وبعد جهدٍ جهيد، رمياه في مياه النّهر الصّغير أمام منزل عليّ، فأخذه النّهر ورماه خلف الضّباب. وحين عادا إلى عند الدّب رأياه قد استلقى على بطنه بعد أن كان مُلقاً على جنبه، فاقترب عليّ منه، والغريب أنّ الدّب لم يحاول إبعاد عليّ عنه، حتّى أنّ عليّاً وضع يده على ظهره وراح يحرّكها بحنانٍ على فروه النّاعم. كان أحمد في تلك اللّحظات ينظر كالمجنون إلى ما يحدث أمام ناظريه. تمادى عليّ في مداعبته للدّب، فحينما كان واضعاً يده على رقبته يحرّكها بحنان، أصدر الدبّ صوتاً مخيفاً والتفت نحو يده وحاول قدمها، فسحب عليّ يده بسرعةٍ وهو يلهث. فقال أحمد بعد أن ابتعد عن الدّب:
- أرأيت؟ من المستحيل ترويض مثل هذا الحيوان.
- أنا ذاهبٌ إلى النّهر لأصطاد له بعض الأسماك، قال رائدٌ لي أنّ أفضل الأطعمة وأنفعها لهذا النّوع من الدّببة هي الأسماك.
ذهب عليّ إلى النّهر، وبقي أحمد إلى جانب الدّب مترقّباً أيّ حركة منه للانقضاض ليطلق النّار.
جلس عليّ على صخرةٍ ملساء أمام مياه النّهر المتدفّقة ببطء، وهو ينظر إلى انعكاس الأشجار على وجه الماء منتظراً إشارة من سنّارته لكي يسحبها. في نفس الوقت، كان يفكّر كيف سيعتني بذلك الدّب ويقوّي علاقته معه، كأنّه أصبح فرداً من أفراد العائلة يستبدل بحضوره حنان الأب المُتوفَّى.
عندما عاد إلى أحمد مع بعض الأسماك الطّازجة -وبعضها لا يزال حيّاً -كان أحمد يتأمّل ذلك الدّب، وهو مستلقٍ على بطنه يشمّ الأرض تحته، فقال له عليّ:
- ماذا دهاك؟ لماذا تحدّق به هكذا؟
- أظنّ أنّ ما قلته عن إمكانيّة ترويض هذا الكائن أمرٌ معقول.
خاطر عليّ مرّة أخرى، فأخذ يضع الأسماك قرب فم الدّب، فيلتهمها بشهيّة. فقال أحمد بانفعال:
- لماذا تعود إلى هذه المخاطرة؟ أتستغني عن يدك لتطعم هذا الدّب؟
- إنّ ما حدث قبل ذهابي إلى النّهر كان مجرّد حادثة عابرة لم تغيّر نظرتي إلى هذا الدّب.
- على كلّ حال، عَلَيَّ أن أغادر فقد غابت الشّمس.
كانت السّاعة قد أصبحت السّابعة ليلاً وعليّ ما زال بجانب الدّب، واكتشف بجلوسه الطّويل بأنّ الإصابة كانت طفيفة، وربّما يستعيد القدرة على المشي بعد عدّة أيّام. خرجت أمّه من المنزل لتراه ينظر إلى الدّب والأخيرُ نائمٌ فقالت:
- يا بنيّ، لقد مرّت حوالي العشرون ساعة وأنت جالسٌ بقرب هذا الدّب تعتني به، أنسيت ابنك؟ ابنك رائد؟
- لم أنساه، ولكن عَلَيَّ أن أساوي بين ابناي.
- ماذا تقول؟ متى أصبح هذا الدّب ابنك؟ لم يمرّ يوم على رؤيتك له.
- أنا أشعر بذلك، أشعر بأنّ هذا الدّب هو... ابني الثّاني.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Phiêu lưuعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام