الفصل السّابع عشر

264 9 0
                                    

    غابت الجماعة عن النّظر، فحوّل أحمد نظره إلى عليّ، ليراه قد جثا على ركبتيه ووضع السّلاح أرضاً ممسكاً به بكلتا يديه يشدّ عليه، ودموعه تنهمر على الأرض، فاقترب منه وربّت على كتفه بحنان وقال:

-         قمّ يا عليّ، لا أعرفك ممّن يستسلم بسهولة.

لم يجيب عليّ، فاقترب رائد وامسكه من ابطه ورفعه، فأصبح واقفاً، ثمّ قال له:

-         لا، هذا ليس أنت، أنت لست عليّ.

فرّد بتقطّع:

-         صحيح ... أنا لست عليّاً ... أنا لا شيء بدون دبّي.

    لم يرق لعليّ النّوم ليلة الشُّؤم، فلقد كان يفكّر بكيفيّة تخليص الدّب من يد الأعداء. لم ينتظر حتّى الصّباح، بل نهض عند الفجر، وذهب إلى منزل رائد، وطرق الباب، فتفاجأ بشخصٍ غريبٍ قد فتح له الباب، كان هذا الشّخص مجيد، ولكنّ ملامحه قد تغيّرت بشكلٍ كبيرٍ من حين رآه آخر مرّة: كانت عيناه حمراوان، وشفتاه مصفرّتان، وشعره الكثيف يصل إلى رقبته، ولكن لحيته كانت كالعادة لا تنمو أبداً. قال له عليّ:

-         أريد رائد.

-         كيف حالك يا عليّ؟

   فميّز عليّ الصّوت، وربطه بالشّكل، وذهبت ذاكرته إلى مخيّم الصيّد، فهز عليّ برأسه وقال:

-         آه ... مجيد، لم أعرفك، كيف حالك؟

-         أريد المزيد من الحيوانات.

فنظر إليه عليّ باستغراب وقال له:

-         هل يمكن أن تنادي والدك؟

فناداه، ودخل عليّ المنزل. جلس ينتظر رائد في غرفة ضيّقة تكاد لا تتّسع لشخصين، مليئة بالغبار الكثيف، والحشرات على شتّى أنواعها تعبث فيها. دخل رائدٌ الغرفة وقال:

-         أهلاً بعليّ، ما الّذي أتى بك إلى هنا في هذا الوقت المبكر؟

فردّ عليّ:

-         أريد من أحد أصدقائك أن يوصل لأهل عامر رسالة منّي.

-         حسناً، اذهب الآن، وانتظره في دارك وهو سيأتي إليك، ولكن ما هي الرّسالة الّتي سوف ترسلها؟

-         أريد أن أقول لهم فيها أنّي جاهز لأعطيهم أي شيء مقابل الدّب.

-         لماذا لا تفكّر بالهجوم واسترجاعه بالقوّة؟

-         بلى فكّرت، ووجدت أنّ الفكرة انتحار، فالهجوم إلى هناك سيدفعنا إلى الاشتباك مع عدد كبير من المسلّحين، ونحن لا نتجاوز العشرة، هذا إذا أردت أن تستدعي أصحابك، وأيضاً إذا قبلوا.

-         أحسنت، فكرتك أفضل، لأنّ من المستحيل الهجوم على مكان سكن تلك الجماعة الّتي لا يطيقها أحد.

فنّ الانتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن