كانت نبضات قلبه تتسارع لحظةً بعد لحظة، ضغط على الزناد بقوّة، فانطلقت الرّصاصة، مسافرةً في الهواء مسافاتٍ بعيدة في لحظاتٍ قليلة، ولكن لسوء الحظّ، سكنت الرّصاصة في فخذه الأيسر الأماميّ، فنهض الحمار، رافعاً قدمه، محاولاً القفز، فناوله أحمد رصاصة أخرى أصابت عاموده الفقريّ، فسقط على الأرض، ومازال يحرّك أقدامه وجعاً حتّى وصل عليّ وأحمد إليه وذبحاه.
قال عليّ بغبطة:
- أحسنت يا أحمد، كانت طلقة موفّقة، لولاك لبقينا بلا طعام ليومين كاملين.
- الفضل يعود إليك فأنت من أصبت قدمه وجعلته عاجزاً عن الرّكض.
فصلا الرّأس عن الجسد، ورميا به في أعماق النّهر المتدفّق. أمسك عليّ قدميه من الأمام وأحمد من الخلف، وراحا يمشيان في الظّلام، عالمين بوجهتهما. كانت السّاعة تقارب الخامسة عندما كانا على مشارف مخيّم التّدريب. كان رائد يقف هناك يعبث بشاربيه، وعندما أصبحت السّاعة الخامسة إلّا خمس دقائق راح ينظر حوله، فقابلت عيونه شابّان منهمكان، يمشيان بخطاً بطيئة، حتّى إذا أصبحا أمامه، وضعا ما بين أيديهما على الأرض، وألقيا بنفسيهما عليه فرحين بإنجاز المهمّة.
صاح رائد:
- قف أنت وهو على أقدامكما، أنجزتم المهمّة على أكمل وجه والمكافأة هي عدم المعاقبة. اذهبا مع هذا الشيء إلى خيمتكما ريثما يأتي الباقون.
ذهب أحمد وعليّ إلى الخيمة وهما يجرّان وراءهما الحمار من شدّة التّعب، وصلا إلى الخيمة، وضعاه أمام مدخلها، وجلسا قربه يسلخان عنه جلده.
عندما دقّت السّاعة الخامسة، كان الجميع، وبينهم عليّ وأحمد، قد تجمّعوا حول المدرّب وكان معظمهم ينظرون إلى المدرّب نظرة خوفٍ وخيبةٍ. وقف المدرّب واضعاً يداه على خاصرته مقضّباً حاجبيه، وقال بصوتٍ مرعب:
- لماذا تقفون أمامي هكذا أيّها الأغبياء؟ يا لكم من أولادٍ عديمي الجدوى، فليذهب كلّ شريكين إلى خيمة وليتحمّلا مسؤوليّة عملهما.
معظمهم لم يكن يحمل شيئاً معه، ومنهم من كان يحمل بعض الطّيور الصّغيرة الّتي لا تكفي لإطعام طفل. وما يثير الدّهشة هو أنّ مجيد نجح في اصطياد غزالٍ ضخم، وكان يتوعّد بنظراته ألا يطعم أحداً منه، حتّى لو اضّطر أن يطعمه للوحوش. أمّا عليّ وأحمد فقد ذهبا إلى مجيد وهنّآه، ومن ثمّ عادا إلى الخيمة لإكمال عملهما في تحضير الحمار للشّوي.
أصبحت السّاعة السّادسة، وظهرت الشّمس بنورٍ برّاقٍ وأشعّةٍ دافئةٍ لطالما انتظرها المخيّمون الّليلة الماضية. كان عليّ يقطّع فخذ الحمار، وأحمد ينظّف الجسد من الأوساخ والأعضاء غير المأكولة. عندما أنهى عليّ عمله أشعل ناراً أمام الخيمة ووضع فوقها قُطَعاً من اللّحم المنظّف، وهو ينظر إلى زملائه كيف يتشاجرون ليحصل أحدهم على حصّة أكبر من الطّعام، والبعض الآخر جالس أمام خيمته ينظر إلى الأرض.
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
Aventuraعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام