التفت بهجت إلى رائد وقال:
- ها أنت قد أصبحت بين يديّ.
- لقد أتيت بإرادتي.
- أولم تأسروه؟
ردّ عليه الرّجال:
- كلّا، بل قد دخل المنطقة، وسأل عنك، فقيَدناه وأتينا به إليك.
- حسناً اذهبوا الآن، وفكّوا قيوده.
قال رائد:
- أنا هنا للتّحالف.
- وعلى من؟
- على عليّ.
- حسناً، حسناً، محاولة جيّدة.
- لا أخدعك، فلقد تحوّل علي إلى شخصٍ آخرٍ.
- ماذا تقصد؟
- لقد تحول إلى شخص ذي قلبٍ قاسٍ من حين سلّم ابنه رائد لكم.
- تقصد أنّ شخصيته ونفسيّته تغيّرتا؟
- تماماً، لم يمانع أن يبتر الدّب يد ابني مجيد، وأصبح دبّه كآكل لحوم البشر.
- أظنّ أنّ عليّ يحضّر لهجوم عنيف.
- وأنا أيضا، ولذلك أتيت للتحالف، إذ أنّي لم أحاول قتل دبّه علماً أنّي أريد ذلك، فاحتمال وجود من يحميه ويساعده واردٌ وبشدّة.
- وماذا حصل له أيضا؟
- لقد توفيت والدته بذبحة قلبيّة.
- ذبحة قلبيّة... نعم، تقصد سمّ في كوب القهوة الصّباحي.
- أنت من فعلتها؟!
- بل أتباعي.
- يا لك من...
- ماذا قلت؟
- لا شيء، هل تقبل هذا التحّالف؟
- أريد معلومات أكثر عن عليّ لكي أقبل.
- لقد أصبح دبّه ذو همّة ضعيفة، بالكاد يقوم من مكانه، وقد أصبح عليّ شخصاً آخر من حيث المظهر، بحيث أنّك لّن تتعرف عليه حين تراه، فلقد أهمل نفسه بسبب الأزمة النّفسيّة الّتي يمرّ بها.
- هذا فنّ الانتقام.
- ماذا؟
- لا يهم، هل يوجد أي شيء تحبّ أن تضيفه قبل التّحالف الرّسمي؟
- لا.
وبإشارة من يد بهجت، كان المدرّب رائد ملقاً على الأرض، والرصاصة ساكنة في وسط رأسه.
لم يدري أحد بقتل رائد، حتى ابنه مجيد، ولكن حين تأخّر والده، ذهب إلى أحمد وسأله عنه:
- أين والدي يا أحمد؟
- وما أدراني؟
- لقد غاب كثيرا، مضى أكثر من يومين على غيابه.
- هيّا لنسأل عليّاً.
- لا، لا، إلّا عليّ، لنبحث عنه بأنفسنا.
- انتظرني هنا قليلا.
ذهب أحمد إلى عليّ وقال له:
- لقد فقدنا المدرّب رائد، هل رأيته؟
- ....
- لما لا تجيبني؟
- هذا جزاء الخائن.
- من هو الخائن، ما الّذي حصل؟
- ....
- حسنا، لا تجيب، أنا أعرف كيف أتصرف.
امتطى أحمد فرسه، وراح هو ومجيد إلى منطقة عائلة بهجت. لكنّهم لم يكونوا كرائد، فأحمد لا يعرف المنطقة تلك بحذافيرها، خاصّة المنطقة المحظورة، فما إن دخلها، حتّى سقط عن فرسه والدّماء تنزف من رأسه جرّاء طلقة ناريّة أتت من مكان مجهول، ولحق به مجيد،إذ فقد توازنه، ووقع عن الفرس، حيث أتى وجهه مباشرة على صخرةٍ، أنهيت حياته.
مرّت الأيّام ولا يوجد أحد بجانب عليّ سوى دبّه، لا أمه، لا أبوه، لا رائد، لا أحمد، لا مجيد، لا أحد، ولا حتّى ابنه. ولكنّه ببرودته المعهودة بقي على حاله.
لقد نسيَ رائدُ والده، حيث أصبح والده بهجت، وعائلته هي عائلة بهجت، وكان من أوّل من حضر تجمّع الإغارة على بيت عليّ، حيث أنّه نسيَ أنّ عليّاً يكون والده، وأنّ المنزل المُغار عليه هو منزله. كان كلّ ظنّ بهجت أنّ عليّاً محضَّر للدفاع عن نفسه والمواجهة، وأنّه في الانتظار، فحضّر جماعات مسلّحة ومدرّعة ومجهزة، وانطلقوا إلى هناك، يلحقون ببهجت ورائد.
لاح لهم من بعيد عليّ، وكتلة سوداء قربه، قال بهجت لرائد وهو يشعر بنشوة الانتقام:
- أطلق النّار على ذلك الشّخص هناك ليبدأ الهجوم بعدها.
- ومن يكون؟
- لا يهم، فقط نفّذ الأمر.
أطلق رائد النار، وحاول الهواء جاهداً أن يغيّر مسارها، ودعت الملائكة ربّها ألّا تصل إلى هدفها، وحاولت الأشجار أن تقف في طريقها، وتمنّت الطيور لو أنّها تسكن فيها، لكنها وصلت، وأردته أرضا دون حراك.
تقدم الجميع إلى قرب الجثّة، وكان الدّب قد فرّ هارباً، تاركاً وراءه من فداه بكلّ ما يملك... وبنفسه. نزل رائدٌ عن جواده، وضع رأس عليّ في حجره واختلطت دموعه بدماء رأسه ونطق كلماته الأخيرة: "بلى، هذا والدي"، ثمّ أُلْقِيَ على الأرض، واختلطت دمائه بدماء والده.
_______________________ تمّت بعون الله _____________________
أنت تقرأ
فنّ الانتقام
مغامرةعليّ شابٌّ عاديّ من هواة الصّيد. كان يعيش حياةً طبيعيّة وآمنة, قبل أن تنقلب حياته رأساً على عقب. فهو لم يعد إلّا وسيلة لإشباع حبّ الانتقام... وليس أيّ انتقام