الفصل الأول

24.2K 392 21
                                    

تسللت أشعة الشمس تداعب خصلاتها الشقراء المبعثرة على وسادتها، تململت في نومها تحاول تجاهل هذه المزعجة المطلة من تحت الستائر وفجأة هبت واقفة من فراشها كمن لدغتها أفعى هذا أول يوم لها في الجامعة وهي لا تزال نائمةّ! ارتدت ملابسها بسرعة ووقفت تتأمل غرفتها تفكر أين يمكن أن تجد مفاتيحها، ملابسها المكدسة فوق بعضها تكاد تنافس الجبال طولا وكل شئ مبعثر على الأرضية، بعد ساعة من البحث المتواصل وجدت المفاتيح أخيرا تحت السرير، أخذتهم وانطلقت تسابق الريح للوصول في الموعد، تجاهلت صوت والدتها ووالدها يدعوانها لتناول الفطور وواصلت تقدمها نحو الباب، لمحت جدتها تجلس في الحديقة تتلو آيات من كتاب

الله فطبعت قبلة على جبينها واستقلت سيارتها تحت نظرات جدتها الحانية المصحوبة بدعوات تمطرها بها يوميا... سابقت الزمن للوصول بالمحاضرة وها هو اكبر مخاوفها يتجسد أمامها، صف لا متناهي من السيارات تتحرك بسرعة السلحفاة، تحمل المقود المسكين غضبها بضربات كادت تكسره، حاولت تخفيف توترها بوضع أحمر شفاهها المفضل فنظرت في مرآة السيارة تحاول وضعه بطريقة مثالية عندما لمحت سيارة سوداء تتخطى السيارات الأخرى وتتقدم بسرعة كبيرة حتى أصبحت بجانبها تماما والآن تحاول اخذ مكانها!! عاودت إمساك المقود بإحكام كأنها تتأهب لمعركة حامية، السيارة السوداء تحاول الدخول أمامها ورأسها العنيد يأبى السماح لها بذلك، تقدمت كلتا السيارتين في نفس الوقت بسنتيمتر واحد ثم سنتيمتر آخر وثاني

وثالث فاصطدام!

ترجل صاحب السيارة السوداء وملامح الغضب تعلو وجهه، ترجلت هي الأخرى كأنها تتحداه لكنها توترت قليلا عندما واجهته بطوله الفارع فبرغم ارتفاع كعب حذائها الشاهق لم تكد تصل مستوى كتفه... قطع صوت أفكارها صياحه فيها

-ما الذي فعلته يا آنسة؟

صاحت هي الأخرى :

-اسأل نفسك يا سيد...

واصل حديثه بنفس النبرة الغاضبة:

-أما كان بإمكانك السماح لي بالمرور فحسب؟

هذه المرة أجابته ببرود مستفز:

-أما كان بإمكانك الانتظار في الصف ككل الناس؟

انفعل أكثر فمن هي حتى تعطيه دروسا في الأخلاق!

لكن صوتها لم يتوقف عن إزعاجه عند هذا الحد بل ارتفع أكثر يطالبه باعتذار، نظر إليها شذرا عندما سمع كلماتها الأخيرة:

-فلتعتذر حالا...

ارتفع جانب فمه بابتسامة ساخرة كأنه يقول أنا اعتذر؟! ومنك!!

حافظ على هدوئه يتأمل هذه القصيرة التي تطلب منه اعتذارا بوقاحة ثم خرجت كلماته باردة أثارت حنقها:

-لن أعتذر...

-سأجعلك تعتذر رغما عن أنفك...

ضحك بسخرية واضحة هذه المرة وهو يراقبها تلتقط هاتفها لتتصل برقم ما أرجح أنه والدها، نظرت إليه بخبث مردفة:

-انتظر بضع دقائق وستعتذر...

لم يعلق فقط استند بجسده على سيارته بانتظار

والدها لكن تلك القصيرة خالفت توقعاته فبدل مواجهة والدها وجد نفسه بمواجهة أحد رجال الشرطة يطلب منه مرافقته إلى القسم بتهمة اختراق قانون المرور إضافة إلى خدش سيارة مواطنة بريئة مع بعض التهم الأخرى التي لم يسمع شيئا منها فقد توقف عقله عند سماع كلمة "بريئة"

بريئة!!

تلك القصيرة لا تمت للبراءة بصلة!

ومع ذلك انقاد خلف الشرطي لرؤية نهاية القصة، جلس أمام الضابط في القسم تجاوره تلك الخبيثة كما أطلق عليها الآن فكلمة خبيثة تناسبها أكثر من كلمة بريئة، حاول الضابط فض النزاع بطريقة مسالمة لكنها أصرت على مقاضاته في حالة لم يعتذر، أما هو فحافظ على هدوئه يتأمل وقاحتها وشيئا آخر لم ينتبه له من

قبل "جمالها" نعم هي جميلة جدا شعرها أشقر بلون أشعة الشمس وعيناها بلون اخضر قاتم، أنفها قصير يناسب شكل وجهها الدائري وشفتيها ممتلئتين بطريقة مثيرة تعلوهما حمرة مغرية بنكهة الكرز... جمالها طبيعي فهي لا تضع من مساحيق التجميل سوى تلك الحمرة على شفتيها، ترتدي بنطالا أبيض يصل فوق كعبيها تعلوه سترة بلون الكرز البادي على شفتيها، طبعا مع حذاء ذو كعب جد عالي.. أفاق من جلسة التأمل تلك على صوت الضابط الذي سأله للمرة المائة إن كان سيعتذر أم لا، حتى العفريتة القصيرة بجانبه تنتظر إجابته بقلة صبر، نقل بصره بينهما قائلا بهدوء:

-آسف

علت الدهشة وجوه الحاضرين، الكل توقع محاكمة شرسة تحت عنوان "كبريائي"، لكنه

قطع أفكارهم بتراجعه واعتذاره ببساطة... رفعت أنفها بغطرسة متوقعة وابتسمت لنصرها مجيبة أنها قبلت اعتذاره ثم وقفت مغادرة تشكر الضابط على تعاونه، ظل يتأملها حتى غادرت وهو يتساءل كيف تنازل أمامها قبل أن غادر هو الآخر...

قادت سيارتها إلى المنزل تلعن حظها الذي جعلها تمضي يومها في قسم الشرطة بدل قاعة الجامعة ثم دلفت المنزل بهدوء لتجد شقيقتها الكبرى تبكي كالأطفال في حضن والدتها وجدتها تحاول تهدئتها أما والدها فقد فضل المشاهدة من بعيد وهي حتما ستفضل الذهاب لغرفتها على سماع آخر مناوشات أختها مع زوجها، تلك المناوشات التي باتت تحفظ تفاصيلها الآن عن ظهر قلب...

استلقت على فراشها مغمضة العينين تحاول أخذ

قسط من الراحة علها تستيقظ في الوقت المناسب للحاق بمحاضرتها ليوم غد، وفعلا استطاعت الوصول في الوقت المحدد أو ربما بعد خمس دقائق من الوقت المحدد، هرولت إلى القاعة المنشودة، عدلت هندامها، أخذت نفسا عميقا وطرقت الباب طالبة الإذن بالدخول، وما كادت تفتحه قليلا حتى رأت ملامح رجل قد حفظتها جيدا البارحة، تراجعت بفزع مغلقة الباب خلفها، البارحة جعلته يعتذر منها واليوم هو أستاذها!!

دارت حول نفسها بتوتر شديد ثم وقفت تنظر إلى الباب بتفكير، أتدخل وتفتح أبواب جهنم على نفسها أم تعود أدراجها؟؟!

الثمن  الباهظ-  للكاتبه ملاك الجزائرية  (الجزء الاول من سلسله لعنه الحب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن