استيقظت عصراً ، فتحت عيناها ولم تتحرك ناظرة للسقف الخشبي وظلت صامتة ...
وبعقلها تدور حكايات واقوال كثيرة ومشاهد متتابعة تتمسك بعقلها وكأنها نقشت على انحنائاته .. واصوات كثيرة ، والسبب ذاك الفضولي بالخارج ... قصته مشوهة لا شيء فيها حقيقي سوى بعض القشور ... حتى نهايتها محرفة ، فإن أعترفوا بذلك أو أنكروا تلك العائلة لم تنتهِ وقتها ، وهي الدليل على ذلك ...
قامت بعدها وصلت العصر ثم بدأت بتحضير الغداء ، تناولاه في حوار يديره آدم بالطبع ، ثم قامت لتغزل مجدداً
بينما هو قام ليتفحص هاتفه ، بعد قليل وجدته يهبط الدرج متسائلاً : ألا يوجد هنا أي شبكة إتصال يا جدة ؟
أجابت وهي تكمل عملها : اهبط قليلا لاسفل التل سيلتقط هاتفك الإشارة هناك
: كم المسافة ؟
: سر في الطريق حتى تبلغ الشجرة الضخمة هناك ، بعد كيلو متر ستلتقط الإشارة ...
: حسناً ، إلى اللقاء
: السلام عليك يا صغير ...
مضى حاملاً هاتفه اللوحي ، بينما هي تركت ما بيدها وارخت ظهرها على الأريكة .....
.
قبل سنوات :
خرج من منزله مبتسماً بأمل ، فبعد طول عناء وجد أخيرا عمل مناسب ...
سمع صوتا من وراءه يهتف : ماهر ، تعال ساعدني في حمل تلك الحقائب ، أنها ثقيلة جداً
عاد ادراجه قائلا : ألم اخبرك بأنك ضعيفة جداً ! ، أصدقتني الآن ؟!
: لا لم اصدقك !
قالتها بغيظ فقال مبتسماً : حسنا ، سأثبت لكِ هذا فيما بعد ، ولكن احضري آدم الآن لا نريد أن نتأخر
أتاه صغيره يركض مسرعاً وهو يصرخ بمرح : انا أتيت ابي ، هيا أمي لا اريد ان نتأخر اريد اللعب في الغابة أخيرا
ابتسم ماهر قائلا : يبدو انك متحمس اكثر مني
تحدثت زوجته "هادية" : بالطبع فأخيرا لن نستطيع منعه من اللعب في الغابة ، ماهر انا حقاً متحمسة جداً
ابتسم بسعادة قائلا : إن شاء الله سيكون هذا العمل جيد لنا ، لنرحل هيا ...
رحلوا جميعا واستقلوا سيارة الخدم المتوجهة للغابة ، إلى حيث ذاك القصر ...
كان آدم ينظر من نافذة السيارة ، يتأمل الطريق المحفوف بالشجر من كلا جانبيه ، حتى رآى شجرة تفاح ، أعجبه شكل الثمار بها ولونها الأحمر بين خضرة أوراقها ، وقبل ان تختفي عن مرمي نظره توقفت السيارة ..
هبطوا منها جميعا بينما يقول السائق : القصر قريب من هنا ، لكننا سنسير لأن الارض هنا رطبة والسيارة لن تستطيع العبور ..
حملوا الحقائب وساروا إلى القصر الذي لم يبعد سوى بضعة امتار بداخل الغابة ، كان يسير وهو يدور حول نفسه مدهوشا من جمال الأشجار ..
حتى رأى القصر ليقف مندهشا من حجمه الهائل : أنه أكبر من منزلنا عشر مرات يا أبي ..
ابتسم الأب : نعم يا صغيري ، فنحن واناس اخرون سنعيش هنا ، يجب ان يكون كبيراً
: يالروعة ، هنا أطفال اخرون ؟
: لست متأكدا ، ولكن اعتقد ذلك ..
وبينما يتحدثون سمعا صوت يقول : رهمة ، اتركي هذا ، علينا ان نرتب اغراضنا سريعا ، فأصحاب القصر سيصلون غدا
لتجيبها صغيرة جميلة اصغر من آدم بسنتين تقريباً : لكن أمي اريد اللعب !!
زفرت والدتها بضيق : رهمة ... حقا !!
اقتربت هادية من آدم قائلة : ما رأيك أن تلعبا معا ، حتى ننتهي نحن من عملنا ؟
هز رأسه موافقاً ، فأخذت يده متوجه إلى رهمة ووالدتها قائلة : السلام عليكما
اجابتها والدة رهمة قائلة : وعليكما السلام ، أهلا
: اهلا بكِ ، انا هادية ، وهذا آدم صغيري
كادت تتحدث لولا ان قاطعتها الصغيرة قائلة وهي تمد يدها لمصافحة هادية : مرحباً يا خالة ، انا رهمة وهذه والدتي ، تشرف بمعرفتك
ضحكت هادية : الشرف لي بالتأكيد ، ااا ما رأيك ان تلعبي أنت وآدم قليلاً حتى ننهي نحن عملنا ؟
: لا مانع لدي ، إن كان لطيفا
مد آدم يده قائلا : أهلا
صافحته : اهلا بك ، هل تحب الأشجار ؟
: نعم ! ، وانت ؟
: احبها بشدة ، امممم ما رأيك في سباق بيننا ؟ ، ربما إلى ..... تلك الشجرة هناك
قاطعتهما والدتها قائلة : رهمة ، لا تبتعدا لا تقلقيني عليكِ
: حسناً لا تقلقي
وافق آدم وانطلق كلاهما يركض بينما تصيح بهما هادية : انتبها لأنفسكما ...
مضى وقت بينما يلعبان ، فوقفت قائلة : اشعر بالجوع ، ماذا عنك ؟
: لا لست جائع .... رأيت بينما نأتي شجرة تفاح قريبة من هنا لو اردتِ نذهب إليها !
: حسناً موافقة ، سأسبقك إليها
: لا لن تستطيعي ...
سبقها إليها ، ثم صعدا الشجرة جلست على العشب جوارها وهي تأكل تفاحة حمراء قائلة : أنها لذيذة
: نعم .... أحب التفاح
: حسناً ولكن هذه ستكون شجرتي ، لن اسمح لك بالاكل منها
: لكني من أكتشفتها أولا ، هي لي أنا ، ولكن سأدعك تأكلين منها
: حسناً ، كنت سأدعك تأكل منها أيضا ....
عادا الى القصر بعدها ، يترددا إليها يومياً تقريباً ، وبعد أيام ذهبا إليها كعادتهما ليجداها ....
: من فعل هذا ؟
: لقد قتلوها ...
: من قتلها ؟
بكت قائلة : لست ادري ، اريد شجرتي ، لقد قتلوها ....
.
.
مضي آدم في طريقه كما قالت ، حتى وصل إلى شجرة ضخمة ، حقيقةً كانت عدة شجيرات التفت حول بعضهن البعض لتكون جذعاً واحداً من الأسفل واغصان كثيرة متشابكة من الأعلى ، وبالرغم من غرابتها إلا أنها كانت مدهشة !
وقف أمامها حائراً في شكلها ونهاية قال وهو يرفع كتفيه ويخفضهما أنها شكل طبيعي لا سبب له ببساطة ...
أكمل طريقه الى حيث قالت ، وبعد قليل عاد من نفس الطريق وهو يركل الأحجار الصغيرة أمامه واضعاً كفيه في جيب بنطاله ...
، طرق الباب ليجده مفتوح ، دخل ليجدها تماما كما هي جالسة منذ رحل ، وقبل ان ينطق بشيء سألت : رأيتها ؟
وقبل ان يسأل عما تقصده قالت : الشجرة المقتولة ..
ولم تنتظر إجابة أيضا ، بل اكملت : هذه هي أول ضحايا اللعنة يا صغير ، تلك الشجرة الضخمة ....
جلس جوارها قائلا : لم أفهم ؟! ، لم أرَ أي شجرة مقطوعة
: ليست مقطوعة بل مقتولة ، هذه قتلت ظلماً ، تلك الشجرة الضخمة التى رأيتها تحتويها ، الشجرة المقتولة بداخلها ... ، بقلبها تماما ....
عم صمت بعدها وشرود لم يفهم شيء منها وهي ليست بمزاج جيد لتوضح اي شيء ....
.
.
: امى ...
قالتها رهمة ببكاء ، فالتفتت إليها والدتها بقلق ، ثم نظرت لآدم الواقف خلف صغيرتها قائلة : ماذا بكِ عزيزتي ، هل تشاجرتما ؟
هزت رأسها نفياً وهي تقول ببكاء : قتلوا شجرتنا ، وجدناها ميتة على الأرض
مسحت على رأسها قائلة بلطف : حبيبتي ، ستنمو أخرى قريباً بالتأكيد ، و سنبحث معاً عن شجرة تفاح أخرى حالما انتهي من عملي هنا ، و ستجدين بها ألذ ثمرات التفاح إن شاء الله
: ولكني لا أريد تفاح ، انا اريد شجرتي ...
قالت برفق : صغيرتي ، ألم أخبرك أن لكل شيء عمر ؟ ، عمرها انتهى ، لا نستطيع فعل شيء حيال ذلك ...
: تعنين انها ذهبت إلى أبي ؟
: أجل تماما
صمتت بحزن ، فقبلتها والدتها على رأسها قائلة : لا تحزني رهمة فجميعنا سنذهب لهم إن شاء الله ... لا تحزني صغيرتي ..
.
.
همست بها مغمضة العينين : لا تحزني صغيرتي ...
فتحت عيناها بعدها لتسقط منها دمعة حزينة ، كان آدم لا يزال ناظراً لها ، لم يفهم سر كل هذا الحزن ، أهو بسبب الشجرة ، أم شيء متعلق بها !
ولكنها لم تتحدث وهو لم يسأل ربما عليه الصموت لفترة فهي يبدو عليها التعب جلياً ...
بعد فترة لا مثير فيها قامت لتنام ولحق هو بها ...
.: رهمة ، أصحاب القصر قادمون بنهاية الأسبوع ، لا تكوني شقية ، لا أريد مشاكل
أجابها آدم : لا تقلقي خالتي ، سألعب أنا وهي في الغابة ، لن نسبب المتاعب
داعبت شعره قائلة : ما اجملك يا آدم ، ليت لها أخ مثلك ليعلمها كيف تتصرف بعقلانية
: لا تقلقي يا خالة سأعلمها أنا ...
ابتسمت بلطف له ، بينما رهمة صامتة تنظر من النافذة إلى السماء الغائمة بالخارج ، ثم التفتت إلى آدم قائلة بسرعة : هيا هيا أنها تمطر
وقبل ان تمنعهما والدتها خرجا يركضان تحت المطر ، وهما يصرخان بمرح ....
مرح كلفهما البقاء في الفراش لنهاية الأسبوع ليعالجا من البرد الذي أصابهما ...
وفي أول يوم خرجا فيه بعد المطر رأت صغيراً يطوف حول المنزل ، فجذبت آدم قائلة : انظر أنه فتى صغير
: نعم ، هل تعرفيه ؟
: لا ، هل نذهب له ؟
: نعم لنسأله لو أحب اللعب معنا ...
: حسناً ..
ركضا اليه فقال آدم : مرحباً ... أنا آدم وهي رهمة ، ما أسمك ؟
: مالك ...
: هل تلعب معنا ؟ ، سنتسلق الأشجار ...
.
.
.
قبل الفجر استيقظت كعادتها ، بدأت تتلو القرآن بصوت هادئ ، حتى أذن الفجر ، صلته ثم قالت ما تحفظ من الأذكار ، وبدأ يومها الجديد ...
بعد فترة جلس أمامها واضعا رأسه على قبضة يده ، صامتاً تماماً ينتظر أن تقول اي شيء ...
جسلت صامتة لوقت طويل ثم قالت بنبرة هادئة : هل تعرف حقا ماذا تريد ؟ ، متأكد من ذلك ؟
أومأ برأسه مؤكدا : أجل بالتأكيد ..
أرجعت رأسها للخلف قائلة : وماذا تظن أن تسمع مني ؟
ابتسم بسعادة لأنه وصل أخيرا قائلاً : قصة الغابة الحقيقية ، مصدر اللعنة وكيف دنسوا حرمتها ، اشياء من هذا القبيل ...
ابتسمت بسخرية : اخيرتك ليس لدي شيء عن هذا ..
: حسناً أحب ان اسمع الحقيقة ..
زفرت ونظرت للسقف صامتة ، وبدون سابق انذار همست : هل سمعت يوماً عن وحش القلعة ؟
وقبل ان يفتح فمه ليتحدث قالت : لا يا صغير ليس ذاك الأمير المتحول ، بل الوحش الآخر ...
ألا تعرفه ؟ ، حسنا دعني اخبرك ..
أنت تقرأ
الغابة الملعونة_آلاء شعبان
Mystery / Thrillerهمست يوماً في أذنه : هل سمعت يوماً عن وحش القلعة ؟ وقبل ان يفتح فمه ليتحدث قالت : لا يا صغير ليس ذاك الأمير المتحول ، بل الوحش الآخر ... ألا تعرفه ؟ ، حسنا دعني اخبرك .. ما بين الرواي وروايته ... رواية غموض وليس رعب الرواية الرابعة بقلمي : آلاء شعب...