وضعت إناء على حطبها المشتعل وبدأت تقلب محتوياته بملعقة تهتز بين يدها المرتعشة لكبر سنها ، ثم ذهبت بخطى بطيئة ولكنها قوية بشكل ما إلى طارق الباب ، لترى من تقدم لمنزلها النائي بعد كل تلك السنين ...
شاب في أوائل الثلاثينات ، ولو كان لك خبرتها في البشر لاكتشفت انه فضولي كما عرفت هي تماماً ، تنحنح قائلا بابتسامة حاول ان تكون لطيفة : good evening
هزت رأسها قائلة : ان كنت تجيد العربية ، فتحدث بها !
تنحنح مجددا قائلا : عذرًا ، مرحبا
اجابت بعدم اكتراث : ماذا اتى بك الى هنا ؟!
ابتسم بحرج قائلا : ضللت طريقي إلى مخيمنا ، ثم وجدت نفسي بالقرب من هنا
وأشار إلى مدخنة منزلها القديم قائلا : رأيت الدخان فجئت إلى هنا آملاً المساعدة ...
زمت شفتيها وصمتت لوهلة ثم قالت وهي تفسح له الطريق ليعبر للداخل : تفضل للداخل ، ولكن انا اعلم أنك كاذب يا فتى..
التفت اليها وقد خطى عدة خطوات للداخل ، وعلى سماته الدهشة وبعض الحيرة وإن اخفى كلاهما بتعبير ساذج لم يتقنه
قاطعته قبل ان يتحدث وهي تخطو لحطبها المشتعل : توقف عن الكذب هذا لن يفيدك ، و أزل هذا التعبير الزائف عن وجهك ، اعرف أنك أتيت إلى هنا بإرادتك الكاملة ، اخبرني ماذا تريد مباشرة
وضع حقائب التخييم أرضاً وقال بدهشة وإعجاب : مهاراتك في قراءة البشر رائعة أزهلتني حقيقةً ، اكتشفتني من اول وهلة !!! بالرغم من أنني اجيد حبس انفعلاتي جيداً ، بشهادة الجميع
ضحكت ساخرة وتركت ملعقتها التي تقلب بها مزيج الطعام قائلة : واضح أن جميعهم لا يفقهون شيئاً ، فأنا لم أبذل مجهودا في كشف حقيقتك ، اخبرني الآن ما الموج الذي ألقاك على شاطئي يا هذا ؟!
تنهد مبتسماً : حسناً يا جدة ولكن اعلمي انني سأعود وأسالك كيف علمتى بكذبتي
نظرت له بوجه صارم فقال : حسناً ، أنا آدم ، أميركي من أصل عربي ، صـ...
قاطعته ساخرة : يمكنك التخلي عن المقدمة والخاتمة يا هذا ، فأنت لست في امتحان لغة ...
اكمل غير مكترث فالتفتت هي بغير إهتمام إلى إناء الطعام : كما كنت اقول ، انا صحفي في مجلة incredible ومستكشف شاب ، أتيت إلى هنا ..
زفرت براحة وهي تملأ أحد الاطباق بالطعام الذي نضج تواً : وأخيراً انتهت المقدمة .
اكمل قائلا : أتيت كي أعرف سر تلك الغابة
وأشار إلى تلك الأشجار الكثيفة من خلال النافذة ، فاستدارت حاملة طبقين من الطعام ، ولم تنظر للنافذة حتى ، وضعت الطعام على منضدة قديمة ولكنها جيدة ، ثم جلست على كرسي ما قائلة : تفضل الطعام
جلس وتناول ملعقة من حسائها ، فقالت : وما خطتك ايها الضال عن مخيمك ، لتجعلني اخبرك بما حدث ؟!
تنحنح بحرج : حسنا حالياً لا خطة لي ، فقد حطمتِ آمالي
تناولت من الطعام بدورها قائلة : وماذا كانت ؟
قال بحرج : حسناً ، كنت معتمداً على ..... احم ، ثرثرة العجائز وحكايات المخيم
نظرت له : إذا اعتمدت على خرف عجوز وحيدة ، ستخبرك بكل شيء لأنك أول بشري تراه منذ أكثر من عشر سنوات ....
صمت بحرج ، وهو يشعر بالسوء من وصفها ، فقالت ساخرة : يبدو يا صغير أنك خَرِفْ أكثر مني ، فعجوز عاشت ما عشتُه لن تروي لك كل شيء بسهولة ، لما تظنني عشت هنا ؟!
ابعد عينيه بحرج فبالطبع لن يخبرها أنه يظن انها ....
: لعنة ؟
حطمت أفكاره واخرجت ما فيها ويبدو أنها ستكون عادتها في الفترة القادمة ..
أكملت وهي تتناول ملعقة أخرى من الطعام : تظن لعنة منعتني من الخروج من هنا ؟! ، أنت مخطئ ... لم تلقِ علىَّ الغابة لعنة لأبقى هنا يا صغير بل أنا من سيلقي اللعنة ....
نظر لها حائرا لم يفهم شيئا ، فقالت : انهِ طعامك هيا ..
أنهى الطعام وقام حاملاً طبقه وهو يقول : أين الحوض
قامت بهدوء وأخذته قائلة : الضيف في ديني لا يقوم بأعمال المنزل ، هاته ..
غسلت الطبقين بينما هو يقف بالقرب ، انهت وكانت تخرج من المطبخ حين تبعها حاملاً هاتفه اللوحي : اخبريني إذا ماذا حدث في تلك الغابة الملعونة
: تعرف يا هذا ، لو سمعتك تقول هذه الجملة من عشر سنوات مضت ...
التفتت إليه مكملة : لكنت ربطتك في تلك الغابة "الملعونة" ثم قطعتك ورميتك من على الجبل المجاور
بُهت للحظة ، فأكملت هي بهدوء : ولكن الأمر اختلف الآن
وقبل ان يفتح فمه اخبرته ببرود : الليل سيحل بعد ساعتين ، يمكنك البقاء هنا لثلاث أيام ضيافة ، وبعد ذلك سترحل ويمكنك الرحيل قبلها بالطبع ..
وقف زاهلاً ، بينما قالت : في الطابق العلوي غرفة على اليمين ، يمكنك المبيت بها
خطت مبتعدة فلحق بها يقول بدهشة : لحظة ماذا !! ، ألن تخبريني اي شيء !!
: ليس لدي اي قصص عن غابات ملعونة للأسف ، غايتك ليست لدي ..
: انا قطعت آلاف الأميال لأصل اليكِ ، كدت اضل الطريق مئات المرات ، عضتني ألف حشرة حتى وصلت ، ودفعت آلاف الدولارات والان تخبريني أن ليس لديك شيء !!
: عذراً لو سألتني قبل أن تترك منزلك الدافئ و فراشك الوثير واموالك العزيزة ، لاخبرتك أنك لست بحاجة لتفرط فيها وتأتي إليَّ
: رجاءً لا يمكنك فعل هذا !
: بل يمكنني ، أبحث عن غيري ليروي لك ما حدث
: ولكن أحداً لا يقول الحقيقة ، حكاياتهم مختلفة ، هذا يخبرك ان الغابة ملعونة والاخر يقول إنها محرمة وما حدث كان بسبب تعديهم على حرمتها ، وهذا يقول شيء ينفيه ذاك
: آسفة ، لن أقول أي شيء
: لكن لماذا ، انها مجرد بضع أشجار ملعونة !!
التفتت إليه غاضبة ولأول مرة منذ أتى تحدثت بغضب شديد وكأن النيران تشتعل بعينيها : ءأريك تلك اللعنة ؟ ، استطيع أن اذهب بك إلى نفس المكان الذي قضوا فيه نحبهم جميعاً ، أنت الملعون يا هذا
صمت وقد خاف لوهلة ، وبم أنه تيقن ان هذا لن يجدي ، فقرر محاولة استدراجها في الحديث ، على أي حال لديه ثلاث ايام ..
رحلت من أمامه ، فأخذ حقيبته وصعد إلى تلك الغرفة المذكورة ، وضع حقيبته وتفحص الغرفة سريعا ، كانت جيدة ، ليست عصرية ولكنها جيدة ..
لم يكترث لها كثيراً فقد بدل ملابسه بأخرى نظيفة وهبط سريعاً ، فليس لديه وقت طويل كي يعرف تلك القصة ..
نزل على ذاك الدرج الخشبي ، يسمع أزيزه في كل خطوه ، شيء ممل بالفعل ولكن القصة بالتأكيد ليست كذلك ..
بحث عنها في المنزل كاملاً لم يجدها فخرج ينظر بالخارج ليجدها تخرج من غرفة تشبه المخزن بجانب المنزل ، دخلت فلحق بها قائلاً بتنحنح : اعتذر عن اسلوبي
وبهدؤها أجابت : أحسن ابويك تربيتك يا فتى ، ولكن هذا لن يغير شيء
زفر بداخله ، ثم قال : حسناً ، ماذا تفعلين للتسلية ..
نظرت له ببرود قائلة : ألم اخبرك أنني لست العجوز الثرثارة التي تظن ، توقف عن هذا
: حسنا لم أعنِ هذا ، أريد فقط تسلية نفسي ...
: حسناً ، لديك بعض الكتب هناك يمكنك القراءة لو أحببت
فرك رأسه وهو ينظر لتلك المكتبة الصغيرة قائلا : القراءة احيانا .... مملة بعض الشيء
خطت على الدرج صاعدة وهي تقول : انت مخطئ ، ولكن يمكنك امتاع نفسك بأي شيء تفعله عادة
تحجج قائلا : بطارية هاتفي فارغة ولا أظن أن هذا المنزل مزود بالكهرباء ..
عرجت لغرفة جوار غرفته قائلة : غرفتك بها كهرباء
: كيف !!
: خلايا شمسية ، ماذا تريد بعد ؟!
فرك رأسه بحيرة ، ثم قال : حسناً ، إلى أن تمتلئ البطارية هل نتحدث قليلا !
وضعت بعض القهوة على حطبها وجلست قائلة : أنا أصغي ..
: منذ متى وانت تعيشين هنا ؟
: قلتَ أنك تريد الحديث لا السؤال
جلس قائلا بابتسامة : الأسئلة من الحديث يا جدة
نظرت للحطب تقلبه بعصا حديدية ، ولم تتحدث
فقال : حسناً ابدأي انتِ ...
لم تتحدث فقال : انا أسمع ...
زفرت قائلة : انا هنا يا صغير بسبب هذا تماماً ، لأني لا اريد من يسمع ولا من يتحدث ، لا أريد اي إنسان هنا ، لو تركتك فهذا لأن ديني يأمرني بهذا ، أما غير ذلك فما كنت فتحت لك الباب من البداية ، نصيحة مني توقف ..
: ها اصبح لديك قصتين لي
نظرت له فقال : قصة الغابة ، وقصتك ، سأستمع لكليهما
: لو تعلم ما تفعله بنفسك ، لما اتيتَ إلى هنا ، صدقني
: لطالما اخبروني اني متهور
: وهذه المرة انا اتوافق معهم
: حسناً وفي هذه تحديداً أنا لم اكترث لهم ..
أعطته كوب قهوة قائلة : ماذا ألقى بك إلى هنا ، ولم اخترت هذا المكان ، لست مستكشف لو كنت كذلك لما فقدت صبرك في أول حوار بيننا
: بالفعل لديك مهارات يا جدة ...
: اجبني ..
ارتشف القليل قائلا : اردت دوماً أن أكون محققاً ، ولكنني فشلت في هذا ، وها أنا احاول اكتشاف حقيقةً أخرى
: اي انك بدأت بتلك المهنة كي تكشف حقيقة الاشياء بدلاً من الاشخاص والحوادث
هز رأسه موافقاً : تماماً
: تعرف ان نظرتك طفولية ؟
: قالو هذا أيضا
: ربما يجدر بك أن تتوقف عن حفظ ما يقولون !
: وكيف لي هذا وهم جميعا متشابهون ، الكل يقول نفس الشيء نفس الجمل نفس الآراء ، أنا يمكنني أن اتوقف عن الاستماع لهم أو تصديقهم ولكن يصعب ألا احفظ كلامهم
: صدقت ...
عم الصمت حتى قال : يبدو أن نقاشنا الصغير تحول لجلسة فلسفية بعض الشيء
ابتسمت فاستأذن قائلا : لقد غربت الشمس ، سأصعد لأنام
: صلِّ أولاً ، هنا لا تسمع الأذان ولكنك ملزم بالصلاة
تنحنح قائلا : حسناً
: لديك سجادة صلاة في غرفتك و القبلة بهذا الإتجاه
: حسناً ..
صعد بينما عادت هي تقلب الحطب مجددا وهي تهمس بشرود : تائه يا صغير ....___________
السلام عليكم .
بصوا في آخر الصفحة كده ، ايوة تحت هنا ............ 👇
في نجمة مفرغة كده ، اضطغوا عليها رجاءً يعني
وبعدين في شكل جنبها كده ، اضغطوا عليه واكتبوا رأيكم في الفصل ، بس كده شكراً
ودمتم في طاعة
#دليل استخدام للمبتدئين
سلام تاني
أنت تقرأ
الغابة الملعونة_آلاء شعبان
Mystery / Thrillerهمست يوماً في أذنه : هل سمعت يوماً عن وحش القلعة ؟ وقبل ان يفتح فمه ليتحدث قالت : لا يا صغير ليس ذاك الأمير المتحول ، بل الوحش الآخر ... ألا تعرفه ؟ ، حسنا دعني اخبرك .. ما بين الرواي وروايته ... رواية غموض وليس رعب الرواية الرابعة بقلمي : آلاء شعب...