استيقظ مع شروق الشمس كعادته ، خرج ليجدها واقفة تصلي فرك رأسه بكفه ثم دخل المرحاض وخرج صاعدا مجددا لغرفته ، انتهت من صلاتها وقد صعد لغرفته ، فهمست ناظرة للنافذة : عليك ان تكون أكثر حرصاً يا صغير ، فدينك هو ما سيبقى للأبد ..
نزل من غرفته بعد فترة ، ليجدها تحمل سلة صغيرة وتخرج من المنزل ، أسرع خلفها لتدخل تلك الغرفة بحوار المنزل مجددا ودون ان تلتفت اخبرته : اغلق الباب
اغلقه خلفهما كما أمرت ، ونظر أمامه ليقول بدهشة
: د... دجاج !!!
: من المفترض أن تعرف هذا ، فقد تناولتَ حساء احداهن بالامس !
ثم التفتت اليه مكملة : ام ماذا ظننت ؟
: لا .. لا شيء
ولم يدم صمته طويلا بل سأل : حسناً ، أنت تربين الدجاج ماذا عن باقى الأطعمة ؟
: خلق الله كل شيء ليساعد الإنسان ، سخر لنا الشمس والقمر والدواب والانعام والشجر ، وكل البشر يحصلون على اطعمتهم ، ارديتهم وحتى ادواتهم من تلك الاشياء
: هل دوماً ما تتحدثين هكذا ؟
: لست اتحدث في العادة كثيراً فما أعلمه أعلمه لست بحاجة لترديده !
هز رأسه صامتاً ، يراقبها وهي تضع الطعام للدجاج ، ثم غادر معها للمنزل مجدداً ...
.
.
.
بعد فترة جلس أمامها وهي تغزل بعض الصوف متسائلاً : كم عمرك جدتي ..
أجابته بهدوء : أكبر مما تظن
: بالرغم من أن قوتك لا توحي بكبرك !
: لكن شكلي يوحي ، لا اعتقد أن جدتك بعمري حتى
صمت ثم قال بفضول : هل دائما ما تكونين جدية هكذا ألا تمزحين أبداً
: أنت تسأل كثيرا ألا تظن هذا ؟
: أعترف أني فضولي
: الإعتراف بالحقيقة جيد ايضا
: لماذا بقيتي هنا كل هذا الوقت ، انت تحتاجين لمن يرعاكِ في النهاية ..
: أنت مخطئ ، فالله هو من يرعى ، كما أنني لم اعتزل البشر بل هم من فعلوا
: بحسب معلوماتي ، الناس اعتزلوا الغابة
: معلوماتك ستكون صحيحة ، إن لم تعتبرني من البشر ..
: أنا لم أقصد هذا ، اعتذر ..
: ليس عليك الاعتذار ، لم أقل هذا لوماً ، بل تصحيحا لمعلوماتك .. ، على أي حال ، اعتقد ان عليك أن تستكشف ، لا أن تجلس جواري هكذا ، هناك ألف طريقة لاكتشاف الحقيقة ، والحقيقة لا تطرق باب المرء طالبة منه رؤيتها عادةً ..
أجاب بابتسامة : شكراً على هذا الطرد اللبق جدتي ، أنا متأكد من هذا أيضا ، الحقيقة لا تطرق باب أحدٍ ولكنني طرقت بابها بالفعل ، وها أنا ذا أحاول أن اجعلها تريني الصورة كاملة
ابتسمت بجانب فمها قائلة وهي تكمل عملها : إذا أيها المتملق ، ماذا لديك عن هذه القصة ؟
أخذ نفساً قائلا : حسناً ، أكثر القصص انتشاراً حول الغابة ، أن عائلة من أثرياء المدينة بنت قصراً في الغابة ليعيشوا فيه في نزهاتهم ، كمنزل صيفي ، الأب كان متزوج بامرأتين ولديه ثلاث ابناء ، ماجد أكبرهم ثم سارة وفي النهاية مليكة ، يُقال أنهم عائلة متحابة، أنشأ والدهم هذا المنزل لشدة حبهم للطبيعة ، خاصة صغيرتهم مليكة وماجد اكبر أبناء العائلة ، أخذوا بعض الخدم وعاشوا بتلك الغابة في قصرهم ، في اليوم الاول وجدوا بعض الطيور مذبوحة في شرفة ماجد ، منها ببغاء وبعض الطيور الاخرى ، اخبرتهم إمرأة عجوز بأن تلك الغابة ملعونة ، وحياتهم فيها خطر وأنها ستنتقم منهم لأنهم دنسوها ، لم يكترثوا ، في اليوم التالي خرجت مليكة لتلعب في الغابة وتتسلق الأشجار حين اهتزت الأشجار فجأة لتسقط من عليها فاقدة للوعي وبها العديد من الخدوش والجروح ..
والدتها مارية ، ركضت إليها وهي تصرخ بالخدم ليلحقوا بها ، حملوها ودخلوا القصر بينما والدها وقف ناظرا للغابة بحيرة لا يدري ايرحل أم لا ، أفاقت مليكة خائفة وحين حدثها والدها لم تجيبه ، تركوها تنام ولكن في المساء ..... اختفت ولم يجدوها بعدها أبدا ...
.
.
كانت العجوز تنظر أمامها بشرود توقفت يداها عن الحركة ، وعيناها تكاد ترسم شريط تراه هي في عقلها ليراه هو الآخر ، لم تقاطعه ، فقط تزم شفتيها وقد حاوطتهما التجاعيد بفعل الهِرَمْ ، أكمل هو قائلاً :
ظلت مارية محتضة ابنتها الأخرى سارة وهي تبكي ، بينما أرسل الأب الخدم في كل مكان ليبحثوا عن الصغيرة ... وماجد اختفى طوال اليوم ، يقولون أنه كان يبحث عنها أيضاً على اي حال عاد في المساء ولم يجدها أي منهم ... ، بعد أيام وُجدت مقتولة في منتصف الغابة ، على جسدها آثار تعذيب ، يُقال أنها ماتت ضرباً ، وبعدها كانت مارية في غرفة مليكة جالسة على فراشها تبكي صغيرتها ، ثم سمع الخدم صراخ من الغرفة اسرعوا إليها ليجدوا الأب يخرجها من الغرفة المشتعلة بالنيران بينما هي تغطي وجهها بكلتا يديها وتصرخ.... احترقت الغرفة كاملة واستطاعوا إخماد النار قبل أن تمتد لأماكن أخرى في القصر ..
أما ماجد فقد حزن لفقد الصغيرة كثيراً حتى أنه ترك المنزل وعاد للمدينة ، بعدها ... ماتت مارية والدة مليكة وسارة وجدوها غارقة في البحيرة في وسط الغابة ، انهار الأب لشدة ما كان يحبها ، يقول الخدم انه ظل يبكي محتضن جثتها ، والدة ماجد "ميسون" كانت تحبها أيضاً بالرغم من أنها ضرتها ، حتى أنها ظلت أياما في غرفتها لا تأكل ولا تشرب ولا تحدث أحدا ، يقال أنهما كانتا كأختين بالرغم من شجارهما أحياناً ، ورد فعل ميسون أكبر دليل على حبهما ...
قرر الأب بعدها العودة للمدينة ، يكفي ما حدث ... ولكن الغابة لم تمهله ولم تتركه يرحل ، احترق المنزل كاملاً ، هرب من استطاع من الخدم والباقين احترقوا جميعا مع الأب وميسون وسارة .... كان ماجد عائد إلى القصر حينها ، لكنه لم يجد سوى رماد القصر ممتزجاً مع رماد عائلته ....
من وقتها أقر العامة بأن كل من يدخل الغابة يموت ، ولم يجرؤ أحد على دخولها مجدداً ، أما ماجد فقد عاد للمدينة لفترة ثم انتحر ، يقولون أنه لم يستطع تحمل ما حدث لعائلته ...
انتهى من سرد قصته وهي شاردة تماماً ، انتهى فقالت بعد صمت ظن أنه لن ينقطع : عجباً ، القصص تختلف كثيرًا من راوٍ لأخر فعلاً !
قال بحماس : لهذا انا هنا ، أريد روايتكِ أنتِ للقصة ... أريد أن أعرف الحقيقة
: ومن أخبرك أن لدي الحقيقة ... الحقيقة يرويها من عاشها فقط ، أسأل الغابة لو تستطيع ...
قامت بعدها فقال مبهوتاً : حقاً ، مجدداً !! هيا رجاءً لا تفعلي هذا !
نظرت من النافذة وهي تقول : يمكنك الذهاب لها وتسأل لن امنعك ، أنت هنا ضيف فقط فلا تنسَ هذا ..
كاد يتحدث فقالت مقاطعة : أعتذر انتصفت الشمس ، وهذا موعد صلاة الظهر ...
غادرت إلى سجادة صلاتها ووقفت تصلي ، تأملها قليلا ، عجوز ربما في الخامسة والستون ، يداها مجعدتان وكذلك وجهها ، ترتدي عباءة فضفاضة وعليها وشاح ، عليهما شال صوفي يدوي الصنع ، ويبدو انها من صنعته لأنها تغزل الصوف فعلاً ، تبدو بصحة جيدة بالرغم من عمرها ، ظهرها منحني قليلا ، ويبدو على ملامحها الهدوء والهِرَمْ
تأمل المنزل أيضاً ، اقرب للكوخ الخشبي اكثر من المنزل ، من تلك البيوت ذات المدخنة والسقف المائل ، جدرانه حجرية والسقف خشبي ، به شيء من الدفء بالرغم من قتامة لونه العام ، منزل بدائي لا كهرباء او شبكة لا سلكية إلا في غرفته حيث بها كهرباء ومصباح على عكس باقي المنزل الذي يضاء بالشموع عند الحاجة ، سيسألها عن السبب لاحقًا ..
سجادة قديمة تحتل جانب من الصالة الكبيرة ، أمام مدفأة حجرية جوارها كومة من الحطب ، لا شك أن لديها آله حادة لتقطيع هذا فامرأة بسنها لن تستطيع تقطيع الحطب هكذا !!
طاولة مستطيلة تقبع بمنتصف الصالة حولها عدد من الكراسي و أسفلهم سجادة اخرى ، قديمة ايضا
ولكن بالرغم من قِدَمْ المنزل إلا أنه نظيف تماماً...
قطع تأمله انتهاء صلاتها ، فقال بفضول ستعتاده منه : اخبريني يا جدة ، هل تعرفين تلك القرية أسفل التل ؟
: نعم ..... رأيتها اكثر من مرة ، ولكن اعتقد ان كل شيء تغير فيها الآن
: أظن ذلك أيضاً ، هل رأيتي الملكة ؟
: الملكة التي اعرفها ماتت منذ زمن ، لا أعرف من الملكة الآن ولا اهتم أيضا. ..
قالتها وهي توليه ظهرها مبتعدة لتعيد السجادة لمكانها ، بينما يقول بحماس : ماذا كان اسمها ، هناك ملكة لتلك المدينة تمنيت رؤيتها من كثرة ما سمعت عنها ، يقولون أنها كانت شديدة الجمال ولكنها توفت من عقود ، أرأيتها أنت ؟ كان اسمها الملكة سيرينا ..
اهتزت يد العجوز لتسقط إحدى المزهريات ، فتلقى حتفها على الأرض الخشبية
قام فزعا وهو يقول : أنت بخير يا جدة ؟
: نعم .... بخير
وقف جوارها ناظراً للمزهرية المحطمة : حسناً أستطيع التنظيف بدلا عنك يبدو عليك الإرهاق ...
: لا ، انت ضيف ...
قاطعها قائلا : لا بأس يا جدتي ، يمكنك الاسترخاء ، الأمر ليس صعباً..
هزت رأسها ثم دخلت غرفتها بجوار الدرج ، فهي لا تحب البقاء في الطابق العلوي ، تمددت على فراشها ونظرت للسقف بشرود ....
وبعد وقت همست ... : الملكة سيرينا ....
_____________
السلام عليكم
تاني معلش:بصوا في آخر الصفحة كده ، ايوة تحت هنا .. 👇
في نجمة مفرغة كده ، اضغطوا عليها رجاءً يعني
وبعدين في شكل جنبها كده ، اضغطوا عليه واكتبوا رأيكم في الفصل ، بس كده شكراً
دمتم في طاعة
سلام تاني
أنت تقرأ
الغابة الملعونة_آلاء شعبان
Mystery / Thrillerهمست يوماً في أذنه : هل سمعت يوماً عن وحش القلعة ؟ وقبل ان يفتح فمه ليتحدث قالت : لا يا صغير ليس ذاك الأمير المتحول ، بل الوحش الآخر ... ألا تعرفه ؟ ، حسنا دعني اخبرك .. ما بين الرواي وروايته ... رواية غموض وليس رعب الرواية الرابعة بقلمي : آلاء شعب...