كانت السّاعة الثّالثة فجراً، عندما كان يحضّر نفسه للتّدريب اليوميّ. كان شابّاً طويل القامة، عمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين.
وصل إلى مركز التّجمّع وألقى التّحية على الجميع، فوقف معظم الحاضرون، وردّوا التحيّة، وما لبث أن جلس معهم أمام وهيج النّار الأحمر، وصوت الحطب المحترق. قال المدرّب بصوتٍ خشن:
-الآن، وبعد أن أتى عليّ واكتمل العدد، يجب التّنويه على عدّة نقاط. أوّلاً، التّأخّر بعد الآن، كما فعل البعض، غير مقبول، ومن يريد أن يعرف العقاب فليجرّب التّأخّر. ثانياً، كلّكم هنا لتعلّم أساسيّات وأساليب الصّيد وبعض مهاراته، ولكن يجب أن تعلموا أنّ الشّهر الّذي مضى من هذا التدريب كان مجرّد لعبة، ويمكن القول بأنّ الجدّ قد بدأ من اليوم.
كان المدرّب رائد قاسٍ جدّاً في تدريبه، ولكنّه كان ساميَ الأهداف. لقد صمّم وتعهّد على نفسه أن يربّي بعض الشّباب ويدرّبهم على مهارات الصيد. رجلٌ تحوّل الصيد عنده إلى غريزة، كان ذو هيبة، شعره أبيض، وشارباه طويلان، وكان عمره حوالي الخمسون عاماً، ولكنّ جسده مازال رشيقاً، ويُرى على وجهه ومعظم أنحاء جسده أثار مخالب القطط المتوحّشة أو النمور أو غيرها من الحيوانات ذات المخالب.
وقفَ، فوقف الجميع، وشهروا أسلحتهم، ووضعوا أخمسها على الأرض مُمسكين بالفوّهة. قال المدرّب:
-لقد كان الشّهر الماضي شهر تدريبٍ نظريّ، أمّا الآن فقد حان وقت التدريب العمليّ. فليختار كُلّاً منكم شخصاً يرافقه في رحلة صيده التّدريبيّة.
إختار عليّ صديقه أحمد، وهو صديق من أيّام الدّراسة. كان عددهم ثلاثة عشر شخصاً، انقسموا اثنين اثنين. بقي شخصٌ لم يقبله أحدٌ كشريك، كان يُعتبر منبوذاً وكانوا يسمّونه "المنبوذ مجيد"، ولكنّ عليّاً لم يكن يشاركهم تلك التّسميات، وكان يحاول التقرّب من مجيد قدر الإمكان، فكان يُفلح بهذا العمل، ولكن طبيعة شخصيّة مجيد انعزاليّة، تُحبّذ الانفصال عن المجتمع. أمّا المشكلة فكانت أنّه ابن المدرّب، وكان المدرّب يجبره على المشاركة في هذا التّدريب، ويشجّع زملائه في التّدريب على الاستهزاء به، لعلّه يغيّر من طبيعة شخصيّته.
قل المدرّب رائد لابنه:
-كفاك تظاهراً بالحزن، يمكنك الذّهاب بمفردك لإنجاز التّدريب. أيّها الشّباب، أريد من كلّ شريكين منكم فريسة تكفيهما لمدّة يومين، وربّما أكثر، أعني تكفيهما لهذا اليوم ويوم غدٍ مع ليلته.السّاعة الآن الثّالثة والنّصف، من الآن إلى الخامسة، أريد أن يكون جميعكم هنا مع الفريسة، وأنا لا أتحمّل مسؤوليّة فشل أحدكم.
نظر جميع الحاضرين إلى بعضهم باستغراب، وقال أحمد لعليّ:
-يمكننا فعلها.
وانطلقا راكضين مع أسلحتهما، وكانا أوّل من انطلق.
كانت وجهتهما إلى السّهول، مكان تمركز قطعان الحمير الوحشيّة. عندما وصلا إلى التّلال المطلّة على السّهول المُرادة، كانت السّاعة قد قاربت الرّابعة فجراً، وكان الظّلام مازال مُرخياً ستائره السّوداء على السّماء والأرض، ولفحات الهواء البارد توقف القلوب.
كان عليّ ينظر إلى السّهل نظرات تعبّر عن خيبة الأمل، ولكن بعد فترة وجيزة، ظهر أمام عليّ وأحمد خطوط بيضاء مبلّلة عاكسةً ضوء القمر ومخترقةً حجب الظّلام. أخذ عليّ يدقّق في ذلك الشّيء المتحرّك، فتحوّلت نظرة الخيبة إلى نظرة انتصار، فحمل سلاحه، وكذلك فعل أحمد، وضع خدّه على السّلاح، أغمض عينه اليسرى، وملئ الفراغ بالزّناد، وراح ينتظر الحمار حتّى يجلس أو يتوقّف عن الحركة. فما كن من الحمار إلّا أن جثا على الأرض محاولاً النّوم، جاهلاً بما ينتظره من وجعٍ مميت. قال عليّ:
-دعه لي، نعم إنّه لي، أشعر بهذا.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Adventureعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام