17-الظل الأسود !

90 10 1
                                    

استيقظت بعد منتصف الليل لتصلي قيامها ، وقفت على سجادة الصلاة وكبرت بصوت خاشع ...
بعد فترة جلست تقرأ من كتاب الله ، حين نزل هو من غرفته قائلاً : السلام عليكِ جدتي !
: وعليك السلام ، ماذا ايقظك !!
: ما ايقظك تماماً ! ، ولكني لم ارك تقومين الليل في المرة السابقة !
: وكأنك كنت تستيقظ في هذا الوقت مثلاً !! ، ولكن أنا لا اصلي كل يوم أحياناً أنام واستيقظ الفجر مباشرة...
: إذا اضبطي منبه !
نظرت له رافعة احد حاجبيها : اخبرتك لا توجد هذه الرفاهيات هنا !
: "لو أرادك لأقامك " ، تذكري هذا ..
: نعم ، بالفعل ، منذ مدة والله يوفقني للقيام ... ، لعل الله يريد لي حسن الخاتمة ...
: أطال الله عمرك جدتي ، لا تقولي هذا.
: وكأن ملك الموت سيبتعد لو لم اقل هذا ! ، لكل نفس أجلها ...
: صدقتِ ..... سأقوم أصلي ..
.
.
.
: استيقظ ، لقد بزغ الفجر هيا لنتحرك !
قالها كامل وهو يوقظ هشام الذي فتح عينيه قائلاً : عجيب ! ، ظننت انني سأستيقظ لأجدك قد قُتلت !
ثم نظر حوله واردف : ربما بدأت اللعنة بسعيد بدلاً عنك ، لقد اختفي !
نظر له حانقا وقال : إنه خارج الخيمة يصلي ، قم هيا !!
: عجيب ! ، ربما اعطتنا مهلة للرجوع !
فأجابه كامل حانقا : أو اعطتنا فرصة لإنهاء عملنا قم أيها الأخرق !
: الزم حدودك كامل ، لا تجعلني احطم ذراعك الأخرى !!
دخل إليهما سعيد قائلاً : لن تنتهيا ابدا من هذا !! ، هيا لدينا عمل لننجزه !
اعتدل هشام بينما قال كامل : سنصلي ثم نجمع هذه الأشياء لنرحل ..
تمدد هشام مجدداً ، فقال سعيد : ألن تقم !! ، هيا لا وقت !
: حسناً حسناً ، حين تبدأ بجمع الاغراض ايقظني
: الن تصلي؟؟
أجاب ساخرا : لا ، كفى بكما صالحين !
تولى عنه سعيد حانقا ، بينما كامل نظر له متعجبا ثم ادبر خارجا من الخيمة ...
وبعد قليل خرج الثلاثة بعدما جمعوا الأغراض ، يكملون طريقهم ..
.
.
جلس على الأريكة يقرأ كتابا ما ، ويحتسي كوباً من القهوة حين نادته قائلة : آدم ، عمتي تريدك
قام متوجهاً إليها : تفضلي جدتي
: احضرت الأوراق ؟
: نعم احضرتها كما طلبت ..
: اذا تعال لنكتب العقود ..
: حسناً ، سأحضرها ..
خرج من الغرفة واتجه لرهمة قائلاً : اتحدثتما ؟
: نعم وحُلت المشكلة
: لم اتوقع ان تنهي الموضوع بهذه السرعة !
: هي حليمة و هادئة وتتفهم ، لم يكن الأمر صعباً ..
: حسناً ... سعيد بانتهاء تلك المشكلة الصغيرة
صعد العرفة مهرولا على الدرج ، ثم عاد حاملاً بعض الأوراق إلى غرفة الجدة
: السلام عليك جدتي ..
: وعليك السلام
: ها هي الاوراق ...
.
.
.
: هيا أيها الكسول ، اسرع قليلاً ..
قالها هشام لكامل بينما يسيران في الغابة خلف سعيد ، الذي التف إليهما ثم عاد بضع خطوات لكامل ، أخذ منه احدي الحقائب قائلاً : تراه متعب ولا يستطيع حملها وتتنمر عليه فقط !
أجابه المقصود ببرود : يكفينا أنك ذا قلب حنون !
تقدمهما سعيد ثانية حانقا ، ولم يجيبه ، بينما اسرع كامل الخطى قليلاً ...
ابطئ هشام حتى أصبح آخرهم ، وبعد قليل شق صوت صراخه سكون الغابة ...
.
.
.
: آدم ، أشعر أني سمعت شيئاً
التفت لزوجته قائلاً بتعجب : ماذا سمعتي ؟
: صراخ ، أحد ما يصرخ !!
: لا لم اسمع شيئاً ، أنت متاكدة ؟
: نعم ، ربما .... لست أدري
صمتا قليلا يصغيان ثم قالت : ربما كنت اتوهم ، لا تشغل بالك !..
اقترب منها قائلاً برفق : ماذا بك ؟
تنهدت قائلة : لست أدري ...
ثم نظرت له قائلة : أريد أن أرى الغابة ..
: حسناً ، سأخبر الجدة ونذهب
: حسناً نذهب بعد الغداء
: لك هذا ...
: أرسلت التقرير الجديد؟
: نعم ، و سأسافر بعد أيام لتقرير اخر ....
.
.
ضحك هشام بقوة حين التفت كلاهما إليه فزعين ، ضحك ساخرا وهو يقول : لا أصدق يالكما من احمقين ، منظركما مضحك جداً ...
جز سعيد على أسنانه غاضبا بينما جعد كامل ما بين حاجبيه في سخط : ءأنت اخرق يا هذا ! ، تعقل قليلاً !!
فأجابه المقصود بقسوة : انتبه لما تقول قبل أن اجعلك تندم يا هذا ، انت لست نداً لي ..
أوقف سعيد شجارهما الذي يبدأ توا قائلاً : لا وقت لهذه التفاهات هيا !
.
.
.
: لم أصررت على ان نذهب في الغروب ؟
: لأن الغابة في الغروب افضل ، كما أن هناك شيئاً أرتني إياه الجدة ، أريد ان اريكي إياه انت أيضاً ...
: ما هو ؟!
: سترينه الآن لم العجلة !! ، فضولية !
: نعم كزوجي تماما ، تظن أنني اخذت هذه الصفة عنه ؟
ضحك قائلاً : ربما !
اتسعت عيناها بدهشة لما تراه أمامها قائلة : أهذا .. القصر ؟
نظر لها بابتسامة ثم نظر أمامه قائلا : نعم ، ما رأيك ؟
: مدهش ...
: نعم ، افضل من قصور الأميرات ...
" القصر هنا منذ اكثر من ستون عاماً ، يوم احترق القصر احترق ما حوله ، ماتت الأشجار ، وهربت الحيوانات ، وكان يجب للطبيعة أن تتحرك ، وشاء الله ان تمطر السماء مطراً غزيراً ، أطفأ النيران تماماً ولكن ما حول القصر كان قد احترق فعلاً ، ولكن الطبيعة لم تتوقف ، والغابة لم تيأس ، نبتت الأشجار مجدداً ونمت البذور ثانية ، أحد تلك البذور كان من القصر نفسه ، نبات احضروه معهم ، لا اعرف كيف ولكن يبدو أن أحدى بذوره نجت من الحريق ، تلك النباتات المتسلقة ، نمت وتغذت من الغابة ، وحولت القصر الذي في خيالك إلى ما تراه الآن ... ، الطبيعة لا تلعن أحدا في العادة ... الطبيعة تُجمل فقط ..."
تردد صوت العجوز في عقله وتردد صوته هو في أذن زوجته ، والحديث نفسه يتكرر....
.
.
.
.
غربت الشمس وتوقفوا عن السير ، خيموا بمكانهم ، دخل كل من سعيد وكامل الخيمة ليناما بينما هشام ظل بالخارج ينظر حوله بسخط ، تشاجر معهما منذ قليل ، وكاد يتقاتل هو وسعيد الذي خرج غضبه عن السيطرة بسبب أفعال هشام الحمقاء ...
ظل جالسا بالخارج ينظر حوله بصمت حتى سمع صوت صراخ امرأة ، التف حول نفسه بفزع ليرى هيكلا أسود يتحرك بسرعة بين الأشجار ..
ارتعش جسده بفزع : اللعنة عادت !
ركض للخيمة بسرعة ايقظ كلاهما : كامل استيقظ هناك أحد بالخارج سمعت صوت صراخ ، استيقظ
ابعده كامل قائلا : توقف هشام لن اصدقك ، أعرف أنك تهزأ بي ..
: انا جاد هذه المرة ، استيقظ .... سعيد ، سعيد رأيت طيفاً اسود بالخارج انا متاكد اقسم لكما ، استيقظا قبل أن نموت هنا !
دفع سعيد الغطاء قائلاً : هشام أنت هنا كي ترشدنا للطريق ، كونك تعرف عن هذه القصص وعن وصف مكان القصر ، لست هنا لتفزعنا وتسخر منا ، أنا حقاً لـ....
توقف حديثه حين سمع ثلاثتهم هذا الصوت مجدداً ... أنثى تصرخ !
انتفض كامل واقفاً : سمعتماه ؟
وقف هشام مرتعداً : اخبرتكما لم اكن اكذب هذه المرة !
ابعد سعيد الغطاء تماماً هو أيضاً وقام قائلا بخفوت : وماذا لديك عن هذا ! ، هل هذا يحدث هنا عادةً ؟
هز هشام رأسه : ليس هناك اي شيء عن صراخ أنثى ، لا أدري شيئاً عن هذا ! ، نحن اول البشر الذين دخلوا هنا بعدما لعنت القصر
ندب كامل : وليتنا لم ندخلها ، يا ويلتنا لن نخرج من هنا
زجره سعيد : فكرا قليلا ، ربما هناك امرأة بالخارج ، ربما هي في مأذق !
هشام : لا أحد أبدا يدخل هنا !
حمل سعيد عصاة غليظة : حسناً ، لن نعلم ما هي حتى نخرج إليها !
عاد كامل للوراء قائلاً : ماذا ! ، نخرج ؟
التفت اليه بحدة : وهل لو بقيت هنا لن تؤذى !! ، توقف عن التصرف كالنعام ، هيا !
.
.
.
.
بعد الغروب عم سكون يتأمل المكان الذي هرب منه الرعب وترك فيه الجمال والسكينة يتبختران على أرض الواقع ، نظر لها قائلاً : لماذا ارتديت النقاب لا أحد هنا ؟
هزت كتفيها قائلة : ربما أحدهم في الغابة من يدري ؟؟
ضحك قائلاً : لا اظن هذا !
نظرت حولها بسعادة قائلة : تعرف ماذا اريد الآن ؟
: ماذا ؟
: أريد الركض ... ، المكان حقاً رائع ..
: حسناً إذا فلنركض !
: فعلاً ؟
: نعم ماذا في الأمر ، لا أحد هنا !!
: حسناً ، ولكنني سأسبقك ..
ضحك قائلاً : لا اظن ذلك ، ليس لهذه الدرجة
: حسناً فلنر أيها الواثق !
انطلقت تركض وتركها هو تسبقه ، فهو وبالرغم من سرعتها يظل الاسرع ، توقف ففتحت ذراعيها وانطلقت تصرخ بسعادة ، ولكن الصوت الحاد قد يرعب آخرين !!....
ضحك زوجها قائلاً : اظنك سعيدة ! ، لهذا تصرخين ؟
صرخت مجدداً ثم قالت بحماس : المكان مدهش ، إنها رائعة لا شك أن أبي وعمتي يحبونها !
نظر لبقايا أشعة الشمس تنسحب بروية قائلاً بابتسامة : معك حق ، المكان مدهش .....
.
.
تقدم سعيد يعقبه هشام ثم كامل بالخلف ، يتلفت حول نفسه كل دقيقة تقريباً ، يرتعش خوفاً مما قد يحدث ، أخذ سعيد شعلة واعطاها لهشام حيث ان الشمس تلقى اشعتها الاخيرة ، ثم اكمل طريقه حاملاً العصا ..
: لماذا لم نأخذ مسدساً ، سيكون أفضل !
همس هشام فأجابه سعيد : لا اجيد استخدامه ، وكامل مصاب ، ولا اظنك تستطيع استخدامه أيضاً ...
: نعم لا اجيده ..
: لا تقلق كل شيء سيكون بخير !
شق الصراخ الغابة مجدداً ولكن هذه المرة بصوت كامل ، التفتا إليه بسرعة ، فأشار إلى ظل اسود جوارهم ، اطول من الانسان بقليل واعرض بقليل أيضاً ...
نظر له سعيد بتأهب بينما قال هشام بعدما التقط انفاسه من الفزع : هذه مجرد شجرة ! ، ارعبتنا يا أخرق !
ركز سعيد بصره ليجد انها بالفعل كذلك ، نظر لكامل بسخط ثم حاول تجميع شتات نفسه ...
.
.
.
ابتسمت رهمة بسعادة وهي تنظر للأشجار ، ولكن قطع هو تفكيرها قائلاً : أظلم المكان جدا .. لنعود قبل ان نفقد الطريق ..
: معك حق ، هيا ...
وحين وصلا على أطراف الغابة سمعا الصراخ ، فامسكت بملابسه تكتم صراخاً لو تركت له العنان لافقد كلاهما السمع ! ، ارتعشت خوفا ، فامسك بيديها قائلاً : سأعود لارى ماذا هناك ، ارجعي انت للمنزل
: لا لا تعود إلى هناك بمفردك ! انت لا تعرف الغابة حتى !!
: لا تقلقي !
وبينما هما كذلك اقترب منهما ضوء ما ، نظرا له ليجدا العجوز تقترب حاملة مصباح ما
آدم : جدتي ، لماذا أتيت ؟
: سمعتما الصراخ ؟
: نعم ، سأذهب لأرى ماذا هناك ..
: انت لا تعرف الغابة
هتفت رهمة بخوف : أخبرته هذا لم يصغ إليَّ
العجوز : عودا للمنزل انا سأذهب
: لن اتركك بمفردك سأتي معك ، عودي انت رهمة
: سأخاف البقاء بمفردي
: حسناً تعالي معنا !
العجوز : ألن تتوقف عن العناد ؟!
: لن أفعل ، دعينا نرى ماذا هناك ...

الغابة الملعونة_آلاء شعبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن