استيقظ في الصّباح الباكر، وكانت مدّت نومه لم تتجاوز السّاعة، على صوت الدّب الّذي كان يحلم أن يسمعه منذ أن فقده. وقف عليّ بهمّة ثقيلة، ينظر إلى الدّب، وكان مُلْقاً على بطنه، وجروحه لا تعدّ. لفت نظر عليّ جرح بارز عميق في فخذ الدّب. اقترب ليلقي نظرة، وإذ به يرى شيئاً داخل فخذ الدّب مغطّى بالدّماء المتخثّرة، فانتزعه من فخذه، واكتشف بعد أن فتحه أنّها رسالة، قرأها بصوت لا يُسمع: "من بهجت، لا تستغرب لما لم يؤخذوك إليّ، فأنا باستطاعتي قتلك في أي لحظة، ولكن لست أنت من تحدّد هذه اللّحظة، الآن أنت حرّ، ولن تأسر، ولكن أنت الآن أسير العاطفة والضّمير."
كان بهجت كبير العائلة في الأردن، وهو كان من يدير الاشتباكات وعمليّات السّرقة الخفيّة. لكنّ حياته انقلبت رأساً على عقب عندما رأى جثّة أخيه المشوّهة أمام باب الدّار في صباح العشرين من أيّار من عام 1960م.
كان يعمل فريد -شقيق بهجت- في سرقت محلّات الذّهب. وبعد تتبُّعٍ وتخطيطٍ فرديٍّ، كَمَنَ له أحد ضبّاط الشّرطة هناك، واسمه صادق، بدون تنسيق مع أجهزة الدّولة، بل كان دافع هذا الكمين هو الانتقام من شدّة ما سبّب لهم هذا المجرم من مشاكل في أمن الدّولة الأردنيّة وأعباء وهموم متزايدة لأجهزة الأمن هناك. عندما ألقى القبض عليه، أخذه إلى غرفة مُغلقة تقع تحت الأرض، وهناك قتله ومثّلَ به أيّ تمثيل، فلقد راح يُطلق عليه الرّصاص من قدميه إلى منتصف جبهته، وفي نفس الليلة، رمى بالجثّة أمام منزل بهجت لكيّ يجعل منه عبرتاً لمن يعتبر. فُقِدَ ذلك الضّابط هو وعائلته اليوم الثّاني، وغابت أخباره عن الجّميع، وحتّى عن أجهزة الدّولة.
عندما استقرّ بهجت مع عائلته في غابات الأمازون، راح يفتّش عن إشباع حبّ الانتقام بما أنّ العائلة بدأت بالتّوسّع والتّسلّط. فذهب إلى سجلّات الدّولة الأردنيّة الّتي تمّت سرقتها من قبل أخ عامر منذ سنتين بمهمة أرسله بها أبوه. هناك رأى ما كان يتمنّى، فبعد البحث والتّنقيب، عرف بهجت الحقيقة: صادق يكون عمّ عليّ!
وفي تلك الأيّام، وفي ظلّ غياب عليّ في دورة الصّيد، كان الطّبيب مرتضى يتلقّى الأوامر من أخيه، والّتي كانت عنده كأوامر إلهيّة. كانت تلك الأوامر تقضي بخيانة الأمانة وقتل والد عليّ، ومن ثمّ الهروب. ولكن عندما علم بهجت بالإشكال الحاصل بين عامر وعليّ في دورة الصّيد، وجدها أفضل تخليص لقضيّة قتل والد عليّ، وجعلها تبدو كقضيّة حصلت بشكل غير مقصود.
تسلّم بهجت رائد الصغير من بين يديّ مرتضى ونظر في عينيه نظرة مِلْئُهَا الشّر، وهمس في أذنه كلمات لم يسمعها أحد، ولم يجب أحداً عمّا كانت.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Aventuraعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام