أثناء ذلك سمع طرقات الباب القويّة، فهرع إلى الباب. فتح ليرى جمعاً من النّاس يتقدّمهم عامر فقال عليّ له:
- طلبتك وجهاً لوجه.
- وأنا أتيتُك وجهاً لوجه.
- ومن هؤلاء؟
- أتوا فقط ليشهدوا هزيمتك.
خرج عليّ من منزله، وأمام المنزل تواجه هو وعامر وجهاً لوجه. شكّل الحشد حولهم دائرة واسعة.
قال عامر:
- قبل أن أبدأ، يجب أن تعرف أنّ ما فعلته بوالدك لم يكن بقصد القتل، بل كان بقصد الأذيّة فقط.
فردّ عليّ بصوت قويّ:
- من يريد أن ينتقم، ينتقم من الشّخص نفسه لا من أبيه.
- لا تظنّ أنّني أقول هذا تهرُّباً من المبارزة.
- على أيِّ حال، أريد التّشفّي الآن.
وما أن أنهى كلمته حتّى رأى نفسه مطروحاً على الأرض بأنف مكسور جراء كدمة من كدمات عامر الحديديّة. في تلك اللّحظة كان الدّب الأمازونيّ واقفاً يراقب ما يحصل، وعندما اقترب عامر من عليّ لينهي المبارزة لصالحه، إذ به يُفاجَأ من خلفه بالدّب، قفز عليه وبدأ يصدر أصواتاً مخيفةً. هرب بعض الحضور، وبقيَ آخرون، لكنّهم لم يتجرّأوا على الاقتراب من الدّب. بقيَ عامر يتلقّى الضّربات من الدّب، وعليّ مغماً عليه.
استيقظ عليّ بعد فترة وجيزة ليرى الحشد قد غادر وعامر ملقاً على الأرض، فنظر إلى وجهه، فلم يميّز ملامحه، وكانت ملابسه ممزّقة كليّاً. نظر إلى الدّب فوجده بقرب الجثّة يلهث، فلقد أنهى منها للتوّ. بعد هنيهة رأى أمه تركض نحوه عائدة من قطف بعض الثّمار، فألقت السّلة على الأرض عندما رأت وجه ابنها الملطّخ بالدّم والمكسور أنفه.
- ما هذا يا عليّ؟
- أخبرك لاحقا.
وما أن أنهى كلمته حتّى رأى أحمد على حصانه، توقّف بجانب عليّ وقال:
- سمعت ضجيجاً منذ خمس دقائق، ما الّذي كان يحصل هنا؟
- عامر.
- عامر؟!
- أخبرك كلّ شيء لاحقاً ولكن قل لي ماذا أفعل الآن؟
- وكيف يمكنني مساعدتك قبل أن تقول لي ما الّذي حصل؟
- حسنا سأخبرك لكن بسرعة.
تغير لون وجه أحمد حين سمع ما حصل، وقال بصوتٍ ضعيفٍ:
- ما الّذي فعلته؟
- لا دخل لي إذ أنّ ذلك الدّب هو المسؤول.
- أتلقي المسؤولية على دبّ؟ أتعتقد أنّ أهله سيصدّقون أنّ الدبّ هو من فعل ذلك من طِلقاء نفسه دون سابق تدريب؟
- صدّقوا أم لا، هذا ما حصل. دعنا الآن نضع الجثّة خلف المنزل.
حملا الجثّة بصعوبة إلى خلف الدّار، وألقياها بين الحشائش الطّويلة. وما أن أنهيا حتّى وصل رائد، ونزل عن جواده وقال بشيءٍ من العصبيّة:
- ما الّذي حدث هنا؟ تكلّم الآن يا عليّ.
فروى له عليّ ما حصل. فنظر إلى الدبّ وقال:
- ألم أقل لك أنّه متوحش على غيرك؟ يا ويلك الآن من عائلة عامر.
فنظر عليّ إلى رائد نظرة لا مبالاة، فقال رائد:
- عليّ، إنّ أهل عامر أصحاب جرائم، ولا يَخفى عن أحد كمّ الأسلحة المتواجدة بيد عائلته.
- لا يهمّني مل تقول لأنّ الحقَّ معي، والآن كيف سأعالج أنفي؟
- أنظر إلى أنفي، تعرف أنّني خبير بالأنوف المكسورة.
- لكنّي لست حيواناً من حيواناتك فاحذر.
اقترب رائد من عليّ وراح يحرّك أصابعه على أنفه مع ضغطٍ خفيف، حتّى إذا أنهى نظر عليّ إليه نظرة استهزاء وقال:
- أتمازحني؟ ما الّذي فعلته الآن؟
- فعلت أقصى ما يمكن أن يُفعل، ما يهمّ الآن هو أن تبقى على حذر من أهل عامر.
ثم نظر إلى الدب وقال:
- وهذا الدبّ، يجب عليك أن تربطه بجذع شجرة، حاول أن تجد سلاسل حديدية وأطواق.
استطرد عليّ قائلاً:
- لقد نسينا عامر وجثّته، سوف يأتي أهله بأقرب وقت أليس كذلك؟
- لا أحد يعرف، من الممكن أن يكونوا قد بدأوا بتحضير أنفسهم لهجوم دمويّ. لذلك سوف أبعث لك عندما أعود إلى منزلي قنّاصاً درّبته بنفسي، عمله هو قنص الحيوانات لكنّه يعرض خدمات حماية، سوف يجلس على سطح منزلك بشكل مموّهٍ، فينبّهك ويحميك إذا ما أتى أحد، ولكنّ المشكلة أنّه يحبّ المال.
- أدفع كلّ ما أملك لأشعر بالأمان قليلاً.
قال أحمد مبتسماً بسخرية:
- أنا هنا منذ ساعة أستمع لأحاديثكم ولم تسمعوا رأييبعد... يجب
- أن تعيدوا الجثّة إلى أهلها.
فقال عليّ لرائد:
- أتعتقد أنّ هذا قرارٌ صائب؟
- من الممكن، ولكن أرسلها مع أحد لا يعرفونه.
فقال أحمد:
- بالطّبع أنّ هذا الشّخص لن يكون أنا.
فردّ رائد:
- يمكنك أن ترتاح، سوف أكلّف تلميذ من تلاميذي، سيأتي مع القنّاص بعد قليل.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Phiêu lưuعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام