الجزء الاول-

9.1K 309 21
                                    


1- ذكرياتنا خالدة

استيقظت مرغمة بعد ان سمعت طنين الممرضات من حولي
وماان انتهين من الفحصوات اليومية حتى خرجن مسرعات
بابتسامات كبيرة تعلو وجههن وتمتمات بالشفاء العاجل ويوم سعيد!!
سعيد!!
نعم ربما يكون يوما سعيدا !!

ياترى كيف يبدوا ذلك اليوم عندما يكون يوما سعيدا!!

التحفت بنفسي وقدت خطوات بائسة نحو المنضدة
ياالهي ياله من كرسي مريح للغاية
لقد ساعد ظهري المقوس من النوم الطويل و
لساعات لاتعد ولاتحصى وانا احاول ان اتجنب التقلب كعادتي في سريري
مددت يدي وانا احاول الكتابة مرة اخرى
الكتابة بالقلم ههه
تبدوا فكرة سخيفة وانا التي قضيت معظم ساعات حياتي الماضية بالطباعة على الحاسوب
لكني اصريت ان ارحم نفسي في ساعاتها الاخيرة
او ربما اني ساعيش لفترة اطول كما املني الاطباء هذه المرة
نظرت الى افق نافذتي المشرعة
كان الهواء منعشا للغاية
والسكون يعم الاجواء انها الساعة الحادية عشرة صباحا
نحن في شهر ايلول
احب تقلبات هذا الشهر والنسمات الباردة التي تطرق ابوابه

كان هناك عصفورين يبنيان عشهمها على شجرة ربما في باحة المستشفى امام نافذتي
لا اراها قريبة مني لكني اسمع تغريدهما الممتع المثير للشجون
اه يالله كم اشتاق لصخب بغداد
كم اشتاق لتلك الاوقات التي كنت اشعر فيها بالحياة
وضجيج المارة
وبيت جدي الذي عشت فيه
اه كم من حسرة يعيشها الانسان يظن ان بمقدوره تغيير قدره اينما وكيفما يشاء ولكنه في الحقيقة يقضي معظم حياته حبيس ظروفه الراهنة
نعم نحن سجناء تلك الظروف والخروج منها يتطلب الكثير من القوة والشجاعة والتضحية
رفعت راسي والقيت نظرة خاطفة على وجهي الشاحب
ازعجني وجود المرأة امامي
فزحفت نحوها ورفعتها بما امكني من بقايا قوتي وقلبت وجهها على المنضدة
لكن صورتي المنعكسة بقيت في ذاكرتي
اني لا اشبه امي ابدا
مع اني كنت امني نفسي باني كنت توأما لها
على العكس كل ملامحي تختلف عنها تماما
كانت امي امراءة ضئيلة مرحة ملئية بالحياة والطموح
حسنا انا لا اذكر عنها شيئا على الاطلاق الا مارايته عنها في افلام الفيديو
فقد فقدتها وانا في الثالثة من عمري
عندما توفيت بسرطان الثدي وغادرتنا وهي صغيرة السن للغاية لم تتجاوز الواحدة والثلاثون من عمرها
في العام 92
لم تستطع مقاومة المرض الذي التهم جسدها النحيل بكل ماااوتي من وحشية
الم يجد ذلك المرض الا جسد امي الغض الصغير!
كانت امراء ناعمة الملامح والجسد
زوجها الاول احتفظ بالكثير من التسجيلات الصورية لها
الا انه وبعد طلاقها منه سلمها جميع ذكرياتها معه
وبقيت تلك التسجيلات في بيت جدي
وقد عشت اوقات طفولتي وبداية شبابي على هذه الاحداث
حفظت التواريخ والحوارات التي كنت اسمعها واراها
وكنت اردد ما كانت تقوله وتذكره
كنت اتغذى عليها واطعم ذاكرتي وعاطفتي من هذه الفديوات
الا اني لا اجد لي معها سوى صور صامتة بلا حياة
فبعد ولادتي ببضعة اسابيع توفيت شقيقتها الكبرى
ولانها كانت تعلم بقرب وفاتها اسمتني على اسمها
ويقال انها سعدت كثيرة قبل ان تموت باني حملت اسمها مرة اخرى

هيلانة دجلة والفرات للكاتبة ليان عيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن