خيبة امل

2.9K 171 9
                                    


2


2-خيبة امل

غدوت اشعر بالارهاق سريعا
كل شي من حولي يبدوا مرهقا
لا اعرف حقا ان كان بامكاني ان استمر طويلا
او ان اغفو للابد
جرعات الكيمياوي اصبحت تمتص اخر رمق بي
لا اعرف
لا اعرف حقا ان كان علي ان اتمسك بالحياة
او ان امضي قدما
فانا اشعر الان باني خاوية
نفس خاوية وفراغ كبير
حتى يمكن للمرء ان يشاهد ذرات الغبار المنعكسة من الشمس على عظامي وهي تتكسر ببطئ
لم يعد هناك فرقا كبيرا بين الصباح او المساء
يمر الوقت وانا انظر للسقف
او اقلب القنوات المائة بعد الاخرى
الى ان يمضي يوم بعد اخر
وانا مستلقية على فراشي كطفل رضيع ينتظر ايامه سريعا كي يحبو ثم يسرع بالمشي بخطوات مترنحة
كانت
الساعة التاسعة ليلا
عندما دخلت الممرضة واحضرت لي العشاء
في حين لم اكن قادرة على ان احرك حتى اصبع قدمي الصغير
تكلمت بضع كلمات فاشحت بوجههي
كنت متعبة للغاية لم ارغب بان اسمع المزيد
ف طلبت منهم ان يعطلوا الضوء وان يجعلوه خافتا
ودخلت اخرى خلفها وهي تجري الفحص الدوري على الارقام التي تقراها الاجهزة
لم ارغب بالنظر الى اي منهن حولي
بينما كن يحاولن ان يلاطفنني
والتقت عيني بزهور متفتحة وضعت على الجانب الاخر من السرير
حتى الزهور تبدوا اكثر حياة مني
واكثر بهجة وهي في ساعاتها الاخيرة
لم تمض بضع دقائق حتى اتتني نوبة اعياء شديدة
لم اعد قادرة
افرغت كل شي
حتى اني لاشعر ان اجزاء من معدتي تخرج مع القيئ
واجزاء اخرى التفت حول نفسها لتعصرني اكثر
سقطت على ارض الحمام وانا احاول ان لا افقد الوعي وسط محاولات الممرضات ان يدعمني بكلماتهن التشجعية
طال الامر كثيرا
وتقيات حتى ايامي
ولمحت وجهي الغريب في المراة وانا اتلوى
انا التي كنت اتجنب النظر الى اي انعكاس يريني شكلي الحالي
لقد فقدت شعري تماما
لقد اصبحت اسوء بكثير
تذكرت حينها اول مرة رغبت فيها ان اقص شعري
كان ذلك
في عام 99
عمري حينها عشرة اعوام حين قررت في احدى ايام الصيف اللاهبة في بغداد
في منزل جدي حيث كانت جدتي تجلس على الاريكة الكبيرة وسط الصالة الرئيسية
امام التلفاز بالقرب منه
تقطع له بعض الفواكه الى قطع صغيرة جدا حتى يتسنى له مضغها بعد ان فقد بفعل مرض السكر معظم اسنانه
كان المنزل يعبق برائحة منعشة وهواء بارد يحيط بالمكان
اقتربت منها وجلست على حافة الاريكة البنية اللون ذات الملمس المخملي
فضمتني بابتسامة وهي ترفع نظاراتها الكبيرة
---مذا تريدين ياحلوتي
---اريد ان اقص شعري
---مرة ثانية !! الم ننتهي من هذا الموضوع
رفعت عيني الى تلك الصورة الكبيرة المعلقة وسط الصالة
كانت لامي وهي تضع يدها تحت ذقنها
كانها لوحة مرسومة بفعل الرتوش التي اضافها المصور
كانت امي تبدوا مختلفة
جميلة جدا بشعر قصير وكثيف وعينان واسعتان ملا بالرموش
وبابتسمة خجولة
كنت اريد ان اشبهها باي طريقة
عادت جدتي الى ماكانت تعمل وهي تكلمني بصوت منخفض
ان لي شعرا جميلا وطويلا
وانها لا ترغب في ان اقصه ابدا
ثم رفعت راسها واشارت الي بالسكين الصغير ان علي التوقف عن مشاهدة الكثير من افلامها القديمة
تعني افلام التصوير
لكني بدل ذلك انسحبت غاضبة وعدت مرة اخرى الى غرفة مصطفى حيث جهاز الفيديو قد وضع هناك
واعدت الشريط مرة ثانية
كان عمو صباح يبدوا وسيما للغالية لم يكن طويل القامة فالفرق بينهما كان قليلا
وشقيقتي ريم تبدوا جميله وسعيدة
كان الحياة تبدوا باللون الاحمر والبرتقالي
صباح زوجها الاول
تزوجته بعد قصة عشق اسميها بالفاشلة
حين احبت ابن جارها لسنين
واصابها بخيبة امل
بعد ان رفض اهله التقدم لخطبتها
لتمر الايام بعده سوداء كاحلة ليتقدم صباح ويخطبها
كان قد اعجب بها في اول مناسبة التقىيا فيها
لكنها كانت تخشى الموافقة
وبعد ضغط من العائلتين تزوجت منه
وسافرت معه الكويت بعد شهر عسل سريع
كان ذلك عام 83 وسكنا منزلا جميلا هناك
يبدوا كبيرا وفيه الكثير من اللمسات الهندية
وتبدوا امي كفراشة بتلك الملابس الواسعة العريضة التي كانت ترتديها بحذاء ذو كعب عالي
وهي تنتقل من موقع الى اخر من غرفة الى اخرى وه يتتبعها ويشير اليها ان تتحدث
كانها تعمل تقريرا تلفزيونيا بكثير من الضحكات وطلب للاعادة
كان يقبلها من خدها كلما اقترب منها
واحيانا كثيرا كان يترك الكاميرا ليجلس بالقرب منها
وتبقى عين امي في تلك اللحظات الاخيرة مثبتة على الكامرا تحكي ماكانت تحاول ان تخفيه
كانها ترسل رسائل مشفرة
حملت بشقيقتي ريم بعدها بعام واحد
على الرغم ان زوجها كان يكبرها بعشرة اعوام
الا انهما كانا يبدوان لايقين على بعضهم كما تقول الجملة المصرية
فكانت امي طفلته الاولى المدلله وعندما علم بموضوع حملها
سعد بها كثير
بل وطار بها الى لندن حيث ولدت ريم هناك وقدمت والدتي للعمل في هيئة الاذاعة البريطانية الا انها عادت بخيبة امل اذ انها لم تنجح في الاختبار
ومن هنا كانت بداية النهاية بينهما
عندما عادا للكويت مرة اخرى اصرت والدتي ان تكمل تعليمها وان تقدم للعمل في الاذاعة الكويتية
لكن زوجها رفض ذلك بحجة الاهتمام بالطفلة
جن جنون والدتي وشعرت انه تم خداعها
مع اني لا ارى ذلك حقا ربما كان محقا في قراره
لم يكن حينها وقتا مناسبا لترك طفلة والبحث عن عمل
فاستمرت المشاجرات بينهم
حتى انها تركت المدينة وعادت الى بغداد
الى بيت جدي رغما عنه
كان ذلك في العام 85 ولم تعد بعد ذلك
وكان الطلاق
حاول صباح زوجها الذي كان يعشقها لحد الجنون ان يثينها عن ذلك وان تتراجع عن الطلاق
حتى انه ساومها على ابنتها
فتخلت امي عن ريم وهي لاتزال صغيرة جدا لم تتجاوز العام والنصف
فاخذ ابنته وغادر بها الى بريطانيا ليعيش هناك مع شقيقته التي تكفلت برعاية شقيقتي الكبرى
وفي نهاية ذلك العام اصيبت العائلة في حينها بنكبة اخرى وهي استشهاد زوج خالتي الكبرى نبيلة تاركا خلفه زوجة مصدومة وصبيا واحدا في عمر الخمس سنوات

هيلانة دجلة والفرات للكاتبة ليان عيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن