الفصل الرّابع عشر

306 8 0
                                    

     صرخ عليّ:

-         أيّها القنّاص.

-         ماذا تريد؟

-         انزل من فوق وخذ هذا المبلغ.

فقفز عن السّطح مثل المجنون وأخذ المال من عليّ وذهب. فعليّ لم يعد بحاجة إليه، فحسب ما جاء في الرّسالة أنّ المهلة ثلاثة أيّام. فأخذ عليّ مجاله في التّحضير للمواجهة.

   ذهب عليّ إلى أحمد، الّذي كان مشغول بإطعام جواده، جالساً على الأرض يضع له العلف في فمه، مع أنّه كان قادر على أن يضعه في وعاء، نظر عليّ إليه باستغراب وقال:

-          يبدوا أنّك تشعر بالملل.

-         أبداً، إنّما أفكّر بك وبمصيبتك.

-         ولقد جئت إلى هنا من أجل هذا، هيّا قم لنبدأ التّحضير للمواجهة.

    عندما وصل أحمد وعليّ إلى منزل الأخير، بدأوا يبنون دشماً أمام الدّار بشكل متقن. كانت الدّشمة مؤلّفة من أكياسٍ ترابيّةٍ على شكل نصف دائرة مدّعمة من الخلف بصخور، وتُمَكِّنُ الرّامي من الرّماية في جميع الوضعيّات، فكان ارتفاعها حوالي المتر ونصف المتر وتحتوي فتحات سفليّة لوضعيّة الرّكوع أو الجلوس أو حتّى الانبطاح.

    قال أحمد لعليّ وهو يفتح له كيساً سميكاً:

-         وما الّذي يمكن أن نفعله غير هذه الدّشم؟

فقال عليّ وهو يضع التّراب في الكيس:

-         يجب أن نضع ما يعيقهم وهم يتقدّمون إلى البيت.

فوضع أحمد الكيس من يده وقال:

-         ما الّذي تقصده؟

فردّ عليّ بعد أن رمى بالرّفش على الأرض:

-         نعم ... أفكّر بصناعة فخّ على الطّريق إلى البيت، أو...

فقال أحمد بلهفة:

-         أو ماذا؟

-         ألغام!

وما أن لفظ عليّ حرف الميم حتّى تحوّل لون وجه أحمد إلى أصفر، وعيناه مفتوحتان ينظر إلى عليّ باستغراب. وبعد أن ابتلع لعابه بصعوبة ظهرت في تحرّك عضلات رقبته قال:

-         ماذا تقول؟! أتظنّ نفسك في الحرب العالمية؟

-         كلّا، هذا ما سيحصل.

    عندما وصل رائد مع خبير المتفجّرات إلى بيت عليّ، كان أحمد قد انطلق بتردّد في مهمة تجسُّسيّة إلى عائلة عامر الحاقدة.

قال رائد:

-         عليّ، أُعَرِّفُكَ بخبير المتفجّرات الضّابط يحيَ، ضابط عريق متخصّصٌ بالمتفجرّات وخاصّة الألغام.

أدّى عليّ التّحيّة العسكريّة بجديّة مهزوزة بابتسامة وأردف:

-         تحيّاتي لك أيّها الضّابط، لم أكن أتوقّع أن أجد خبير متفجّرات وضابط في شخص واحد.

فردّ الضّابط يحى:

-         نعم، فأنا من النّاس المميّزين، ومن الصّعب أن ترى من هو أفضل منّي في كلا العملين.

فردّ عليّ:

-         هذا واضح من مجرّد النّظر إليك.

فأكمل الضّابط:

-         نعم، فقد تلقيّت الكثير من الملاحظات الجيّدة عن مظهري الّلافت والمثالي لضابطٍ خبير.

قال عليّ محاولاً تغيير الموضوع:

-         وما الّذي تخطّط له بعد أن أعلمك رائد بكلّ الأوضاع والأحداث؟

-         حسب استراتيجيّاتي الّتي نالت عدد هائل من التّنويهات، يجب أن أعرف أوّلاً من أين سيأتي العدوّ.

فنظر عليّ باستخفافٍ إليه وقال:

-         هذا أمرٌ بديهيٌّ. فلننتظر عودة أحمد لكي نعلم ما هو الاتجاه.

وما لبث أن أنهى كلامه حتّى رأى أحمد أمامه ينزل عن جواده.

فنّ الانتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن