... ورأى لمحات من يوم وفات والده ودفنه وشدّة حزنه، ثمّ قال المندوب:
- لماذا تغيّر لون وجهك؟
- إنه أنت، نعم، أنت هو.
- آه، لقد تذكرتني.
- نعم، لماذا فعلت هذا؟ وماذا تفعل هنا؟
- إنّها قصة طويلة، دعنا الآن من هذا، هل تريد تسليم الطفل؟
- لا، بل أريد قتلك.
وما أن أنهى الكلمة، حتى رأى خمسة رجال مسلّحين قد خرجوا من مخابئهم ووجّهوا فوّهات بنادقهم إلى جهة عليّ، فوضع عليّ طفله على الأرض، ورفع يديه عالياً ثمّ قال:
- حسناً، خذوني ولكن لا تفعلوا أيّ شيءٍ للطّفل.
ردّ الطّبيب مرتضى:
- ولكن هذه ليست الأوامر.
- وما هي الأوامر إذاً؟
- أوامر أخي بهجت هي التّبادل، ولكن أنت لا حاجة لنا بك.
- أتمزح؟ لا وقت لهذا الآن.
- لا أمزح بل أخيّرك بين أن تذهب مع الطّفل، أو أن تذهب مع الدّب.
فرفع عليّ رائد الصّغير عن الأرض، وقبّله على جبينه، ثمّ مدّ يديه وقال:
- ها هو ذا، ولكنّ سلّم الدّب.
قال رائد الصّغير وهو يبكي:
- أبي لما تتركني؟
فردّ عليّ والدّمعة تزحف على خدّه:
- اذهب معهم قليلاً وسوف تعود إليّ.
- وإلى أين يأخذونني؟
- ألا تثق بي؟ اذهب وسوف تستمع بوقتك معهم.
- حسناً، ولكن لا تطيل غيابك، لأنّني سأشتاق إليك.
شدّ عليّ على أسنانه في نفس اللّحظة الّتي رأى فيها مرتضى يمسك بيد ابنه ويجرّه وراءه، ثمّ ذهب الجميع، تاركين الدّب خلفهم. نظر عليّ إلى الدّب وقال:
- نعم، لقد فعلت ما هو صحيح.
أمسك عليّ بطرف الحبل ومشى ببطء شديد، بسبب حالة الدّب التّعيسة وهو ينظر إليه ودموعه تزحف على وجنتيه عاكسةً ضوء القمر.
كانت السّاعة تقارب الخامسة فجراً، عندما وصل عليّ إلى داره، وهناك ساعده ضوء القمر المتلاشي وصفوة الطّقس على رؤية وجه رائد العابس، نظر إليه رائد وقال:
- أنت لم تعد تلميذي بعد الآن، فأنا قد تبرّأت منك.
نظر عليّ إلى رائد باستخفاف وقال:
- لا أسمح لك بالوقوف هنا، إنّه فناء داري.
- أنا رائد أيّها الغبيّ.
- أنت الغبيّ، أولا تفهم ما أقول، هيا اذهب من هنا.
نظر رائد إلى عليّ نظرة حيرة ثم أدار ظهره، ومشى مسرعاً.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Aventuraعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام