24-بريق في عينيها ..

85 9 6
                                    

رحل الرجلين في اليوم التالي بدأ العمال في القدوم لتفحص الموقع ..
وبعد عدة أيام انتهوا من التصميم وبدأ البناء الفعلي ...
.
.


أما الجدة ، فلم تستطع النوم ذاك اليوم أبدا تنتظر بشوق حلول الفجر لترحل أخيرا إلى ذاك البناء الضخم ، البناء الذي بنته الملائكة قبل خلق البشرية ... وجوارها رهمة لم تنم هي أيضاً من فرط حماستها ، لم تستطع إحداهما صبرا حين اقترب الفجر ، فقامت كلتاهما إلى غرفة آدم ، طرقت رهمة الباب ولم يجيب ، فطرقته العجوز واستمرتا بالطرق حتى فتح لهما بأعين ناعسة قائلاً : كنت أعرف أن هذا سيحدث لي ، لن استطيع النوم أبدا !
ضحكتا بسعادة بينما دفعته رهمة برفق قائلة وهي تمر للداخل : هيا أسرع نريد وضع الاشياء في السيارة ثم نصلي ونرحل سريعاً ، لا نريد أن تفوتنا الطائرة !
: لن تفوتنا ، لا زال هناك ساعتين على موعد وصولنا للمطار فقط !
تقدمت العجوز قائلة هي الأخرى : هيا يا فتى كفاك كسلاً
: عليك بالصبر جدتي
: حسناً ، هيا لنصلي لنرحل هيا !
فرك وجهه بنعاس قائلاً : لازال هناك ربع ساعة ، توضئا إذا
: لقد انتهينا فعلا ، توضأ انت والحق بنا ، سنضع الأغراض في السيارة ريثما تنتهي
: لا بأس اتركوها سأضعها بعد الصلاة.
خرجت رهمة تحمل حقيبة سفر صغيرة قائلة : سنخرج ما نستطيع ، توضأ أنت فحسب ، هيا اسرع !
: حسناً مابالكم !!
خرج إلى المرحاض بينما العجوز حاولت حمل إحدى الحقائب ، لتفاجئ به خلفها قائلا : لا تفعلي جدتي، اياكي وحمل أيا منهم !
التفتت لتجده رحل بالفعل ، فابتسمت وهي تأخذ حقيبة الجوازات والأوراق الصغيرة ....
صلوا ركعتي الفجر جماعة ثم انطلق بهما إلى المطار ، وبعد بضعة ساعات كانت تحلق للمرة الثانية في حياتها ...
تأملت الغيوم اسفلها ، فالشتاء يُقبل بطلته المميزة ، غفت لدقائق ، ثم استيقظت على صوت مضيفة الطائرة تخبرهم باقتراب الهبوط ...
: حسناً ، والان ماذا ؟
قالها آدم بحماس في مطار المدينة حيث هبطت الطائرة
فقالت رهمة : أين المعتمرون الآخرون ؟
: انتظري سأتصل بالمرافق ...
.
.
وقفتا أمام ذاك البناء أخيراً ، حيث تمنت كل منهما زيارتها طويلاً ، لم تشعر الجدة ببكاء رهمة ، لأنها غابت تماماً في عظم الوقت بالنسبة لها ، فاخيرا هي هنا بالفعل أمام الكعبة المشرفة في الحرم !!
اقتربت من بين الحشود ببطء وصعوبة إلى حد ما ، حتى وصلت لها أخيرا امامها مباشرة ، وضعت يدها على الحجر الأسود ، ودقات قلبها بلغت الذروة ، جوارها تماماً صوت تنفس لاهث ، وشخص يقف مثلها تماماً واضعاً يده على الحجر وقلبه ينبض بقوة شديدة ، غرقا في هذا الشعور حتى بعدما اجبرتهما الحشود المتكدسة على ابعاد يديهما والابتعاد عدة خطوات عن موضع الحجر ، قال لها بعد فترة : ياله من شعور !
أجابت صوتَ آدم قائلة : لا أصدق أني هنا بالفعل !
ابتسم ببهجة قائلاً : لا أصدق أن هذا حدث معي بالأساس ! ، سبحان الله ، حقاً !! الحمد لله أني هنا ..
أمسكت رهمة بيده فجأة قائلة : آدم ، أين اختفيت ؟
التف إليها قائلا : كنت هناك ! وجدتي أيضاً
نظرت لها قائلة : جيد ، قلقت عليكما ، أنا سعيدة جداً ! هيا بنا  لنطوف ...
.
.
.
لم تبتعد عن الكعبة سوى بضع ساعات كل يوم ، للنوم فقط تقريباً لمدة نصف شهر ، تصلي هناك وتعتمر كل يوم تقريباً ، وقلبها يشتعل فرحاً !
آدم ورهمة ام يختلفا أبدا ، وكأنهم يعيشون في الكعبة ! ، حتى الفجر كانتا تصليانه معه في الكعبة ...
وبداخل كل منهم شعور وكأنه ولد من جديد !.
.
.
.
عاد آدم مع السيدتين بعد خمس عشر يوماً ليجد أن البناء على وشك الانتهاء ، بناء خشبي ضخم ولكنه انيق التصميم ، بعيد بالمسافة التي اتفقوا عليها  ...في اليوم التالي من عودته أتى الرجلان ...
: السلام عليكما
ردا السلام وقال طارق : وعليك السلام ، لقد ... أتينا في رجاء خاص
: تفضلا ...
: انت من كتب تلك المقالة عن حقيقة الغابة صحيح ؟
: نعم !
: إذا المرأة التي روت لك القصة بالفعل كانت من أهل القصر كما قال هشام ... تعيش هنا ... تلك السيدة المسنة صحيح
: فعلاً
تحدث عدنان : حسناً ، نحن بحثنا عن القصر وعن تفاصيل تلك الغابة ، لم نجده ولم نستطع الدخول والخروج بسهولة ... بالتأكيد هي اخبرتك عن الطرق صحيح ؟ ، لم يقبل أحد بالدخول من العمال بعدما فعله كامل في الرحلة السابقة ، حتى أن العمال في الكوخ يبيتون ليلهم في دوريات البعض يحرسهم والبعض ينامون ثم يبدلون وهكذا ..
: حسناً ؟!....
طارق : نريد منك أن ترشدنا إلى طرق الغابة ، مع المرشد في أول رحلة على الأقل ، ما إن يعرف الطرق فقط
حك رأسه بتفكير : أتمنى هذا ، لكن حقيقة لا أعرف سوى طريق القصر فقط ، أنا لم اتعمق بها مطلقاً !
عدنان : فعلاً ؟ ، هذا سيء لم نتوقع هذا ، لقد انتظرنا كل ذلك الوقت معتمدين أنك تعرف الطريق حتى لو قبلت لمرة واحدة يمكننا الاكمال على هذا ، ما العمل الآن ؟ ، الرحلة بعد اسبوع !
اعتدل طارق : اعذرني ولكن هل تلك السيدة تستطيع ارشادنا؟ ، حتى لو لمرة واحدة فحسب ؟
: أنا لا استطيع الجزم بهذا ، أظن أن هذا سيتعبها ، اعتذر منكما ولكن جدتي قد لا تـ...
قاطعته رهمة منادية : آدم .. تعال اريدك لحظة ..
التفت اليهما معتذراً : معذرة منكما ..
: تفضل ..
قام متجها اليها ، فاخبرته : عمتي لن ترفض هذا , تعرف أنها تحب الغابة !
: ولكن هذا سينهكها رهمة !
: منذ تلك الحادثة وفي وقت سفرك هي لم تخرج للغابة كعادتها ، لا تطلب مني اصطحابها ولا تخرج وحيدة كثيراً ، حاولت مساعدتها ولكنها تكره هذا ، أظنها لا تريد أن نظن أنها تثقل علينا ، او ربما ليست معتادة على المساعدة ، اعرض عليها الفكرة هكذا ستسطيع الخروج دون حرج ، ويمكنك أن تطلب منهم سيارة صغيرة تقلها ...
: حسناً ..
توجه لغرفتها وهي وافقت بعد لحظات فقط ، واتفقوا على أن تذهب مع المرشد وآدم لتريهما الغابة ...
.
.
أسبوع آخر فقط وكان السياح هناك بالفعل ، انتهى بناء الكوخ واتخذوه منزلا لهم ...
: عمتي ، متأكدة من أنك تريدين الخروج مع السياح اليوم أيضاً ؟ ، أنت ترهقين نفسك ..
قالتها رهمة بلطف ، فاجابتها بابتسامة : لقد تعافيت يا ابنتي ، كما أنني أريد أن أرى رد فعل هؤلاء حين يرون الغابة ... هذه أول مرة سيحضر فيها أطفال
: نعم ، اخبريني ماذا فعل أولئك المراهقين والشباب في الرحلات الأولى ، من هيئتهم ظننت أنهم أتون لمغامرة مرعبة كأجد أفلام الرعب  ...
ابتسمت ساخرة : بالفعل كانوا هكذا ، مستعدين تماماً لرؤية اجساد تتطاير ودماء تنتشر في كل مكان ... ، اخذتهم للبحيرة أولاً ، ثم مضينا بين الأشجار الطويلة ، بين الضباب ظنوا أن شيئاً سيظهر لهم الآن .... ، وكما فعلت مع زوجتك ، اخذتهم وقت الغروب الى القصر حيث قضيت على افكارهم تلك نهائياً ...
: اعتقد ان هذا كان ممتعاً ..
: ومحبطا أيضاً ، لقد حطمت أحلامهم المرعبة. .. ، على أي حال أريد رؤية رد فعل الصغار ، عيونهم ستحمل الكثير بالتأكيد ..
: أتي معك ؟
: لا مشكلة ، يمكنك المجيء ....
.
.
اقدام صغيرة تركض بالانحاء ، أحدهم يدور حول والديه بفرح ثم يركض إلى القصر المزهر وهو يصرخ بصخب ..
واخرون يحاولون تقليدها في الصغر وتسلق تلك الأشجار هنا وهناك ، البعض جلس على الحشائش يلعب بها ، وهي وقفت تنظر لهم بسعادة ..
خطوات راكضة تتجول حولها ، لم تستطع منع ابتسامتها وهي ترى اقدامهم تطأ حيث ركضت هي والصغيرين قبلاً ...
وهذا طوله متر وبضعة سنتيمترات قليلة ، ينظر لشجرة طولها تعدى العشر أمتار بكثير ، وعيناه تحمل انبهاراً جعلها تبتسم بفرح ... ، أولئك الأطفال حملوا لها بهجة افتقدتها كثيراً ؛ ففي هذا السن .. كانت هي تخشى النوم !..
.
.
: سيد عدنان ، أريد التحدث معك ..
قالتها الجدة بشيء من الحزم ، فنظر لها قائلاً : تفضلي ..
: لا أريد أن يلقي أحد القمامة في الغابة ، هذه ليست منتزة أو حديقة عامة !
: سيدتي ولكنك انت رفضتي وضع صناديق مهملات ، أو طاولات عند القصر !
: لأن هذا كان اتفاقنا ، لن تغير شيء من الغابة ، ستتركها بطبيعتها هكذا ، لن تقطع أشجار لوضع طاولات ولن تضع طاولات حول القصر ، ولا أعتقد أن الأشجار تنمو وفي اعناقها سلال مهملات ! ، ولا الحشائش أيضاً !
: حسناً ! ، يمكننا وضع منشورات في الغابة بعدم رمي القمامة هناك !
: الشيء نفسه هنا ، أنا أريدها طبيعية ، كما هي في الحقيقة ! ، كما كانت لستون عاماً مضت !
: لا أعرف كيف ارضيك يا عمة !
: الأمر سهل ... ، لا تمسوا الغابة أو لعنتها بسوء ... واضح !
: حسناً حسناً .. سأحاول
.
غادرته ليتحدث ذاك الرحل بجواره : ولم قد تهتم ؟ ، الغابة ليست لها على أي حال !
: بل يجب أن أهتم ، الكوخ الذي يمكث به السياح ملكاً لها ، لذاك الشاب في كوخها ... ، أصر على هذا لنوافق على ما تطلبه !
: وماذا ستفعل ؟
: لا املك سوى اطاعتها .... اتمنى أن ننتهي من هذا قريباً ..

الغابة الملعونة_آلاء شعبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن