الفصل 1

24.2K 217 4
                                    


بدت وكإنها ليلة شتوية عاصفة تكاد الأمطار أن تغرق أحياء المدينة ، تداعب الرياح ستائر البيت الكبير ،يتسلل ضوء بسيط من إحدى الغرف بالطابق العلوى ،حيث تقف هايدى _ فتاة فى أواسط العشرينات خريجة كلية الحقوق تعمل فى الشئون القانونية بشركات الدقاق _ والدها شاكر الدقاق وزير الداخلية وقفت بوجهها البيضاوى وعيونها العسلية وشعرها الأسود الناعم أمام خزينة ملابسها بسأم ، تملأ حقيبتها الجلدية بغضب جم والنيران تكاد أن تنطلق من عينيها ،فى حين جلست نرمين شقيقتها _فتاة فى أوائل العشرينات خريجة أداب قسم تاريخ _ على طرف السرير لتقول بإستنكار لتصرف أختها الغير حكيم :_
_ أنتى لسه مصرة على ال فى دماغك ..!


أجابت هايدى دون إن تلتفت إلى نرمين: بتركيز لأرفف خزينتها _
_ أيوة ومش ناوية أغير رأيي .

زمت نرمين شفتيها للأمام بإمتعاض قائلة :_
_ حد يسيب طارق المز ابن خالته ال عارفينه المتريش ال...؟

أستدرات هايدى والدماء تجرى فى عروقها معلقة بضجر لتبتر كلمات أختها السخيفة :_
_ و متجوز

ردت نرمين بلا مبالاة وبعيون لامعة :_
_ ومرأته مبتخلفش ،ونفسه يبقى أب نرميه فى الشارع عشان حضرتك مبتحبيش المتجوزين ..؟

أخذت هايدى نفسا عميقا وهى تحاول كبح جماح ثورتها الداخلية لتغمض عينيها ببطء متذكرة كلمات الساعى لطفى ودموعه الباكية خلف السر الأعظم :_
_ نرمين لو عاجبك خديه لكن أنا مش حتجوز غير صالح بمزاجكم غصب عنكم

لوت نرمين فمها رافضة للفكرة وهى فى منامتها الوردية :_
_ بقى حد يسيب العز ويروح للشقا برجليه ..؟ ،ثم حوطت بيديها على خصرها مستفهمة:_
_ نفسي أفهم عاجبك أيه فى بياع البطاطا ده...!!

عقبت هايدى بإقتضاب وهى تغلق حقيبتها بإحكام :_
_ راجل

هتفت نرمين بإستهجان مزوج بالسخرية :_
_ع أساس طارق سوسن بنت أختك ..!!

صححت هايدى بتلقائية وعينيها شاردتين فى الفضاء :_
_ على الأقل فلوسه حلال .

عقدت نرمين ما بين حاجبيها بعدم فهم :_
_ تقصدى أيه ..؟ طارق ف...

قاطعتها هايدى بإستعجال فهى لا تريد إبلاغها بما عرفته خاصة حينما تذكرت تهديد طارق لها :_
_ ملوش يا ستى يلا بقى أنا حمشى

علقت نرمين فى استسلام :_
_ طيب أبقى طمنيني عليكي .

قبلت هايدي أختها وهى تقول فى مرح :_
_ طول ما أنا مع صالح متقلقيش.

بإحدى شوارع القاهرة

كان الناس يسيرون أسفل المظلات السوداء ليحتمون من الأمطار وبروة الطقس القارص ، يجمع الباعة الجائلون بضائعهم إستعدادا للعوجة إلى منازلهم ،رائحة الذرة المشوي يغازل أنوف العائدين متأخرا من أعمالهم ، جلس أمجد وهو مدرس فلسفة فى مطالع الثلاثينات على إحدى الكراسى الخشبية المطلة على النيل بعد انتهائه من يوم عمل شاق مع صديقه مراد وهو مهندس معمارى ،جلسا سويا يراقبان زخات المياه فى شرود خلفته ذكريات أمجد ،قطع صوت مراد أجواء الصمت الثقيلة وهو يقول فى مواساة:_
_ أنا عارف إن ال حصلك مش شوية ،بس أكيد ربنا شايل لينا الأفضل دايما .

حبيبتى المشاكسة بقلم أميرة السمدونىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن