هيلانة دجلة والفرات للكاتبة ليان عيسى

الجزء الثامن والعشرون

28
في محطة المترو
نهاية القصة
تهت في الطرقات وانا اهرب من صفاء ظنا مني انه سيلحق بي
لكني عبثا تاملت
اذ تركني ومضى لا اعرف الى اين
فشعرت بخيبة امل جديدة
بقيت جالسة في احدى محطات المترو
شاردة الذهن
يمر احداها تلو الاخر
يتوقف ويتبادل الركاب ادوارهم
دوان ان يلتفت لي احد
كنت وحدي تماما
حتى دق منبه هاتفي الساعة التاسعة مساء موعد تناول دوائي
انفجرت باكية وانا اضم راسي بين يدي
حينها انعدمت الاصوات من حولي
بل اني لم اشعر برنين الهاتف قربي
مضى بعض الوقت حتى هدات
كان المارة قد ملاوا المكان
معظمهم يحني راسه على هاتفه
واخرين يحدقون في الفراغ
تخيل لي اشاهد فيلما عن الصاحين من الموت
الهاربين من الحياة
كانهم اشباح
او هكذا خيل لي!
ياالهي
ماذا فعل بنا الاثرياء!!
ماذا فعلوابنا
صرنا عبيدا الكترونيا من لحم ودم
لانستطيع ان نرى الا ماسمحوا لنا
لا نستطيع العيش بدونهم
صاروا هم من يمدنا بالحياةّّ !
كاننا نموت لو انقطعنا عن شبكة الانترنيت لدقائق
نعم نحن صرنا عبيدا
لا ااعرف لم يظن البعض منا
لايزال يظن اننا احرار!
او نظن اننا احرارا حقا!!
انظري اليهم
يظنون انهم يعيشون ومعظمهم لاهي البال كل همه كيف يقضي راتبه القادم
لا
لا ابدا نحن لسنا احرارا
الم تقل يالله انتم عبادي
نعم نحن عبيد
وكل منا له الهه
انا مثلا اقول اني اعبد الله
لم اختر يوم ولادتي
وبالتاكيد لم يكن اختياري لابي شيئا متاحا!!
لم اختر لون بشرتي
ولا جنسي
لم يكن لي اختيار مكان ولادتي
اذن متى ولدنا احرارا؟
هل اخترت انا اقداري
هب اني اخترت الحياة
هل اخترت انا ان احمل الجينات المريضة!
لا ابدا
انا مرة واحدة ظننت ان كان لي الاختيار
حين اخترت حبيبا لي
وعندالسماء كتب هو لغيري
هكذا نحن
والان
نحن عبيد ثورة التكنلوجيا
من منا قادر على العيش بدونها
بدون الهاتف
مواقع التواصل
التلفزيون
وغيرها
اه

رن الهاتف مرة اخرى واذا به هو يتصل بي
صفاء!
تكلم معي بتلك النبرة المميزة الخاصة به
حين يكون متضايقا
او نكون شبه متخاصمين
نبرة باردة بصوت منخفض
كانت ترغبني به اكثر
تثيرني بشكل جنوني
تشعرني بقوته
فسالني عن دوائي ان كنت احمله معي؟
استغربت من سؤاله
اذ تصورت في اول المكالمة انه سيعاتبني
او ينهرني او ربما يسالني العودة للبيت او حتى عن مكاني
كنت اتصور سيتوسل عودتي
لكنه سال عن موعد دوائي
فاجبته اني تركته في المنزل لم اكن احسب اني ساتاخرخارجا الى هذا الوقت

ثم عدت لاساله انا بدوري
كيف عرفت انه موعد دووائي؟
فاجابني بلا مبالاه انه قد وضع منبها له لبجميع مواعيد ادوتي
صمتت
وشعرت بغصة بقلبي
ووخز باطراف اناملي!!
اولايطلقون على هذا حبا!!
او ليس هذا معنى الحب
انه كذلك بالتاكيد
ثم اخبرني انه قادم ليحضر الدواء وطلب مني مكان تواجدي
فقلت له اني تائهه في محطة المترو المرقمة 565
وانا احاول منع دموعي وحبسها بين مقلتي
فقلت في ختام مكالمتي
انا احبك ياصفاء
كل خلية في جسمي تصرخ لي لاخبرك
انها تحبك
صمت ولم يرد
صمته هذا افقدني توازني مرة اخرى
فاجاب انه قادم خلال بضع دقائق
جاءني وهو متجهم الوجه
لمحته وهو ينزل السلالم
مع قدومه صار المكان مكتظا
اذ للتو وصلت احدى القطارات
وقف بالقرب مني
وبقيت انا محنية الراس تشابكت يي بين ارجلي
ادقق النظر على ارضية الرصيف
حاولت ان اجعله مشهدا دراميا
كالتي كنت اقراها في القصص او اشاهدها في الافلام
كنت اريد كتابة سيناريوا خاص بنا
فتخيلت مد يده لي
لكنه عوضا عن ذلك اقترب وجلس
واخرج سيجارة لكنه لم يشعلها
كان يبحث عن علامة منع التدخين ان كانت متواجدة
ثم سالني
---هل انت بخير
---اجل
لا ادري ربما
---لاتعلمين شيئا
---ماذا تعني
استدار نحوي ونظر لي
وضع عينيه في عيني
ودقق بهما وراح يزفر فعلمت انه سيوبخني
---هل اعجبك منزظرنا وانت تهربين مني
كفتاة مراهقة لم تتجاوز الخامسة عشر!!
تتصرفين كانك تعيشيين مسلسلا تركيا!!او ربما اعجبك ذلك من احدى الافلام
تصرفك كان غير ناضجا على الاطلاق
--وهل تعتبر تصرفك ناضجا عندما تتغزل باحداهي
من هي رفل !
امامي تعرف تاريخها اكثر مما تعرفني!
---اجل اعرف تاريخها جيدا
لكني لم اتغزل بها
وماذا ان عرفت تاريخها
انها مثار حديثنا كل الشباب
فتاة فائقة الجمال وحسنة الخلق اصبحت محط الانظار
يتحدثون عنها وانا استمع
وكنت
ياعزيزتي
اتحدث اليك
انت زوجتي
لانها ليست في بالي
انما
هكذا
اترين هكذا كنت اشركك الامر
كنت اريد ان اشاركك امرا ما
حتى وان كنت ترينه تافها!!
فمثلا يعني انت لاتتحدثين عن رجل فس حياتك سوى عمو صباح!!
هل سالت نفسك لم تتحدثين عنه هكذا!!
ربما صرت اعرفه اكثر مما اعرف شقيقتك ذاتها
انت يانبيلة
---انا ماذا انا مذا هيا قل
ياصفاء اريدك انت
انت من يفهمني
اني اغار عليك الاتفهم اغار عليك حتى
حتى من نفسي
!!
--ياللهي هذه ليست غيرة
يانبيلة انت مصابة بمرض غريب لا ااعرفه!
حبيبتي
انت لازلت تعيشين في عالم اخر
عالم والدتك
تتصورين انك هي وانت تعيشين حياتها مرة اخرى
احيانا لا اعرف اليوم ان كنت انت ام والدتك!
في الصباح
تكونين نشطة وسعيدة
تغنين الاغاني التي كانت تغنيها
تقلدين حركاتها
تماما كما وصفتها لي الف مرة
وتتخيلين انني صباح!!
وفي المساء عندما يداهمك المرض
تعودين لهيلانة
الفتاة الاخرى الصامتة التي تتالم بصمت
وتختبائين تحت ذراعي
تخافين من الموت وحيدة
ياهيلانة انا احبك انت لذاتك
لا اريدك ان تكوني كامك او كشخصية اخرى
اريد تلك الفتاة الطيبة الشفافة
ان تعيش حياتها هي
لاداعي ان تعيشي كل ماعاشته والدتك!!
كانت صدمة لي حين اخبرني بذلك
فقدت التركيز معه ويردد على اسماعي تلك اللحظات التي كنت اعيشها بعيدا عن الواقع
ان اعيشها كما عاشتها امي
ظلت جملته تتردد في اسماعي
--يانبيلة انت تكملين حياة امك مع صباح
تظنين انها ماتت من الندم
فتريدين ان تعيشي حياتها هي لو بقيت مع عمك صباح!
لايمكن ذلك ياعزيزتي
لقد انتهى
تركته وتزوجت والدتك
وانت ندمت على ذلك
فقد ماتت
رحمها الله
لم تعد تراقبك كما تظنين
هذه قصص كانوا الكبار يرونها لنا
هي ليست حقيقة
عيشي حياتك!
اريد ان اعيش معك انت
---هذا يكفي
انا لست كذلك
بلا انت
اولم تصري على ارتداء الثوب الخليجي الابيض في حفلة عيد ميلادك
ورحت تصفين الشبه بينه وبين ثوب والدتك
وصرت تمسكين يدي
بنفس الطريقة التي كانت والدتك تفعل ذلك
بل صرت تطلبين مني ان امسك يدك بنفس الطريقة التي كان هو يمسك والدتك
كنت اشر بالحون في داخلي من اجلك
كنت اشعر بالمرارة التي حبستها في نفسك
ولكن هذا يكفي لم تعودي طفلة صغيرة
يجب ان يخبرك احدهم
وانا بالذات
انهرت قبل اان يكمل كلامه وصارت دموعي تمتزج بحرقة مع صوتي
انا لست هكذا صدقني ياصفاء
انا لست
--هيلانة حبيبتي
اقسم بالله اني احبك
احب تلك الفتاة الحنون الطيبة التي كانت لي زوجة وام وصديقة
لكن عليك ان تتخلصي من الماضي
ان تتوقفي عن تلك الشكوك
عودي للحياة ياهيلانة
انظري الى نفسك
احصلي على اصدقاء جدد
عيسي الحياة ياهيلانة
--ليس كل من نعرفه يصلح ان يكون صديقا
---وليس كل صديق يجب ان يكون خائنا كشهد
انظري من حولك
انك وحيدة تماما لاتجيدين الصحب تظنين ان كل فتاة اتعرف عليها ربما تكون عشيقة او حبيبة
ليس كذلك
اننا نعيش في مجتمع كما ترين
كل شي مسموح
لايعني اني اكلم هه او تلك
تجعلك مجنونة لاتنامين الليل
ويجن جنونك
ذلك سيتعبك
بل سيرهقك
اعطني يدك
--الحياة كانت قاسية علي ياصفاء
---انت من عشت قسوتها بكل سعادة
ات من اغلق ابواب السعادة امامك
انت تستحقين حياة افضل
افضل بكثير مما رسمته لنفسك
اخرجي من قوقعتك
اخرجي من ذلك البئر
اهربي من سرداب الماضي
فالحياة كلها امامك
عيشي حياتك انت
قبلني وضمني اليه
ثم اخبرني توقفي عن البكاء هيا لا اريد ان ارى دموعك
يجب ان نحمد الله اننا سوية معا!!
اسمعيني ياحبيبتي
انظري للناس من ولك
ليس بالضرورة ان كل من نصادفهم او نعرفهم
هم مثاليون
يكفي انهم لايءذوننا في شي
هكذا خلق الله البشرية مختلفين بكل شي
لاتنفري من اي شخص يختلف معك في لبسه
او كلامه او طريقة تفكيره
فما يدريك لعله يتغير بين ليلة وضحاها
هيا قومي معي
دعينا نكمل سهرة اليوم
لا اريد ان نتخاصم ولا لمرة اخرى!
مضت ثلاثى اشهر دون اكتب
وها انا اعود للكتابة
يجلس بقربي صفاء وهو يبتسم
يريد مني ان اذكر كل كلامه كان سعيدا جدا عندما عرف بموضوع كتاباتي
وانا ايضا سعيدة بوجوده
صرت اراجع طبيبا نفسيا
وخضعت لبعض جلسات التنويم المغناطيسي

اصبحت افضل الان
صار عندي الكثير من الصديقات
صرن قريبات علي
تركت شعري الطبيعي ينمو دون ارتداء شعر مستعار
صرت اذهب لزيارة سرى التي فقدت شقيقها حديثا بسبب مرض عضال

وبالامس اشتريت اريكة بلون الفوشيا
بدل تلك الرمادية!

النهاية

صديقات الصفحة الاعزاء
ملاحظة صغيرة
انا كمؤلفة لتلك الروايات التي نشرت باسمي
اكتب بطريقة خاصة تختلف عن ما يمكن ربما اعتدوا عليه
فانا اكتب من الواقع
ومن حياتنا اليومية
تختلف عن قصص الاطفال والحب الخيالية
وفلان تزوجت فلان وعاشوا عيشة سعيدة!!
الفتاة صارت تتعالج عند الاطباء كونها تعاني من مرش نفسي
نوع من انواع الشيزوفرينيا
وهو واضح انه تتخيل نفسها هي امها جاءت لتصحح الخطا بانفصالها عن زوجها الاول صباح
وهذا واضح في الجزء الاخير
ارجو ان نكون اكثر نضوجا في قرائتنا

المطالبة بالنهاية شي غير ممكن لانه الفتاة لازالت على قيد اليحاة تحاول ان تبدا من جديد