الفصل التاسع

5.5K 163 1
                                    

مر يومان منذ عودة وفاء من السفر، يومان ثرثرتا فيهما بلا توقف، أخبرتها عن أستاذها الموقر والحرب الباردة التي تدور بينهما؛ تابعت وفاء القصة بحماس شديد وهي تشجع صديقتها على مواصلة حيلة الشد والجذب لإغاظته كما استمعت فاتن لقصص وفاء حين كانت تتعالج في المستشفى...

واليوم يجب أن تذهب إلى الجامعة فقد فوتت ما يكفي من الحصص خاصة تلك التي مع الأستاذ إبراهيم.. في اليوم التالي كان يقف أمام الباب يحيي الطلاب بابتسامته المشرقة حين لمحها قادمة والغريب أن آدم ليس معها. ألقت السلام وهمت بالدخول فاستوقفها قائلا:

-نورت يا آنسة...

توقفت في مكانها دون النظر إلى وجهه بانتظار ما سيقوله فاستطرد:

-حصتي ليست سوقا تدخلين وتخرجين بحسب مزاجك...

هتفت بداخلها بسخرية:

-كنت تقول سينما والآن سوق؟ ماذا سيكون في المرة القادمة... فندق؟!

رأى ملامحها الساخرة فقال بلهجة حازمة:

-اعتبري نفسك مقصية من المادة إن تغيبت مرة أخرى...

اندهشت من صرامته فحاولت الكلام:

-لكن يا أستاذ...

ولم تكمل جملتها فقد تركها ودخل القاعة، أغمضت عينيها تحاول التهدئة من روعها فهي تعلم جيدا أنه سينتقم منها منذ البداية...

* * * *

دفعه الحارس داخل الزنزانة المظلمة بقسوة، وقف في وسطها يتأمل ذلك الضوء الخافت يجلس فيه رجل يبدو في الأربعينيات من عمره، وضع منامته على السرير فجاءه صوت الرجل الصارم:

-ذلك مكاني فلتنم على الفراش الآخر...

حمل منامته مرة أخرى واتجه نحو السرير الآخر بهدوء، جلس عليه فوجده قاسيا غير مريح، بدأ يلعن ويشتم بصوت خافت والرجل الآخر يراقبه بصمت، أخرج قلم رصاص قام بإخفائه جيدا عن أعين الحرس ثم اتجه نحو الحائط ينحت اسما لا يجب أن ينساه، لم ينتبه للرجل الفضولي خلفه وهو يقرأ ذلك الاسم بدهشة:

-إبراهيم الخليلي!!

التفت إليه بغضب لتطفله لكن الآخر لم يهتم لنظرته بل سأله بسخرية:

-هل هو من أرسلك إلى هنا أيضا؟

ضيق توفيق عينيه محدقا به:

-أتعرفه؟

تنهد الرجل بضيق مجيبا:

-أنا أتعفن هنا منذ خمس سنوات بسببه...

التمعت عينا توفيق بمكر وهو يرى طوق النجاة يمتد إليه من العدم، ابتسم لصديقه الجديد وشياطينه تتراقص في الأفق بسعادة:

-اسمي توفيق... وكما يقولون عدو عدوي من يكون؟

ابتسم الرجل بمكر وهو يكمل المثل:

-عدو عدوك صديقك... اسمي عمر...

تصافح الصديقان الجديدان بلهفة وكلاهما ينوي الانتقام من المدعو "إبراهيم الخليلي"

* * * *

جلست في حديقة الجامعة تشرب قهوتها وتطالع الجريدة حين وقعت عيناها على عنوان شد

انتباهها "السجن المؤبد لقاتل زميله في صفقة مخدرات" عادت بذاكرتها إلى آخر يوم قضته في منزل توفيق حين دخل في حالة سكر كعادته، لم ينتبه لوجودها في الشرفة فأخرج هاتفه ليتصل بصديق له، كانت كلماته تدل على أنه متورط في عملية تهريب للمخدرات، جحظت عيناها برعب وهي تستمع إلى ما يقوله أما هو فقد جن جنونه حين رآها في الشرفة ظنا منه أنها تتنصت عليه، أمسكها من شعرها بقوة وهو يسب ويشتم بأقذر الألفاظ ثم هوى على وجهها بصفعة تركت آثار أصابعه بوضوح، بكت كما لم تبك من قبل ثم اتخذت قرارا حازما هذه المرة بالانفصال عنه إلى الأبد فيكفيها ما ذاقته معه من ألم حتى الآن..

انتبهت لوجود زوج من العيون تنظر إليها فرفعت وجهها لتجد الأستاذ إبراهيم أمامها، تنحنحت

بحرج طالبة منه الجلوس معها فبادر بالكلام قائلا:

-أذواقنا في القهوة متشابهة..

ابتسمت برقة وهي تجيب:

- لو كنت أعلم ذلك لاشتريت كوبين..

إبراهيم متسائلا:

-هل أنهيت دوامك؟

-ليس بعد، أمامي خمس دقائق قبل موعد محاضرتي القادمة... ماذا عنك؟

-أنهيت دوامي فأردت شراء قهوة أريح بها رأسي...

هزت رأسها بتفهم ثم اعتذرت منه للحاق بطلبتها في حين ذهب هو لشرب قهوته...

* * * *

في اليوم التالي كانت فريدة تتابع عملها في الجمعية كعادتها فدخلت عليها مساعدتها حياة مع ابنها مصطفى، التف الجميع حولها مرحبين بها

بعد هذا الغياب الطويل وهم يطبعون قبلا حارة على وجه الصغير... باشرت حياة عملها محاولة تعويض فترة غيابها وتركت مصطفى يلعب في حديقة الجمعية...

انتبهت فريدة لعدم وجود بعض الوثائق فاتصلت بابنتها فاتن التي لا تزال في المنزل تطلب منها تفقدهم، وبعد مدة قصيرة أخبرتها أنها وجدتهم في غرفة المكتب:

-هل بإمكانك إحضارهم إلى مقر الجمعية من فضلك؟

نظرت فاتن إلى ساعتها ثم أجابتها بالموافقة فلا يزال هناك متسع من الوقت أمامها... أغلقت فريدة الخط شاكرة ثم ما لبثت أن سمعت صراخ حياة، قامت من مكانها بسرعة متجهة نحوها فوجدتها جالسة تبكي بهستيرية قائلة:-مصطفى اختفى... ضاع ابني...

الثمن  الباهظ-  للكاتبه ملاك الجزائرية  (الجزء الاول من سلسله لعنه الحب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن