الفصل السّادس عشر

264 12 2
                                    

    كان وجه أحمد قد تحوّل إلى لونٍ أصفر فاتحٍ كلون الميّت وهو يرتجف ارتجافةً ظهرت أثارها على البندقيّة، وكان أوّل من أطلق رصاصة عشوائيّة أصابت رأس أحد الأحصنة، فتدحرج على الأرض وتدحرج الفارس معه والدّماء تسيل من معظم أعضاء جسمه، ولحق به حوالي الخمسة فرسان نتيجة تعثّرهم بالحصان الأول، والغريب أنّ بقيّة الفرسان لم يأبهوا بشيء، بل أكملوا التّقدّم، فبدأ رائد برمايته الماهرة المعهودة.

    في تلك الأثناء كان الدّب الأمزونيّ الأسود نائم ولم يستيقظ إلاّ بعد أن مرّت من جانب اذنه رصاصة طائشة، فنظر إلى الفرسان من حوله، وأصدر صوت غطّى صوت الرّصاص المسموع في جميع أنحاء الغابة، وتقدّم نحو الجماعة راكضاً بأقصى سرعة. لم يلحظه أحد إلاّ بعد أن أصبح على بعد متر منهم، عندها نظر إليه الجميع، محاولين تصويب البنادق نحوه، لكنّه لم يسمح لأحد أن ينظر إليه، فبدأ جميع الفرسان يحاولون الهروب منه، ورصاصات أحمد وعليّ ورائد تتساقط عليهم وتصيب في بعض الأحيان أهدافاً قاتلة.

    توقف عليّ عن الرّماية، عندما رأى الدّب يضرب الأحصنة بأرجله الأماميّة، ويعضّها بشكل سريع حتّى تقع على الأرض بلا روح، ثمّ يكمل على مُمْتَطِيْهَا بشكلٍ عنيفاً لا يُحَبَّذُ وصفه. كان عليٌّ ينظر برضى إلى الدّب وهو يقتل الأحصنة والفرسان بشكل جنونيّ، حتّى أوقفه أحدهم حينما استغلّ عدم رؤية الدّب له، فتراجع إلى خلفه، وأطلق عليه رصاصة سكنت في قدمه المصابة مسبقاً، فوقع على الأرض، وتجمّع حوله الفرسان يحاولون رفعه عن الأرض وأخذه إلى رئيسهم، لكنّه كان يوقع كل من يحاول لمسه أرضاً بركلة عنيفة من قدمه، أو يبعدهم عنه بعضّهم في أيديهم، وقطعها إذا تطلّب الأمر. لم يستطيع عليّ تحمّل ذلك المشهد، فخرج من خلف الدّشمة، وركض نحو الدّب، الّذي أُنْهِكَتْ قواه، وغاب عن الوعي بعد النّزيف الّذي سيطر عليه. حاول عليّ أن يقترب منهم دون أن يروه، لكنّهم ما إن شعروا به، حتّى بدأوا بإطلاق النّار عليه وهو يركض بسرعة هائلة، لكنّ شدّه التّوتر الّذي كان يسيطر على الجماعة بسبب الدّب، أنقذت عليّاً من كلّ تلك الطّلقات المميتة. عاد إلى دشمته، وأكمل إطلاق النّار من هناك مع أحمد ورائد، وكان الرّصاص ينهمر على الجماعة بشكل كثيف. قليلون هم الّذين ردّوا على نيران أحمد وعليّ ورائد، إذ أنّ الأغلب كانوا منشغلين بسحب الجثث والجرحى، وانشغل آخرون بسحب الدّب. لم يتوقّف عليّ عن إطلاق النّار، إلاّ بعدما سمع صوت تبخّر دمعته على سبطانة البندقيّة. 

فنّ الانتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن