عندما رأته حسناء اجتاحتها موجة من الغضب , فنغم لم تخبرها بأنه قد آتى اليها ليعتذر ولذلك شعرت بأنه جاء الى هنا ليكمل اهانته لها ولكن هذه المرة أمام زملائها , رغبت في الهروب وترك القاعة , ولكن وسط الانصات والانتباه الشديد من الطلاب كان خروجها سيلفت انتباه الجميع , وربما يستغل هروبها كالعادة بجملة تضايقها , فاستسلمت ووضعت وجهها في الارض خجلا , فقد كان يتهيأ لها أن الجميع يلاحقها بنظرات سخرية ويعلمون أنها هي المعنية بالحديث .
لم يكن عمار أقل توترا منها , فهو لم يتخيل أنه سيوضع يوما في هذا الموقف , وكان يخشى ان يهرب منه الكلام , لكنه حاول أن يستجمع قواه , فهو يعلم ان مهمته ليست سهلة , فأكمل حديثه قائلا :
يقولون أن " لا حسب كالتواضع , ولا شرف كالعلم "
وقد قضيت عمري كله أجاهد لأطبق هذه الجملة , حتى اقتنعت تماما بأن لدي من التواضع ما يجعلني ذات حسب رفيع ومقام عالي , وبأن لدي من العلم ما يؤهلني لأن أكون في مصاف الشرفاء , ولكني اصطدمت بالواقع المرير عندما قابلت فتاة تجلس هنا في هذه القاعة كنت أحسبها من المغرورين , وليس لديها من العلم ما يمكنها من فهم الحياة والتعامل مع الناس , ومع الوقت اكتشفت ان الدرس الذي رغبت في ان اعطيه لها كنت احتاجه أنا , واتضح لي ان التربية تنقصني ليست تنقصها هي , فعلت الخير وقمت بمساعدتها وبعدها انتظرت المقابل , بل والأقذر من هذا انى قررت ملاحقتها وتعمدت أن أظهرها أمام أقاربها بصورة سيئة , ثم أعطيت لنفسي حقاً ليس من حقي , فعاقبتها ولكن أقسم أمامكم جميعاً اني عاقبت نفسي أكثر منها , لذلك جئت اليها وكلي ندم وأمامكم جميعا أتقدم باعتذار صريح ان لم تقبله , فليست آثمة , ولن تكون هذه هي النهاية , سأحاول مراراً حتى ترضى وتسامح لتريحني من عذاب الضمير .
ثم تقدم نحوها , ووقف أمام مقعدها يتأمل خجل عيونها , وامام صمت وانبهار الجميع , ركع على ركبتيه مثلما أرغمها على الركوع وقال :
_ حسناء اعترف اليكِ أمامهم ولو كان بيدي لاعترفت أمام العالم كله , بأني منذ أن رأيتك أول مرة وقد طالني سحر جاذبية جمالك , ووقعت أسير لبريق عيونك , حاولت أن أكذب على نفسي بأن جمالك لم يؤثر بي ولكني فشلت ولذلك أنا مدين لكِ بالاعتذار مرتين
المرة الأولى : عندما أنكرت جمالك الذي يسحرني كل يوم وكل ساعة وكل لحظة , جمالك الذي يعيدني طفلا صغير لا يمكنه التحكم بأهوائه .
أما المرة الثانية : فاعتذر على ضآلة عقلي وبشاعة نفسي , وسوء تصرفاتي تجاهك , ومهما طلبتي مني سأفعل حتى لو كلفني هذا
أن أخسر عملي ومستقبلي واحترام كل من كان يحمل لي ولو مثقال ذرة من تقدير .
احمر وجه حسناء خجلا , فلم تعد تحتمل نظرات زملائها ووسط هتافات كل من بالقاعة تطالبها بأن تسامح , أسرعت حسناء منسحبة كالعادة , هاربة من الموقف ولكن هذه المرة لحقها عمار حتى أوقفها .
أنت تقرأ
حسناء ضلت الطريق ( مكتملة )
Aventuraحسناء زان الخالق صنعتها ، فآتاها حبيب ولهان ، قدم لها الورد مهرآ فسقتها الغدر بإحكام خضعت لثري أطعمها القسوة والوحدة والحرمان ، ندمت حسناء على رجل لم تأخذ منه سوى الخزلان ، وعادت تطمع في الحب مع ذئب لاعب بالألوان ، وقالت يا أبتي اتركن معه ، فهو لي...