الجزء السادس

1.4K 127 15
                                    


هيلانةدجلةوالفرات
6
ماتريوشكا
اصابني التعب بالامس فلم استطع ان اكمل كتابة الحوار الذي جرى حينها بيني وبين رفيقة عمري سرى
لقد كان الكثير مما قيل قد اثار الشجون في داخلي
والاما اكبر
لا اعرف كيف بدت هذه الجملة ان الابداع يولد من رحم المعاناة
لا اعلم حقا اي يد خطتها
لكنها بالتاكيد لم تكاني معاناة الجوع والمرض!
لقد اسعدني هذا الصباح خبر مغادرتي المشفى قريبا ...
وتذكرت جلوسي في شرفتي وقطتي الصغيرة شادو تحوم حولي
قطة شركسية بلون الرماد
بل تماما بلون الظل
وعيون زرقاء داكنة
وددت كثيرا لو انها بقربي فانا بحاجة اليها اكثر الان
...كانت لامي ايضا قطة صغيرة واحدة من تلك القطط الذهبية بخطوط داكنة المنتشرة في شوارع بغداد
لم تكن جدتي تسمح لها بالدخول للمنزل لكنها كانت تعتني بها جيداا...
الا انها عندما عادوا من رحلتهم الى اوربا في سبيعنات القرن الماضي لم تحضر الى المنزل بعد ذلك
وحزنت عليها امي كثيرا
في رحلته الثانية احضر لها مجموعة دمى ماتريشوكا الروسية
تلك الدمى التي توسطت المنضدة الخشبية وسط الصالة
كانت امي تلعب بها وتعيدها الى كانها ثم رحلت الى الخزانة الزجاجية الفاخرة التي كانت تضم المقتنيات الثمينة لجدي
الغريب ان هذه الدمى ارتبط مصيرها بمصيرنا لسبب ما
وكنت قد شهدت ذلك في حرب 2003
كان عمري 14 عاما حينها
كنا نجلس مترقبين التوعدات التي انهالت على العراق بالحرب عليه
فكانت تلك الليلة الحاسمة في شهر اذار
حين اشتعلت سماء بغداد باللهب وتحول الليل الساهد الى كتلة من النار
انقطعت الكهرباء
كنا جميعا مستعدين لمثل هكذا اوقات فقد اعتدنا على الحروب
فكانت الفوانيس حولنا
نهض جدي بحذر وهو يراقب تلك السماء المتقدة
بينما على صوت جدتي بالصلوات والدعاء
ورحت انا قرب خالتي نورا التي كانت تلف نفسها بوشاح كبير والخوف ظاهر عليها لكنها حافظت على هدوئها او ربما هي كذلك
في حين بدا صوت بسام يعلو وهو يلوم جدتي ويعاتبها انها رفضت خروجنا من بغداد
ويكرر اخبارها ان كل سكان الحي قد رحلوا ولم يبقى احد سوانا
فيبدا هو بذكر من رحلوا وتجيبه بذكرمن بقوا مثلها
وبقيت تعلل عدم تركها المدينة انها لم تكن ترغب ان تترك بيتها وتفضل الموت فيه

فصرخ غاضبا ااذا كنت راغبة ان تدفني تحت انقاض بيتك ماذنبنا نحن!!
صمتت وشعرت بالحزن يفطر قلبها ربما انها شعرت بالذنب حينها
ولم يكن هناك من متسع من الوقت كي تتراجع عما عزمت عليه
فقد رفضت كل محاولات الاقرباء باقناعها
ولم يعد يجدي ان تعيد النظر فقد غادر الجميع
وقطعت كل وسائل الاتصال
مرت الايام قاتلة لنا
كنا نبقى مستيقضين ومحللين لوقائع الضربات التي تحدث والامكان التي قصفت من حولنا
ونقضي نهارنا بالنوم
حيث لاشي يحدث على الاطلاق
فكأن النهار يقضى على الحرب وياتي الليل يشعلها
ففي الليالي الاولى كنت ابقى مستيقضة خائفة ومرعوبة حتى الصباح وبعدها صرت اعتاد النوم مع خيوط الفجر ولا استيقظ حتى الساعة الثالة عصرا
اتناول شيئا من الطعام واختفي متململة في مكتبة جدي بينما هما الاثنان يقران القران
وتختفي خالتي في غرفتها او تسير حولنا
بعدها ببضعة ليال كانت الطائرات تقصف المناطق القريبة منا
كنا نظمان انفسنا انهم يرون كل شي
ويعلمون اننا حي سكني
ولقد وعدوا بعدم قصف المدنيين
هذا كان كالمغذي الذي يخبر ممن يشارف على الموت انه له اياما افضل!
لكننا في الحقيقة
كنا نشعر اننا سنموت في اي لحظة
ونكون سطرا قد محي من تاريخ هذا الزمان
فقد اشتدت وطاءة الحرب
في كثير من الوقات كنا نشعر باننا نرتفع للسماء ونهبط مع كل قصف يحصل
شعرت ليلتها بخوف شدي وانا اجلس قرب قدمي جدتي واراقب كل شي
بسام الملتصق بجدي الذي من شدة هلعه لم يخرج كعادته يرقب مايحدث
بينما تلحفت خالتي نورا بخوفها وشفتيها المرتعدتين وهي تمسك مسبحتها السوداء الطويله
يعلو صوتها ويخبت
كان ضوؤ الفانوي ينعكس عليها بوضوح ويظهر ملامح رعب تلك الليلة
كنت احاول ان استمد قوتي من من حولي باي شكل من الاشكال
ووكانت للمرة الاولى ارى خوفا كهذا بعينها وهي تضغط بقوة على اصابعها
واظافرها الملونة باللون الاحمر
شعرت بامتعاض انها قد لونت اظافرها في ايام حرجة كهدذه
حيث يجب ان نكون اقرب لله حتى ننجوا
حيث ان جدتي قد نبهتها اكثر من مرة ان الاصباغ تمنع الوضوء السليم!!
وهنا اقترب منا عصف كانه زلزال
صرخنا جميعا الا جدي بدا يدعوا الله بالستر وبصوت عالي يحاول تهدئتنا
لم يكسر من البيت اي شي
الا دمية واحدة من دمى الماتريوشكا
سقطت وكسرت
همهمت خالتي نورا ان احدا سيموت في هذا المنزل قريبا
ونزلت دمعة واحدة من عينها اليمنى وهي تنظر الى جدي
اخافني منظرها الذي حفر بذاكرتي
واصبحت اتسائل مالذي يحدث
حينها صرخت جدتي عليها بقول معتاد
(فال الله ولا فالج هو منو طيح حظج غير هذا الشؤم الي انت بيه كولي يالله يمه شنو هالحجي!)
ابتعدت عنها خالتي وانزوت في ركن غرفتها وهي تقول انت لاتصد قيني ولكنك تعلمين
تعلمين جيدا ياامي اني لا اقول الا الحقيقة
في صباح اليوم التالي
لم استطع النوم
بت قلقة كثيرة
وقد اكلني الفضول
ذهبت لاتفحص قطع الدمى
فرايت ان عددها قد بقي 3
اين ذهبت القطع الاربع
واحدة بلامس
واين الاخريات
كانت قد وضعت الى جانب حائط الذكريات
ووجدت صورتين لامي وخالتي
ربما هاتان 2
من هو الثالث!!
وانتظرت جداي يعودان حتى يخبراننا اين كان هذا الدمار الذي حصل بالامس
وكي اسالهم عن بقية القطع
فانا اعلم انه عددها سبعة!!
احادها تدخل في الاخرى
وهذه المرة قد سقطت كبراهم
مرت الايام حزينة جداا
وكئيبة جدا
الى ان صدمنا بخبر دخول القوان الامريكية لبغداد ويقوط نظام الحكم
مضت ايام ونحن لانصدق ذلك
مع اني رايت دبابة امريكية تمر من امام بيتنا
ولكني كنت اقول في داخلي هذه خطة ججديدة
وانه لابد بل حتما سيحصل شي
واختفينا في المنازل
وهجمت علينا العواصف الترابية الحمراء الخانقة
وصرنا ننتظر بسام كل يوم ليتنا باخبار جديدة
صار هو دليلنا على العالم الخارجي
في كل مرة كان مصطفى وابوه ياتون لزيارتنا
كنت امل ان ياتي ابي ولو ليوم واحد كب يطمان علينا
لم يبق فرد من اقربائنا ولا وقد حل ضيفنا محملا بالكثير الطعام والشراب وحتى البنزين
اذا يعلمون انن جدي رجل كبير ليس له اولاد
وكان خيره سابق!
الا ابي
حتى صباح تخيلوااا
حتى عم صباح ارسل لنا نقودا بيد شخص غريب
ولازلت الى الان لا اعرف كيف وصلت الينا
لكن الناس في حينها كانت تامل بوضع جديد
فتحت قلبها للسماء
وظنت ان مرحلة الرحمة قادمة
رغم ماحصل من اعمال السلب والنهب
لكن الكثير والكثير
كان قد بدا صفحة جديدة ووعد الله بالتغيير لانه اخرجه من هذه المحنة
فكونك بقيت سالما بعد كل ماحصل وبعد كل هذا الدمار
يعني ان معجزة كانت قد احيطت بك!
الا ابي
لم ياتي طوال سبعة شهور
ولم يسال عن اولاده
بسام وانا!
وفي اواخر ذلك العام ساءت احوال جدي كثيرا
سوؤالخدمات
والوضع الصعب
وربما وكما كنت ارى انه شعر بنه كسر
لم يكن هو مع النظام السابق
ولكنه حزن كثيرا لما حدث
وكيفت تحولت بغداد الى كتله من خراب
كان يردد انهم باعونا
اقرباء الرئيس السابق الذين كانوا يمسكون زمام الامور والجيش
هربوا خانوه وهربوا
وهنا اصر مصطفى ان ياخذ جدي الى سوريا
ومضى شهرين كاملين وهو يحاول ان يقنعه بالعلاج في سوريا
وبعد صعوبة الامر والترتيبا العديدة خرجنا الى سوريا
طريق طويييل جدا
كنت قد قرات القران كله
خوفا على جدي ان يصبه التعب وان نفقده
ورغم انها المرة الاولى التي كنت اغادر بها العراق
الا اني لم اكن سعيدة
كان الوقت في شهر شباط
والحدود مكتظة بالناس
ودفعنا الكثير جدا حتى نتخلص من الزحام
وكان مصطفى معنا هو واصدقاءه ال2

هيلانة دجلة والفرات للكاتبة ليان عيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن