في صباح اليوم التّالي استيقظ عليّ على صوت ابنه رائد وهو يقول:
- أبي، ما هذا الّذي ينام جانبك؟
فوقف عليّ وحمل ابنه وراح يلهو معه وهما يضحكان، ربّما لأنّه شعر بتقصيرٍ نحوه في اليوم الماضي. عندما أنهى من الّلعب قال له:
- يا بنيّ، إنّ هذا الدّب هو أخاك الجديد، يجب أن تعامله بكلّ حبٍّ ولن يؤذيك أبداً.
- حقّاً؟ أنا أحبّ الدّببة.
بعد أنّ عاد رائد إلى داخل المنزل، أيقظ عليّ الدّب ووضع أمامه بعض الّلحوم الطّازجة، فأكلها ولعابه يسيل على الأرض، وعندما أنهى وجبته نظر إلى عليٍّ نظرة امتنان ثمّ تدحرج إلى قربه. حينئذٍ فهم عليّ معنى كلام رائد، فقد تحوّل هذا الحيوان إلى حيوانٍ أليفٍ بفترةٍ قياسيّة بسبب المعاملة الحسنة. لكنّ عليّاً لم يكن يشعر بأنّ المعاملة الحسنة هي السّبب الوحيد لترويض الدّب، بحيث أنّه إذا كان الدّب الذي مات هو الحيّ الآن لما كانت العلاقة نفسها، أو بالأحرى لم يكن هناك علاقة بالأصل، ولكن لهذا الدّب قصّة أخرى. والمشكلة الآن هي أنّه لا يستطيع الحركة مؤقّتاً، ومن المستحيل تحريكه يدويّاً، فتركه عليّ خارج الدّار يتأمّل الغابة، ودخل المنزل.
بعد حوالي السّاعة، دُقَّ الباب فأسرع رائد وفتحه ثمّ عاد إلى أبيه وقال بصوته النّاعم:
- هناك رجلٌ كبيرٌ يقف على الباب.
هرع عليٌّ نحو الباب ليرى المدرّب رائد، فرحّب به بابتسامةٍ وأدخله المنزل.
قال رائد لعليّ ليفتتح الحديث:
- ما ذاك الّذي تضعه أمام دارك؟
- إنّه غنيٌّ عن التّعريف بالنّسبة لك، دبٌّ أمازونيُّ أسود.
روى عليّ القصّة بتفاصيلها لرائد، وعندما أنهى قال رائد:
- أحسنت العمل، إذ أنّ هذا النّوع من الدّببة سهل التّرويض. ولكن حذارِ من أن يغضبه أحدٌ غيرك، فهو وفيٌّ فقط لمن أنقذه أّوّل مرّة أو أطعمه أوّل مرّة، وبالأعمِّ مَنْ تعامل معه بوِدٍّ أوّل مرّة. أمّا الأُناس الآخرون فلا يعنون له شيئاً، ولكن لن يؤذيهم إلّا بعد إغضابه أو استفزازه، أمّا أنت فلن يؤذيك أبداً وسوف يدافع عنك بكلّ وفاء.
- أتعني أنّ حينما تتحسّن قدمه سوف يكون أليفاً ولن يؤذي أحداً؟
- لن يكون أليفاً بكلّ معنى الكلمة، فسوف يهاجم كلّ من يتعرّض لك، وهو من الحيوانات الذّكيّة فيمكنك أن تدرّبه على حركاتٍ أو إشاراتٍ معيّنة وسوف يسهل التّعامل معه.
- لكنّه عندي منذ يومٍ واحدٍ فقط، فهل أصبح الآن وفيّاً لي؟
- الوفاء يزداد مع الوقت، ولكنّه الآن لن يؤذيك، ولكن حذارِ أن يغضبه ابنك، فسوف يكلّفك ذلك غالياً.
فقال عليّ خارجاً عن سياق الموضوع:
- وما سبب هذه الزّيارة السّعيدة؟
- كنت أتفقّد تلاميذي.
قام عليّ وأحضر كوبين من القهوة وسيجاراً لمعلّمه، فوضع السّيجار بين اصبعيه، وشرع يشرب كوب القهوة. بعد أن وضع الكوب من يده سأله عليّ:
- كيف حال مجيد؟
فأخرج السّيجار من فمه وقال والدّخان ينبعث منه:
- ابني مجيد؟ آه، لقد تدهور وضعه بسبب الطّريقة الّتي كنت أعامله بها، فأصبح لا يطيق أحداً حتّى أمّه. ولكن وجد الطّبيب حلّاً لمشكلتهفقال أنّ من يعاني من هذا المرض النّفسي يحبّ الاجتماع مع غير البشر، وما أكثر الحيوانات عندي.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Aventuraعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام