: لا أصدق ان الغابة اصبحت سياحية !
تمتمت رهمة بهذا وهي ترى أفواج من السياح يخرجون من الغابة برفقة المرشد والجدة ، ليرد آدم : معك حق ... ولكنها من طراز خاص ، لم تفقد أي شيء من لمستها الاولى .. ، لازالت طبيعية تماماً ..
: حسناً هذا بلا شك أفضل ... الاشياء على طبيعتها أجمل .
: والغابة بدون البشر افضل ، ولكن بما أنهم أتوا ... اعتقد أن الجدة تعمل على ألا يضروا الغابة ثانية .
: معك حق ، تحرص على هذا بشدة ...
: بالفعل .
قالها بشرود وهو ينظر من النافذة ، فالتفتت إليه بابتسامة قائلة : آدم ... لدي خبر لك
نظر لها منتبهاً : ما هو ...
: لدينا ضيف ، ضيف صغير
نظر خلفه إلى المقاعد الفارغة حول المدفأة ، ثم التفت إليها عاقدا حاجبيه وهو يكتم إبتسامة : ضيف ؟
: نعم ... ضيف على وشك الحضور ، بعد بضعة أشهر .. ولكنه حجز تذكرة إلى هنا منذ فترة ...
: لم افهم !
: سيحضر بعد تسعة أشهر ...
: ومن هو ذاك الضيف ؟
: هيا ! ، الأمر واضح ، فكر قليلاً !
قالت الأخيرة بحنق فضحك بقوة وهو يمسك بيديها : حسناً كفى ، لقد فهمت من البداية
ابتسمت : حقاً ؟
: نعم ... منذ وضعت يديك على بطنك ، كشفتك سريعاً
: ظننت أن هناك شيء بعقلك !!
ضحك بسعادة وضحكت هي بخفوت ، فاحتضنها بقوة ودار بها : لا أصدق سأصير أباً ...
هتفت بهلع : آدم انزلني ! ، آدم !!!
اوقفها وهو يقول بحماس : سيكون طفلاً رائعاً ، وستكونين أما رائعة ! ، سيكون لي طفل صغير !! ...
ثم سحبها من يدها وهو يسرع : لم تعلم جدتي ... هيا نخبرها
: آدم ابطئ ، توقف قليلاً ! آدم....
.
.
فتحت الباب لتجدهما أمامها مباشرة ، قالت بدهشة : ماذا هناك ؟
قال ببهجة شديدة : احذري ماذا !
: ماذا ؟
: رُزقنا بطفل صغير ، ستكونين جدة جدتي !
ضحكت وهي تجيبه : معنى أني جدتك أني جدة بالفعل ! ، هذا واضح !!
ثم اقتربت من رهمة بسعادة : مبارك لك عزيزتي ، اشكري الله على هذا
احتضنتها رهمة بسعادة : أنا سعيدة جداً .. حمدا لله ، حزنت جداً المرة السابقة
: بارك الله لك فيه يا صغيرتي ..
هتف آدم : ألن تباركي لي أيضاً ! ، أنا أيضاً سأصبح أبا !
ضحكت رهمة بعناد قائلة : لا هي لن تفعل !
نظر لهما بترفع : هكذا إذا ! حسناً في النهاية أنا فقط من سيصبح أباً ، لن تنل احداكما هذا الشرف أبدا ... ، والان اعذراني ، هناك طائرة تنتظرني لأسافر ..
مشى بضع خطوات ثم عاد يقول : انتبهي لصغيري اذا سمحتِ ، لا أريد أن يصيبه مكروه ، وانت جدتي انتبهي لأم صغيري فلا أريد أن تصاب هي أيضاً ... وانتبهي لنفسك أيضاً ..
ثم نظر لرهمة بترفع : لن اودعك حتى يا سيدة رهمة .... ، وداعا جدتي ..
ضحكت العجوز : مجرد طفل !
خرج وهو يلقى السلام فردتاه مع ابتسامة بشوشة ، بينما رحل هو بابتسامة عريضة مبتهجة جداً... وركب تلك الطائرة وغادر إلى عمله ..
.
.
بعد عدة أشهر :
كان آدم في سفر لكتابة تقرير ما ، رهمة في آخر شهور الحمل والجدة كما هي تعمل مرشدة للسياح في الغابة ..
وبينما كانت الجدة في الغابة يوما مع بعض السائحين ، كانت هي في المنزل تضرب بيدها في الحائط وتصرخ من الألم ..
سمعها بعض من يعملون في الكوخ السياحي بينما يمرون قريباً من الكوخ ، اسرع رجلين إلى باب الكوخ
: سيدتي هل أنت بخير ؟ ، ماذا يحدث !!
اخبرته صارخة : احضر عمتي ... أنا أموت ..
: افتحي الباب !!
صرخت ولم تجب ، فقال أحدهما : حسناً ادفعه معي ، سنحطمه ! ..
بعد دقائق كانا بالداخل ورهمة تقف مستندة على الحائط لا تستطيع تحمل الامها ، وجوارها على الارض شال للجدة ، كانت ذاهبة لتعطيها إياه إذ أصبح الجو باردا ..
صرخت مجدداً بألم ثم بدأت تتنفس بقوة وهي تهتف : الطفل ! ، اريد طبيباً ..
دفع أحدهما صاحبه قائلا : احضر الجدة من الغابة ، انا سأحضر الطبيبة من الكوخ ، أسرع...
ركض كلاهما بينما هي واقفة مكانها ، تضع يدها على بطنها بألم شديد ، اغمضت عينيها وهي تحاول التنفس بانتظام ولكنها فشلت لتعض على شفتيها بألم شديد وهي تصرخ مجدداً !...
.
.
: وأخيراً عدنا !
قالها آدم وهو يقف بجوار طائرته الهليكوبتر ، ليجد رجلين يركضان خارجين من الكوخ الخاص بالجدة ، هرع إليهما بفزع ليقول احدهما بسرعة : السيدة رهمة ، أنها تلد !!
اتسعت عيناه ثم اخبرهما بينما يركض إليها : احضروا طبيباً والجدة من الغابة رجاءً ...
فتح الباب ليجدها واقفة كما هي ، نظرت له صارخة : آدم ، الطفل !! ، سأموت !
اقترب منها بسرعة وساعدها لتذهب لاقرب غرفة لهما غرفة الجدة ، استلقت على الفراش وهي تتأوه بشدة ، تكاد تفقد الوعي من الألم !
أتت طبيبة ما ، خرج آدم من الغرفة وبدأت هي مع ادواتها تلك في مساعدة رهمة ، أتت الجدة مسرعة بالقدر الذي تسمح صحتها به
دخلت الكوخ فزعة : آدم ، كيف هي رهمة ، والصغير ؟
قبل أن يجيبها سمعا صوته ، صوت صغير رقيق ، يبكي للأسف!
ابتسم كلاهما ببهجة ، اقتربت الجدة من الغرفة وكذلك هو ، ليجدا الطبيبة تخرج حاملة مليكة الصغيرة كما اتفقا على تسميتها ، اخبرتهما بان رهمة نامت ، واعطتهما الصغيرة حملتها منها العجوز برفق وحب شديد تهدهدها ، بينما آدم اقترب بوجل منها يداعبها برفق ، اعطته العجوزُ الطفلة : أذن في اذنها
حملها بوجل ، امسك بيدها الصغيرة وهو يأذن في اذنها كما طلبت العجوز ، قبل رأسها بحنان ثم أعطاها للجدة مجدداً ووقف يراقبها بابتسامة رقيقة
.
.
بعد فترة استيقظت رهمة ، دخلا إليها ، حملت مليكة بحنان وهي تقبلها ، ظلت حاملة إياها حتى نامت في حضنها بهدوء ..
وضعتها رهمة على الفراش ثم ساعدتها الجدة في تبديل ثيابها في غرفة أخرى ، وآدم جالس يتأمل الصغيرة بابتسامة ..
.
.
بعد أربع أعوام :
أشرقت الشمس على ذاك الكوخ الصغير والغرفة التي جواره -وقد بنوها مجدداً ، وانتشرت اشعتها بين اشجار الغابة حيث يأتي الكثير من السياح يومياً ! ، وبالرغم من هذا حظيت بشخص يعتني بها جيداً ، ويحافظ عليها...
وأمام الكوخ وجدت سيارة ما جوارها وقفت هي حيث امسكت بذراعه وهي تقفز بحماس قائلة بصوتها الصغير : أبي ، سنذهب للرسول ؟
ابتسم قائلاً : نعم حبيبتي
: والى البيت الحرام ؟
: أجل
: وسنأخذ الصغير في بطن امي ؟
ضحك بقوة : نعم بالفعل ، أنا وانت ورهمة وجدتي والصغير
: وسنركب ذبابتك ؟
ضحك مجدداً : جدتي من اخبرك بهذا صحيح ؟
أومأت مؤكدة : نعم ، تقول ذبابة ابيك وصلت هيا نستقبله ، ثم تمسك بيدي وتذهب للباب وأمي تمسك بيدي الأخرى وانت تأتي فاركض إليك واحتضنك بقوة ! ، انت تعرف هذا صحيح ؟!
: نعم ، نعم أعرف ، اخبريني إذا هي من جعلتك تعضي اذني سابقاً ؟
هزت رأسها قائلة : لا كانت أمي ، لأنك لم تتصل تلك المرة كما وعدتها وهي ذهبت عند شجرتي الكبيرة كي تخبرك أن هناك صغير في بطنها !
قهقه قائلاً : هكذا إذا !
نظرت له بعينيها البنية كأمها : لماذا تأخرت أمي وجدتي ، أنا أريد الذهاب !!
: حسناً يا فتاتي معك حق في هذا ! ، تعالى لنر ماذا هناك !
دخلت معه للكوخ ، قائلة : ماذا بكما يا فتاتان ! ، تأخرنا !
ضحك هو بينما خرجت العجوز قائلة : آتيتان يا فتاة ، صبرا !
: هيا !!
: حسناً !
: اسرعي !!
: آتيتان !
: أسرع ، هيا !!
ضحك آدم بصمت بينما العجوز ومليكة يكملان الحوار معا !
كانت تلك المرة الثانية لرهمة وآدم هناك ، والأولى لمليكة والصغير الذي لا زال يُخلق .... ، ولكنها كانت الأخيرة بالنسبة للعجوز ...
.
.
وقفت على جبل عرفات مكملة مناسكها ، تذكر الله حمداً وتسبيحاً وحوقلة ، سألتها مليكة قائلة : جدتي ، أين امي؟
اشارت إلى رهمة بعيداً عنهما قليلاً قائلة : هناك عزيزتي ، رأيتها ؟
: أجل .. نعم ، سأذهب إليها !
: انتظري سأتي معك ، لا أريد أن تضيع وردتي بين الحشود !
: حسناً ، هيا ...
سارتا معاً حتى اقتربتا من رهمة التي تدور حول نفسها تبحث عن صغيرتها ، وآدم يبحث عنها أيضاً ، ركضت إليها مليكة ، فاحتضنتها قائلة : أين اختفيت ! ، كنت سأبكي !
أتى آدم إليهما بينما تمسح مليكة على رأس والدتها قائلة : لا بأس عزيزتي أنا هنا
وأشارت خلفها دون أن تنظر قائلة : كنت مع جدتي !
ضحك آدم من فعل ابنته ولمحت عينه ما تشير إليه الصغيرة ، لتختفي ابتسامته تماماً وهو يراها تسقط أمامه أرضاً ، هرع إليها بينما أنزلت رهمة صغيرتها بفزع واسرعتا إليها أيضاً ...
ولكن كان أجلها قد انقضى ، ولاقت ربها في يومها ذاك !
.
بين كل تلك الحشود على جبل عرفات ، في منتصفهم تماماً سقطت جثتها بعدما توفت ، لتدفن في مكة ، حيث تمنت الذهاب طويلاً !....
.
.
عاد آدم ورهمة ومليكة بعد بضعة أيام أخرى ، وهي ظلت هناك ، ما إن وصلوا حتى خرجت مليكة من المنزل مسرعة إلى تلك الشجرة ، تخبرها بدموع أن آخر من عاش تلك اللعنة رحل بعيداً !
غفت هناك عند تلك الشجرة ، حيث زارتها العجوز في منامها ، اخبرتها برفق انها بخير وأنها سعيدة هناك ...واوصتها بأن تهتم بأبويها واالصغير الذي لم تره .... وأن تعتني بالغابة .... الملعونة ...
.
بعد قليل ذهب الابوان ليحضرا الصغيرة ، حملها آدم بصمت بينما اقتربت رهمة من تلك التفاحة الساقطة أرضا وابتسمت بحزن ، سارت معه بصمت وفجأة وجدها تقول : يظل ملحقا بين غمام ليس أبيض .... وحين يسقط يكون أفضل.... قلبه ناصع ، لو ترك بيننا يقتم ... يحميه لون زاهي ، يجذب النظر .. ويبعد الضرر ...
نظر لها قائلاً : ما هذا ؟
لمعت عيناها بحزن : كان لغز جدتي ، نسيته منذ وقت طويل لم اتذكره سوى الآن ...
ثم نظرت للتفاحة في يدها بعيون دامعة : كانت تتحدث عن التفاح ! ....
ابتسم بحزن هو ايضا : اللهم ارحمها ..
استيقظت الفتاة مبتسمة ، ذهبت لغرفة والدتها لتجدها تبكي بحزن ، مسحت دموعها قائلة : أمي ، لقد رأيت فتاتي الكبيرة ! ، زارتني في حلمي و اخبرتني انها بخير ، وتقول لك لا تحزني هي سعيدة جداً هناك
ابتسمت رهمة من بين دموعها قائلة : رأيتها؟
هزت رأسها مؤكدة قائلة : نعم ولعبت معي ، كانت قوية وجعلتني اتسلق الشجرة ، حملتني ورفعتني عالياً ثم تسلقتها هي أيضاً ، وجلسنا بالاعلى نأكل التفاح ، ثم اخبرتني أن اعتني بكما وألا اجعلكما تبكيان ، لذلك توقفي عن البكاء ، حسناً !!
: حسناً يا وردتي ، وأنت أيضاً لا تبكي حسناً !
: أجل لن أبكي ، جدتي اخبرتني أن اعتني بشجرتي الضخمة وأيضاً بغابتها الخضراء ، لأنها تحبها ...
مسحت على رأسها بحب : حسناً مليكتي سنعتني بها ، ستنعتني بها جدتي ......
الغابة الملعونة |آلاء شعبان ....
أنت تقرأ
الغابة الملعونة_آلاء شعبان
Misterio / Suspensoهمست يوماً في أذنه : هل سمعت يوماً عن وحش القلعة ؟ وقبل ان يفتح فمه ليتحدث قالت : لا يا صغير ليس ذاك الأمير المتحول ، بل الوحش الآخر ... ألا تعرفه ؟ ، حسنا دعني اخبرك .. ما بين الرواي وروايته ... رواية غموض وليس رعب الرواية الرابعة بقلمي : آلاء شعب...