياته مع مي يونغ ، فتذكر الصور و اليوم الذي رآها في لقاء المعجبين و في الحفل ، و تذكر حين وقع لها على الألبوم الذي مر على صدوره ثلاث سنوات ، لا عجب أن العاملين كانوا ينظرون إليه باستغراب بما أنه كان يحدث نفسه .. أو بالأحرى يحدث شبحا ..
كانت تلك الكلمة كافية لجعل قلب جيهوب يكاد ينفجر ، سرى الرعب في جسمه ففي النهاية أي إنسان طبيعي سيموت خوفا حين يكتشف أنه كان يتحدث إلى شبح ، و الأشباح تبقى أشباحا ، مخلوقات عالقة بين عالمين كانت ذات يوم بشرا ، و من يعلم .. ربما قد يجعلها توقها للحصول على أنيس تقوم بأخذه معها ..
أقوال الناس كثيرة عن الأشباح و هو يمكن أن يتوقع أي شيء بما أنه لا يعلم أيها صحيح ..
بينما كان في حالة صدمة اقترب منه أربع شبان متنمرين ، و قال أحدهم :
- انظروا ما لدينا هنا .. سكير في وضح النهار..
ضحك أتباعه ثم قال بنبرة حادة :
- يااا أنت ! هات ما عندك من مال إذا كنت تريد تجنب المشاكل ..
قال جيهوب بصوت ضعيف :
- ليس لدي مال ..
ثارت أعصاب الرجل فقال بتذمر :
- ما هذا ؟؟ هل يتجاهلني الآن ؟ يااا عندما يحدثك أحدهم انظر إليه !
لكن جيهوب تجاهله فقد كان غارقا في صدمته حتى أنه فقد الاهتمام بأي شيء حوله ، اقترب منه الرجل و أمسك بياقته ثم لكمه بقوة ليرتد على الجدار و يتشبت به لكن قائد العصابة باغته بضربه أخرى على بطنه فسقط على الأرض على ضحكات المتنمرين ، فأمسك به أحدهم ليوقفه على أقدامه و تتغير ملامحه حين تعرف على جيهوب :
- مهلا ! هيونغ .. أليس هذا جيهوب من فرقة بانغتان سونيوندان ؟
التف الجميع حوله و قال آخر :
- دييباك إنه حقا هو !
ابتسم قائدهم ابتسامة جانبية و قال :
- هل قمت للتو بلكم أيدول ؟ لم أتوقع أنك بهذا الضعف .. لما لا نري معجباتك أيضا كم أنت ضعيف .. ياا .. قم بتصويره بينما نبرحه ضربا ..
بدى الحماس على أفراد العصابة بينما كان جيهوب ملقى على الأرض لا يقوى على الحراك لم يكن ذلك بسبب ألم الضرب فقد استسلم عمدا لهم عل لكماتهم تخرجه من كابوسه أو على الأقل تنسيه الألم الذي يمزق قلبه ..
فجأة شعر بريح باردة تمر عبره و تشتد شيئا فشيئا لكن المتنمرين تجاهلوها ، هيئ أحدهم هاتفه للتصوير ليتفاجئ بالقوة غريبة تلقي بالهاتف بعيدا ليرتد مع الجدار حتى أصبح قطعا صغيرة ، تجمد الجميع أماكنهم و علامات الاندهاش بادية على وجوههم و أعينهم تكاد لا تصدق ما رأوه للتو ، قبل أن تنهال عليهم كل الخردة الموجودة في الزقاق و كأن أحدهم يلقيها عليهم ، تعالت صرخاتهم من أثر الضربات أما جيهوب فزحف إلى الجدار و التصق به و هو يتابع تعرض أفراد المتنمرين للضرب و أنفاسه تكاد تنقطع مما يراه ، لا يعلم إن كان ما يراه حقيقيا أم من نسج خياله أيضا ..
وقف قائدهم الذي كان أنفه ينزف بسبب ضربة من غطاء مكب النفايات و التفت إلى جيهوب يحدق فيه و كأنه مخلوق غريب ، شيء خارق للطبيعة و قال :
- ما تكون بحق السماء ؟
ثم انطلق هاربا تاركا أتباعه بعضهم يسحب من انتهى به الأمر مغمى عليه لينجوا بأرواحهم ..
ما إن اختفى المتنمرون حتى سكنت الرياح القوية و كأنها لم تكن متشدة قبل قليل ، وقف جيهوب بصعوبة و قرر متابعة طريقه قبل أن يبدأ يتهيئات أخرى حسب ظنه ، لكن صوتا مألوفا جعل أنفاسه تتوقف و شفتاه المرتعدتان تتجمدان و بقشعريرة تسري في كامل جسده :
- أوباا ..
ظل لثوان واقفا يأبى الالتفات إلى مصدر الصوت ، لكنه استدار ببطىء تلقائيا ليجد مي يونغ واقفة أمامه و عيناها تقاومان انهيار الدموع ..

كنت في انتظاركحيث تعيش القصص. اكتشف الآن