كان جيهوب يمشي بتوهان إلى أن قادته قدماه إلى الحي حيث اعتاد لقاء مي يونغ، وقف لثوان ليدرك أين هو ثم استدار عائدا أدراجه ، فوجد أمام وجهه سيدة عجوز تحدق به جعلته يقفز من مكانه من الخوف ، فقالت له :
- ما الذي تفعله هنا ؟ أنا لا أذكر أنك كنت من سكان هذا الحي ..
- أنا .. كنت ..أتيت فقط لزيارة أحدهم ..
- آآه .. إذن عليك أن تجد عنواه الجديد .. فهذا الحي قد تم إفراغه عن آخره بعد أن منح لأصحاب المنازل تعويض .. يبدو أنهم يفكرون بإنشاء شيء هنا .. يا للخسارة .. لقد كان الأطفال يستمتعون باللعب في الحديقة .. من المؤلم كيف أصبح المكان موحشا ..
غادرت السيدة بينما ظل جيهوب فارغ التعبير ، كان يهم بالرحيل لكن شوقه لذلك المكان كان يزداد ، ذلك المكان الذي لا يعترف بأي عائق بين شخصين يتبادلان مشاعر صادقة ..
التفت راكضا متجها إلى الحديقة ثم تسلل إلى داخلها ، وقف يلهث بعد أن نزع قناع الوجه و هو يحوم بنظره على المكان ، ثم قال بصوت عال :
- أنت حقا فتاة سيئة ! كيف يمكنك تركي فقط لأني طلبت منك الابتعاد !؟ ألم تريدي رؤيتي منذ مدة طويلة ؟؟ لما لم تأتي لرؤيتي كل هذه الأشهر ؟؟
لم يتلقى جيهوب أي جواب فقد بدى المكان هادئا أكثر من أي وقت سبق ، وقف لدقائق لعل مي يونغ تظهر من أي مكان فقد كان مشتاقا لرؤية ملامحها لكنه فقد الأمل فأخفض رأسه بخيبة و همس :
- كما هو متوقع .. لا أظنها ستود رؤيتي بعد ما قلته ..
التفت مغادرا و هو يجر آماله الخائبة و ألم قلبه الذي لا يشفيه شيء من نجاحه ، قبل أ يوقفه ذلك الصوت المألوف :
- أوباا ..
التفت إليها ليجدها واقفة و دموعها تسيل في صمت ، ظلا صامتين للحظات ثم قالت مي يونغ :
- أنا آسفة أوبا لأني لم أخبرك ..
ظل جيهوب صامتا فسالت دمعة وحيدة من عينه فقال :
- أتعلمين كم كان صعبا عدم رؤيتك طوال هذه الأشهر ؟ أكان لا بأس بالنسبة لك ؟
أجابته مي يونغ و دموعها لا تتوقف :
- لم يكن سهلا أبدا البعد عنك .. لم أملك الشجاعة لرؤيتك مرة أخرى.. فكرت أنه من الأفضل الابتعاد عنك.. لكني لا أنكر .. أني كنت في انتظارك هنا .. و لطالما كنت في انتظارك ..
ظلت أعين جيهوب مقيدة بملامح مي يونغ ثم اقترب منها بينما كانت لا تفارق نظراتها الأرض و دموعها تنهمر لتطبع بقعات واسعة ، فقد كانت تشعر بالحرج من كونها مجرد شبح و من إخفاء حقيقتها عن جيهوب طوال تلك المدة ، وقف أمامها و رفع وجهها الطفولي إليه ثم قال :
- آسف لوصولي متأخرا ..
تفاجئت مي يونغ بجيهوب يفتح لها ذراعيه فارتمت فيهما ليحضنها بينما كانت تبكي بنحيب شديد ، لقد مرت ثلاث سنوات على كونها شبحا يجول ضائعا بدون مأوى قار ، لقد مرت ثلاث سنوات و هي بحاجة شديدة لمن يقوم بحضنها و يربت على رأسها كما فعل جيهوب و يخبرها أن الأمور ستصبح بخير ..
جلس الاثنان على الكرسي الذي اعتادا الجلوس فيه ، كانت نظرات مي يونغ لا تفارق الأرض و ظلت محافظة على صمتها ، التفت إليها جيهوب و ظل يحدق بها ثم وضع يده على يدها الباردة ، انتبهت له فالتفتت إليه فابتسم و قال لها:
- لا أهتم من تكونين أو لأي عالم تنتمين .. كل ما أعرفه بأني لا أريدك أن تبتعدي عني مرة أخرى .. فالعيش بعيدا عندك أشبه بالموت بالنسبة لي ..
لم تستطع مي يونغ تصديق ما قاله جيهوب فظلت تنظر إليه و عيناها لا تزالان مثقلتان بالدموع ، مد يده و سوى لها خصلات الشعر التي كانت تتسلل من تحت قبعتها ثم مسح آثار الدموع على خديها المشتعلتان ، ظلت تنظر إليه بعينان متسعة فلم تكن تستوعب أن الشخص الذي لطالما حلمت به يتشبت بها حتى و إن كانت شبحا ، ضحك ثم التفت يراقب الطيور التي كانت تعبث في حشائش باحة الحديقة ..
شعرت مي يونغ بإحساس "على قيد الحياة" لأول مرة منذ أصبحت شبحا ، كان عقلها يخبرها أنها علاقة جنونية لا يمكنها الاستمرار ، لكن قلبها كان يتجاهل تلك التحذيرات لأن أكثر شيء ترغب فيه هو بقاءها قرب جيهوب للأبد ..
ظلت صامتة لبعض الوقت ثم قالت :
- هل .. زرت عائلتي؟
أومئ جيهوب برأسه ثم نظر إليها و قال :
- ماهذا ؟ هل كنت تراقبينني دون علمي ؟؟
ابتسمت بجفاء و قالت :
- حين حضنتني .. شممت رائحة أمي ..
بدأ جيهوب يشم سترته مازحا ثم قال :
- غريب .. لقد كنت جالسا فقط بجانبها ..
ضحكت على حركاته و قالت :
- إنها ليست رائحة عطر أو ما شابه ..
ابتسم و قال:
- أعلم جيدا ما تعنينه ..
ثم فتح ذراعيه و قال بلطافة :
- حضن هوبي أوبا مفتوح لك إلى الأبد .. هيا هيا قبل أن أغير رأيي !
ضحكت مي يونغ بشدة ثم اقتربت منه بخجل حتى لفها بذراعيه الطويلتين ، ظلا على ذلك لوقت طويل حتى غربت الشمس لكنهما شعرا أنها لم تكن سوى دقائق ..
وقفت مي يونغ و قالت لجيهوب بابتسامة عريضة :
- يمكنك الذهاب أوبا .. سيقلق عليك الآخرون ..
ابتسم جيهوب ابتسامة خافتة و قال :
- سأعود غدا حسنا ؟
أومئت برأسها بسرعة ثم التفت مغادرا لكنه لم يكن يريد مفارقة مي يونغ و لا يود تركها وحيدة في تلك الحديقة المهجورة ، لهذا بدون تفكير عاد إليها و قال و هو يمسك يديها :
- مي يونغ .. تعالي معي..
- ماذا ؟
- على أي حال أنا أخاطر بحضوري إلى حي مهجور .. كما أنه لما علينا الابتعاد عن بعضنا إذا كان ممكنا أن تأتي معي إلى المسكن..
- لكن .. لكن ماذا عن باقي أعضاء الفرقة ؟
- أنا متأكد أنهم لا يستطيعون رؤيتك .. نحن نقضي أغلب وقتنا في التدريب لهذا لن يكتشف أمرك أحد ..
أرادت مي يونغ الرفض لكن إلحاح جيهوب جعلها تفكر في الأمر من ناحية أخرى كما أنه عرض مغري لا يمكن تفويته ، ابتسمت و قالت :
- حسنا .. سأرافقك أوبا..
قفز جيهوب من الفرح ثم أمسك يديها و سحبها ورائه و هو يركض بجنون ..
كان يمشي في الشارع يغطي وجههو يرتدي قبعته و يضع يديه في جيبه بينما كانت مي يونغ تلف يدها حول دراعه مبتسمة بسعادة ، رغم أن الطريق طويلة قرر جيهوب ألا يستقل سيارة تاكسي فقد كان المشي مع الفتاة التي يحبها و الاكتفاء بتبادل النظرات أفضل ما في الوجود ..
وصلا إلى المسكن فوقفا وراء الباب و قال جيهوب لمي يونغ :
- سأدخل و ستتبعينني و حاولي ألا تحدثي أي صوت ..
- حسناا أوبا
فتح الباب و دخل فتبعته مي يونغ و ما إن دخلت حتى فتحت فمها على مصراعيها و هي تحدق في زوايا المسكن بإعجاب و دهشة فقالت بحماس :
- واااو أوبا مسكنكم رااائع !
- حقا ؟ اعتبري أنه مسكنك
فتحت عيناها جيدا و هي تضم يديها :
- حقا ؟؟
- كنت أمزح معك فقط .. لا تنسي أنتي ضيفتي المميزة هذا يعني أنه لا يجب عليك العبث في غرف الآخرين مفهوم ؟
أجابت مي يونغ بصوت غير مسموع و هي تتجنب نظرات جيهوب الحادة :
- حـ..حسنا .. مفهوم..
فجأة قاطعهما صوت شوغا :
- ياا ما الذي تفعله وحدك قرب الباب ؟
ارتعب جيهوب حين التفت إلى شوغا و وجده ينظر إليه باستغراب و هو يحمل قارورة فارغة فقال و هو يلمس الباب :
- ماذا ؟ لا شيء هيونغ .. كنت فقط .. خشب مدخل المسكن مختلف و حقا فااخر ! لما ليس لكل أبواب الغرف باب بخشب فاخر كهذا ؟ ما رأيك هل نغير باب غرفتنا هيونغ ؟
كانت مي يونغ تضحك على جيهوب بينما حدق به شوغا لثوان ثم قال :
- هل أنت ثمل ؟
- ماذا؟ بالطبع لا !
- هذا يعني أنك مجنون ..
ثم غادر إلى المطبخ و هو يهمس :
- و كأنه شيء جديد ..
ما إن غادر حتى التفت جيهوب إلى مي يونغ و قال و هو يضغط على أسنانه :
- توقفي عن الضحك !
حاولت كتم ضحكتها و قالت محاولة التظاهر بالجدية :
- حاضر أوبا .. آسفة ..
تابع جيهوب الطريق بينما كانت مي يونغ تتبعه و هي تبحلق بنظراتها في المكان إلى أن ارتطمت بظهر جيهوب فأمسكت رأسها تعدل قبعتها و قالت متذمرة :
- آآآي .. أوبا ! لما ..
لم تكمل مي يونغ كلامها حين أطلت من وراء ظهر جيهوب لترى جيمين قادما بعد أن خرج من غرفته بنهاية الممر ، كان يخيل إليها أنه يمشي ببطئ شديد و هو يرجع شعره الأشقر إلى الوراء و يبتسم حتى تختفي عيناه ، وقف أمام جيهوب و قال :
- هيوونغ ! أين تأخرت ؟ هل كنت تتنزه بدوني؟
ضحك جيهوب و قال :
- ذهبت فقط لزيارة شخص مقرب ..
ثم التفت إلى مي يونغ و هو يبتسم ليجدها تحدق بإعجاب إلى جيمين و خداها محمرتان ،فسعل بقوة لتنتبه له و تتظاهر بالنظر إلى اللوحات المعلقة بالممر ، شعر جيمين بغرابة تصرفات جيهوب فقال :
- هيونغ هل أنت بخير ؟
- ها؟ نعم بالطبع أنا بخير .. فقط أشعر بالتعب ..
- اذهب لترتاح هيونغ ..
- حسنا ..
تابع جيهوب طريقه إلى الغرفة فاستدار ليجد مي يونغ لاتزال واقفة مكانها تراقب جيمين فقال بصوت عال :
- ياااا !
قفز جيمين من مكانه و التفت بتعبير فزع يتساءل ما الذي اقترفه حتى جعل جيهوب يصرخ عليه بتلك الطريقة ، ضحك جيهوب ببلاهة و قال :
- هذاا المقبض حقا ! إنه يفقدني صوابي كل مرة يبدو أنه علينا إصلاحه هيهيهي .. لا تهتم جيميني ..
تابع جيمين طريقه و هو يلتفت بين الحين و الآخر إلى أن اختفى ، ثم فتح جيهوب الباب و تبعته مي يونغ متجنبة النظر إليه ، أغلق الباب و قال :
- ما كان ذلك ؟ كيف تنظرين إلى جيمين بتلك الطريقة بوجودي ؟ !
ابتسمت و هي تضم يديها إلى بعضهما :
- هل هذا يعني أنه يمكنني النظر إليه حين لا تكون موجودا ؟
حدق بها جيهوب غير قادر عن الكلام فأطلقت ضحكة و قالت :
- كنت أمزح فقط أوبا .. لما ليس لديك حس الفكاهة ؟
- آآه حقاا .. !
حينها دخل شوغا إلى الغرفة فتجمدت مي يونغ مكانها و قالت لجيهوب :
- هل تتشارك الغرفة مع شوغا أوبا ؟
اكتفى جيهوب بالنظر إليها بما أنه لا يستطيع إجابتها ، بينما اتجه شوغا إلى خزانته ثم سحب بيجامته و نظر إلى جيهوب قائلا :
- هل ستبقى واقفا هناك بقية اليوم ؟
تحرك جيهوب من مكانه و قال :
- ها؟ .. لا كنت أبحث عن شيء ما ..
جلس على الكرسي و بدأ يقلب في أشيائه بالمكتب بينما تقف مي يونغ بجانبه ، فجأة وضعت كلتا يديها على وجهها و قالت :
- أومووو
تساءل ما الذي رأته فجأة فالتفت ليجد شوغا يغير ملابسه فوقف تلقائيا و صاح :
- آآآه هيووونغ !
حدق به شوغا بنظرات فارغة و قال :
- ماذا ؟
تنحنح جيهوب و قال :
- لا شيء .. لا شيء ..
أمسك بيد مي يونغ التي كانت مقفلة عيناها و خرج من الغرفة ، ثم وقف يفكر إلى أين سيأخذها ، حينها لمعت فكرة بباله فسحبها من يدها و ركض نحو العلية..
فتح الباب و أشار لها بالدخول ، أعجبت مي يونغ بغرفتها الجديدة رغم بساطتها فقال لها جيهوب :
- حسنا أنت بأمان هنا .. رغم أنها ليست غرفة مرموقة ..
- أنا حقا أحب مثل هذه الأماكن المزدحمة بالأغراض فهي تشعرني بالدفء و الأمان
جلست على السرير الصغير تتحسسه فجلس جيهوب بقربها و أمسك بيدها و قال :
- لا داعي لتبحثي عن الدفء و الأمان في أي مكان آخر .. لما أني موجود بجانبك
ابتسمت مي يونغ بخجل بينما ظل جيهوب ينظر إلى عينيها الكبيرتان فقال :
- مي يونغ ..
- نعم أوبا ..
- أنا حقا .. أحبك ..
ابتسمت و قالت :
- أنا أيضا .. و منذ وقت طويل أوبا..
ضمها إليه يربت على رأسها بينما كان ينظر إلى النافذة حيث تظهر السماء شديدة الزروقة المليئة بالنجوم ، إنها نفس النافذة و نفس السماء و نفس العلية حيث كان يعيش ألمه قبل أشهر ، لكنه الآن تحول إلى جنة بالنسبة له و السماء أصبحت أجمل بما أن مي يونغ هنا بجانبه ..

أنت تقرأ
كنت في انتظارك
Фанфикيعيش جيهوب حياته الاعتيادية في هدوء إلى أن يلتقي بمعجبة ليست كغيرها من المعجبات .. لقائهما لم يكن صدفة ، فقد كانت في انتظاره منذ وقت طويل ..