الجزء التاسع عشر

1K 95 11
                                    


عائلتي
19
العائلة هي كل مايتبقى للانسان بعد ان يتعلم كيف يعصف به الغرباء عندما يكون وحيدا
هكذا يجب ان تكون
وهكذا قرأنا او ربما أخبرنا
لكن الحقيقة مختلفة
مختلفة تماما عن الواقع
فكم من اب لايعرف عن اولاده شيئا
واخوة لايعرف احدهم عن حياة الاخر خبرا
فلايبقى من مضمون العائلة شي سوى الاسم
واحيانا يتمنى الكثير زوال هذا الاسم حتى لايرضخ تحت تعذيب الضميروتانيبه
لكن من هذا الذي يرغب ان ينزع جلده عن نفسه!!
الا ذلك الذي احترق وصار مشوها وارد ان يلبس جلدا جديدا
بعيدا عن وغزاتهم وعن الم الاحتراق قربا لهم!!
كيف تتحول العائل من سكن وبيت وامان وطمانينة الى غول نهرب منه طلبا للنجاة!
بقيت انظر الى ماتبقى من عائلتي
كنت اراهم السند الوحيد لي في هذا العالم
اذ غدربي كثيرا
وماعدت ارى احد سواهم
خالتي وبسام ومصطفى

اخي الذي لم يرفض لي طلبا لكنه ايضا لم يكن بقربي كالسابق
في ايامنا هذه لا نستطيع ان نلوم احدهم على ابتعاده عنا او اهماله
فهذه الحياة اصبحت مجنونة
وصرنا نسايرها حتى لايضرنا جنونها
نجري كأن خلفنا هوة ان لم نهرب منها ستبتلعنا ونضيع في الفراغ
فراغ ودوامة
نعم كاننا نعيش اليوم في عصر العولمة هذا دوامة اما ان تلتحق بها وتجري مثل الجميع كي تعيش او تتخلف عن ركبهم فتموت وحيدا جائعا بائسا

في ذلك اليوم الذي زارني به بسام
كنت سعيدة جدا لزيارته
اشعرني اني عائلته
وسنده
وكنت اتمنى لو اني شعرت بذلك ايضا
ووددت مفاتحته عن المكالمة التي جاءت لي من بغداد قبل ايام
وكانت تخص حياتي الشخصية القادمة
عندما نخرج للسينما
لكن ذلك لم يحصل
فبعد ان قضينا وقتا ممتعا غصيرة ذلك اليوم
بل كان لطيفا ومبهجا
اذ ذهبنا الى اماكن متعددة وختمناها بمشاهدة فلم الانيميشن كوكو
الفلم كان بغاية الروعة يصور لنا الحياة الاخرى كاجمل ماتكون
حتى اني تمنيت لوهلة انها حقيقة الا اني تذكرت ان الله وعدنا بما لارات عين ولا نفس اشتهت!
كانت ثريا تتحدث معنا الفرنسية بين الفينة والاخر!
وعند تناولنا العشاء
اردت ان اتلاطف معها فاعلنت انها ليست لوحدها من تجيد هذه اللغة هنا اذ اني اجيدها ايضا!!
فايدني بسام وابتسامة كبيرة تعلو وجهه وهو يعرف اني قصدت الايقاع بها
فسالتني عن المفردات التي اعرفها
فقلت مقتبسة من مقطع لمسرحية الواد سيد الشغال للمثل المصري الشهير عادل امام
فرانوسا ميتران
فابتسمت هي متطلعة لي ولبسام وكانها تسال ماذا يعني ذلك

الذي انفجر ضاحكا واطلق مفردات اشتهر بها الممثل الرائع
ثم علق بعدي بسام
--نبيلة اتذكرين شحيبر!!
---لا كالابالا اجبت انا
ثم صرنا نستذكر هذه الكلمات ونقهقه عليها عاليا
وثريا مبتسمة تائهه بين كلامنا دون ان تتوقف عن الطعام
وصرنا نردد كل الجمل الشهيرة لمسرحيات حفرت في داخلنا كانها جزء من ثقافتنا القومية
وهنا سالتني سؤالا عفويا ان كنت املك سيارة!
فاجبت بعفوية انا ايضا وكانت الابتسامة لاتزال مرسومة على فمي
اني احتجت للمال فاضطررت الى بيعها
حينها انفجر وجه بسام محمرا من الخجل
ابتلع ريقه واصبح ينظر الي شزرا
لم افهم منه شيئا فبقيت صامتة
حين علقت ثريا تلومه بسام بوجوب مساعدتي وهو يملك الكثير الان
فاجابها على مضض
اني لست بحاجة الى مساعدته
فالعائد من املاك عائلتنا الثرية في العراق تفيض عن احتياجاتنا
وما ان انسحبت ثريا حتى بادر هو الى شد ذراعي بقوة نوحه موبخا اياي على تلك الجملة
متهما اياي اني حاولت ان انتقص من شانه
في حين كذب هو عليها حين قال ان الاوضاع السياسية السيئة في البلاد هي التي حالت دون وصول الاموال الينا
ادركت ساعتها ان قد اوهمها
باننا من اصحاب العقارات التي تدر الملايين!!
وماان انتهينا حتى جذبني اليه مرة اخرى ونحن نهم الخروج
اراد ان يحذرني او ربما اراد ان يطلق عباراته المزعجة
وقبل ان يقول شيئا انسحبت ولم اسمح له ان يكمل كلامه معي
بل اني اعتذرت وتركتهم
وفي الطريق اصطدمت بي طفلة صغيرة لاتتجاوز السادسة وهي تصرخ
ابي ابي
كان قد جاء ليوصلها الى المنزل
وضعت يدي في جيب الجاكيتة الخفيفة التي كنت ارتديها واسدلت شعري حتى تغطي خصلاته عيني التي غرقت في دموعها
ذكرني ذلك بكلام خالتي حينما تشاجرنا وكانت لاتنفك تعايرني بابي الذي لم يكلف نفسه عناء السفر ليطمان علي بعد الحادثة
فبعد شجارنا انا وخالتي نور
انهارت هي في البكاء من جراء تجريحي لها
وكم ندمت على ذلك بعد حين
تركت انا المنزل وخرجت هاربة من تازم موقف المواجهة بيننا
كان الجو باردا جدا في عمان
وبردوته كانت تؤذيني للغاية كانت تؤذي مفاصل الالام والكسور التي تعرضت لها
صرت ابكي وانا اسير في فراغ الشوارع التي لم يسكنها سوى حفيف الاشجار
وكلما هبت نسمات باردة تجمدت اوصالي
الشي الوحيد الذي حافظ على حرارته ساعتها هو وجهي فقد سالت دموعي ودفاءت وجنتي
كنت ابكي وانا اهيم في شوارع خالية بلا اناس
اهيم لوحدي
وانا اتسائل عما يحدث لي
اكلم الله تارة واكلم نفسي تارة اخرى
عادت الي حينها كل الذكريات الاليمة التي اردت الهروب منها
صورة امي وجدتي
امي ذلك الوجه الحزين الذي غيبه الموت عني
وجدتي التي افنت حياتها كي تنقذني منه
اتصلت اخيرا بابي
في حين كان الوقت متاخرا قارب الساعة الواحدة صباحا
فرد علي مستغربا لهذا الاتصال وصوته ثقيل بالكاد تخرج منه الكلمات
كان يبدوا واضحا انه نائم
لم استطع ان اقول له شي
مع اني كنت قد اقسمت اني سافرغ مابجعبتي نحوه
وكنت ساقول له
اي اب انت!! ارد ان ابدا كلامي
في حين ظل هو يسالني ان كنت بخير
هل الجميع بخير
تباا لتلك للدموع الحقيرة التي منعتني من الكلام
اردت ان اخبره
ان امي لم تمت بسبب مرضها
بل بسبب خيبة الامل والصدمة والخذلان
انها ماتت بسببه
عندما هربت من الجنة لتضيع في جحيمه!!
اردت ان اخبره اني لا ااعرفه كاب واني طوال عمري كنت اشعر باليتم
اردت ان اعاتبه اي اب انت
اي اب هذا الذي لايركض مهرولا عندما يعرف ان ابنته قد فقدت زوجها وانها بين الحياة والموت بالمستشفى!!
لم تزرني يا ابي الا في يوم خروجي من المستشفى
والعار الذي اصابني عندما همست باذن خالتي ان كانت بحاجة الى المال فلتطلب من مصطفى او بسام اذا انه يفتقر لذلك
احقا كنت تهرب خوفا من دفع مصاريف العلاج!!
اهكذا
هل حقا تعتبرني ابنتك
ومن من!!
من هي امي!
اولم تكن تلك حبيبتك الاولى
اولم تكن زوجتك الغالية
الا اكون مجرد ذكرى منها لك لتحافظ عليها
لا طبعا
هذا كلام قد فارقته انت ومن مثلك من البشر
لايعرفون من معنى الوجود والحيوات سوى الماديات والملموسات
الزوجة التي تشبع رغائبك
والاموال التي تكتنزها بكل طريقة ممكنة
الى اين !!
الى اين ياابي تريد ان تصل فلا انت بالرجل السعيد ولا الميسور
لذلك كنت اتمنى بل ادعوا الله ان يمحو كل الاغبياء من على هذا الوجود
الماديين الذين لايرون في الانسان وحضارته الا مايرونه باعينهم!!
اغلقت الهاتف في وجهه
دون انطق اي شي
وجدتني غير قادرة حتى ان اوجه اليه اللوم
كنت اشعر بغرابة شعور نحوه
كانه سنام نما فوق ظهري يثقل كلما مر الوقت واتمنى ان استصاله باي ثمن!!
عدت للمنزل باكية
واندسست في فراشي
ولم يوقضني سوى رنين الهاتف في الصباح الباكر
وكان من المنظمة المعنية بشؤوون سفري
وهكذاكما علمت خالتي وانباتني قبلها بيوم
جاءني موعد سفر
لكن ليس الى كندا انما الى الولايات المتحدة
ولاني احمل تلك الموروثات الحقيرة كان علي ان اثبت اني من تلك السلالة البائسة
لم احتفظ لنفسي بشي من الخبث الا واظهرته
صرت احادث خالتي وانا اجمع اغراضي بانها حقا ساحرة تعرف كل شي
بل انها ساحرة من الدرجة الاولى
فقد علمت قبل الجميع وحتى قبلي ان موعد سفري قريبا
ثم سخرت منها ان عليها ان تعمل منجمة
او كما نطلق عليها فتاحة فال
فذلك سوف يدر عليها الكثير من الاموال
وسيساعدها بذلك وجه الساحرات الذي تمتلكه فهي لاتختلف عن اي مشعوذه مرت علي!!
وصرت اضحك واقهقه عاليا

في حين اكتفت هي بالنظر الي من بعيد
ثم دعت الله ان يهديني

لم اكن اعرف حينها انها كانت من تلك الارواح الشفافة التي لانستطيع نحن ان نعاملها بالقدسية التي تستحقها
ودعتها بعد شهر وانا احضنها واقبلها
اذ شعرت رغم سوء علاقتنا اني لن اراها بعد الان
نعم في داخلي كنت احبها جدا
لكني لااعرف لم كنت قاسية معها الى هذا الحد

وبدات رحلتي في عالم مختلف
من اقصى الشرق الى اقى الغرب
رحلة تختلف تماما عما كنت اتصوره
لكني حينها تمنيت قبل ان ارحل ان لو استطعت ان اودع العراق ان اودع دجلة حبيبي
والفرات والفرات قبل ان ابتعد تماما
لكني لم استطع
بكن صحتي لم تسمح لي بذلك
اذا كانت تسوء
وتسوء
وبعد مغادرتي عمان عادت خالتي الى العراق
كانت تشعر بالم فراقنا اذ تركناها جميعا

وبالتاكيد اني يومها لم استطع السفر دون ان اتصل بميثم
كنت اشعر بالامتنان له اكثر من اي شعور اخر
اذ لم يتركني لوحدي هناك
كان يحاول دائما ان يلمح لي بحبه القديم
احيانا كنت احن لتلك الايام واكاد اصفح عنه
ثم اصطدم مع نفسي مرة اخرى وبتاكيد سرى لما كنت اخشاه
كانت دائما تذكرني بما فعله بي
فكنت اعاود كتم مابقلبي
صراعا اخر كنت اعيشه
فاعود واكرهه
ثم اعود واحن اليه
فحين كان يتصل بي ليطمان علي ابقى لعدة ايام استذكر تلك المكالمة واردد كلماتها بين نفسي
ثم اشعر بالحزن لانها ليست الا حالة مؤقتة
التقيت به عدة مرات عندما كان يقضي لي بعض حوائجي من المعاملات الورقية
وكان هو من قام بتجديد جوزاي
الا انها كانت مرة واحدة التقيت به صدفه في مكة مول
اذ جاء نحوي مبتسما
كنت في الطابق الثاني اتجول بمفردي واتطلع الى وجوه الناس مرة والى الارض مرات اخرى
وقفنا على الجهة التي تطل من اعلى الى البهو الداخلي ثم اشار الى شهد هي واطفالها حولها كانت تنتظره في الاسفل دون ان تعرف انه جاء وصعد الى الطابق الثاني عندما لمحني اصعد السلالم الكهربائية
نظرت اليها كانت قد ارتدت الحجاب ونحفت كثيرا
وبعد ان مضى
لحقت بهم واقتربت منها
فوجدتها لم تكن هي شهد نفسها
كان وجهها شاحبا حزينا
لاتفارق عينيها طفلتها المريضة
وكم كانت طفلة جميلة
لا اعرف لم شعرت براحة ما تسري اعماقي
لا ااعرف لماذا رغم اني شعرت بالاسى لما تعانية الطفلة
ولكني احسست بلذة الشماته والانتقام
انها ليست سعيدة
لقد كانت تعاني
ان هناك شيئا ما ينغص حياتها
نعم لسبب ما او ربما لاني امتلات بكلمات سرى ان هذا كان انتصارا
حتى وان لم يكن لي فيه يد فهو انتصار!!
وان عليها ان تذوق نوعا من المعاناة
ربما سنفع الندم حينها ان تتذكر مافعلته بي

هيلانة دجلة والفرات للكاتبة ليان عيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن