الفصل التاسع

18.8K 389 6
                                    


التفتت إليه يارا وهي تشعر ببركان من الغضب منه ومن زوجته ينفجر فجأة في صدرها وصرخت به بجنون :
- إنت آخر واحد بسمحلك تسألني هاد السؤال ..
فتح عينيه بدهشة من صوتها وكلماتها التي جعلته يقترب منها ممسكاً بذراعها وهو يهزها بقوة ويسأل بغضب يشابه غضبها :
- قصدك أول واحد لازم يسألك .. ولا نسيتي إني زوجك يا مدام !
عند كلمة زوجك ، أصابت يارا حالة من الجنون وهي تبكي بحرقة وقوة ، في الوقت الذي حررت فيه ذراعها من قبضته لتهجم على صدره بقبضتيها الاثنتين وهي تضربه بكل ما أوتيت من قوة ، وشعرها يشكل شلالاً متحركاً حول وجهها ، تركها تفرغ القليل من غضبها وهو يسمعها تدمدم أثناء ثورتها :
- بهدلتني وذليتني وهمشتني وتعاملت معي كأني خدامة إنت والصفرا مرتك وجاي تحكيلي زوجك ؟؟ إنت ما بتستحي وإنت هيك بتحكي !
أمسك بقبضتيها فجأة ورفعهما عالياً فوق رأسها ونظر في وجهها الملطخ بدموعها وكحلها وقال بهدوء :
- والله قوية ! إيديك ماشاء الله بدهم عزم عشان أبعدهم عني !
دفعته بغضب كي تحرر نفسها منه فيم ابتسم هو ببطئ وهو يتأملها تغضب أكثر من ذي قبل وقالت له بصوت حاولت جهدها أن تسيطر عليه :
- هادا هو ردك ؟؟ أول ما يوصل الموضوع لجلالة المدام ما بتعرف تحط منطق صح ؟؟ لأ وشاطر تستعرض عضلات علي وممنوع تروحي و ممنوع تيجي وكل شي بإذن وناديني بيك .. و غيره وغيره ... ولعند حضرتها كل هاد بختفي بتقعد بقمصان نوم خليعة ومنخلعة أدام كل خدمها وحتى الكوافيرة تبعتها ، غرفتها إلي هي غرفتك فوضى وملابسك إنت يا حضرة الشريف مرمية على الأرض ، لأ وياريت مطلوب منها تنضفها ولا ترتبها حتى مو سامحة للخدم ينضفو .. هاي هي إلي متربية بالقصور ومتعودة على الخدم ؟؟ بهدلتني ليش رحت وديت طقم صلاتي على غرفتي .. والله أول مرة بشوف وحدة بتتبهدل لأنها مرتبة ونضيفة ..
سكتت كي تلتقط أنفاسها لأنها كانت تتكلم بانفعال شديد ، وشاهدته يقف أمامها بلا أي تعبير على وجهه ويبدو ملجوماً من كلماتها كان يضم ذراعيه إلى صدره وقد ظهر التركيز على ملامحه ، شعرت بإنحطاط عام في سائر جسدها وفي معنوياتها ، خاصة وهي تتذكر مشهد زوجته صباحاً .. الزوجة التي فضلها عليها و دون أن تشعر عادت دموعها تتساقط على وجنتيها دون نحيب ، وارتفعت يديها إلى شعرها تعيده إلى الوراء وهي تقول بعدم تصديق وكأنها تكلم نفسها مستغلة إصغائه لما تقول بما أنه لم يعد هناك وظيفة تخشى عليها :
- المشكلة إني كل ما أتذكر الطريقة إلي انجيت فيها يوم ما كتبت كتابك علي بحس عقلي بدو يطير ، أنا وقتيها قلت معلش يا يارا هادا شريف ومكانته عالية بالمجتمع وإله معارفه وناسه ، بدو وحدة من عائلة معروفة تبيّض وجهه ادام الناس ، وحدة متعلمة مثقفة فهمانة متعودة على مجتمعهم وبتعرف تتعامل مع متطلبات حياته حقه ينقهر لإني عقدتله حياته ، حقه يتضايق لإنو ارتباطه صار أصعب ، لكن لما شفتك إجيت على أميركا وخطبت سوزان .. سوزاااااان إلي يادوب كملت جامعتها وبتخصص غبي متلها وقعدت فيها شي خمس سنين ، إنسانة كل إبداعاتها بتظهر ببركة السباحة والمولات ..
سكتت قليلاً قبل أن تضيف بقرف وهي تتصور سبب إبقائه عليها :
- ويمكن كمان بسريرك ...
الطريقة التي اتسعت فيها عينيه زادت من الآلام التي عصفت بقلبها لحظة نطقت كلمة ( سريرك ) ، شعرت بما يشبه الغثيان وهي تكمل رغم الغضب الذي عاد إلى نظراته :
- بتصحى 12 أو 1 الضهر ، ما بتعمل شي ببيتها ولا لزوجها ولا حتى لنفسها ، كل همهاكيف تكون أحلى وحدة بعيون الكل وكيف تفقع البنات غيرة منها .. صرلي 3 أيام بهالبيت ما شفتها ركعت ركعة ولا حتى حكت مثلاً بدي أصلي ولا لازم أصلي .. سنتين قعدت بأميركا ما شفت هالشي لا بعيلتكم ولا بعيلة عمك .. أي نعم ماحدا متحجب عندكم لكن يشهد الله عمري ما شفت سارة لابسة كت ولا بروتيل ولا شي قصير للركبة ، كنت أحسها بتقطع بالصلاة بس معتبرة حالها إنها كتير مقصرة لإنها مش ملتزمة فيها .. يعني باختصار بنت طبيعية بتصحى بوقت طبيعي وبترتب حالها وما بتبقى بملابس نوم مقرفة ومع هيك معتبرين سارة بعدها طفلة وما بتتحمل مسؤولية ، والله سارة بتطلع ست البنات وأميرة الصبايا أدام الست المدام !
توقفت عن الكلام وهي تلهث وكأنها كانت في مسابقة جري ، لم تصدق أنها تكلمت مع هاشم بهذه الطريقة الوقحة ، يا الله شرحت حياته تشريح ، الآن هو سيطردها كما فعل قبل أكثر من عامين عندما انفجرت أمامه بحديث طويل عن العائلة ، أيقظتها كلمته الناعمة بقوة أرعبتها وهو يسألها وعيناه توشك أن ترميها بالرصاص :
- خلصتي ؟!
نظرت إليه للحظة قبل أن توليه ظهرها وهي تدرك من كلمته أنه سينهال عليها بالإهانات ، لذلك أخرجت حقيبتها واتجهت نحو دولاب الملابس كي تخرج ملابسها لكنها ما إن فتحت باب الدولاب حتى فاجأها إنغلاقه بقوة من جديد وهاشم يقف خلفها وهو يقول في أذنها :
- إيّاك يا يارا .. إياك مرة تانية وأنا بحكي معك ماتردي علي أو تعطيني ضهرك .. فاهمة ؟؟!
كعادته أخرج آخر كلمة بقوة متعمّدة جعلتها تقفز في مكانها مجفلة ، لكنها مع ذلك التفتت إليه وقالت له :
- ما في مرة تانية على فكرة !
ارتفع أحد حاجبيه بلؤم :
- و ورقة كتب الكتاب إلي بينّا ؟؟
أجابته ببساطة :
- عادي بتطلقني!
اشتدت شفتاه بطريقة غريبة وكأنه توتر أمام كلمتها ، وبصوت أكثر ليناً سألها :
- والجدة ؟؟ بتهون عليك ؟؟!!
أبعدت نظراتها عن عينيه اللتين كانتا تداعبانها بنظرات أضعفتها وكأنه يتحدث عن نفسه لا عن الجدة ، لكنها لن تسمح له بعد اليوم أن يضع عقال كل ما يفعله على الجدة .. قالت له بثقة :
- الجدة موافقة على طلبي وهي أصلاً إلي شجعتني على الدراسة عشان بدها إياني لما أرجع هون أكون دكتورة ، بس ماقدرت أخلص غير الماجستير بس ناصر حكالي إنو بشهادة الماستر مع دورات التدريب ممكن أصير مدربة تمريض نفسي في مستشفى محترم !
عظمة فكه التي تحركت أنبأتها أنه يشد على أسنانه بقوة عظيمة ، امتدت يده نحوها بسرعة البرق وهو يلويها بقوة وقال :
- جيبي اسم ناصر كمان مرة على لسانك ، وخليني أقصلك إياه !
نظرت في عينيه لمدة قصيرة قبل أن تقول بتحدي و وجهها يتغضن ألماً من قبضته :
- ناصر !
لم تعرف مالذي حصل بعدها لكن كل ما وعته أن ظهرها أصبح مستنداً بقوة على دولاب الملابس وجسدها يخنقه جسد هاشم الذي سحق حناياها الأنثوية بصلابة فيم شفتيه تطبق على شفتيها بتطلب أبهرها !
إن كان الأمر قد بدأ بغضب فهو لم يستمر على حاله تلك إلا ثوانٍ معدودة لتشعر يارا بعدها بيديه تحيط بجسدها بحاجة ملحة وهو يقربها منه معتصراً إياها على جسده متحسساً رقتها ومقبلاً على ثغرها بمشاعر أثخنت قلبها ، طريقته في احتضانها واللهفة في قبلاته أشعرتها أن ملكة عرش هذا الهاشم بلا منازع ، لكن صورة صفراء باهتة في شيفون أسود مقزز جعلتها تدفعه بضعف وهي تجهش بالبكاء من جديد، وهي تعاني تناقض مشاعرها وكأنها تسقط من عنان السماء إلى أعمق بقاع الأرض.
ما إن شعر بدفعتها ودموعها حتى حرر شفتيها ونظر إليها وهي تبكي قبل أن تحاول أن تبتعد عنه ، لكنه وجد نفسه يشد رأسها إلى صدره ويحتضنها بحنان شديد تفجّر في قلبه نحوها ، ليكتشف أنه غير قادر على السماح لها بتركه حتى وإن كان في ذلك مصلحتها بحكم زواجه ولو حالياً من سوزان ، كان بحاجة إليها لأنها وحدها القادرة على جعله إنساناً حيّا..
رائحته ودفء صدره فجرت مشاعرها نحوه لتعترف لنفسها أخيراً بما بقيت عامين تنكره ، نعم هي تحبه .. بل غارقة في حبه حتى أذنيها ومشهد زوجته في قميص النوم أثار جنونها وغيرتها وأعمى بصيرتها ، كانت تحبه لدرجة أنها ترغب بتركه لأن عذاب بعده أهون وأخف عليها من عذاب رؤيته مع سوزان .. ففي كل ليلة سيدخل فيها إلى غرفته الزوجية ستشعر بجنون الغيرة وتكتوي بعذابات لا تعرف لها قراراً ..
أبعدت رأسها عن صدره لترفع وجهها نحوه وتتأمله بكل مشاعرها الجياشة نحوه ، لم تعي مقدار الإغراء الذي كانت تشكله بالنسبة له ، وجه مكتمل الجمال غارق بالدموع وشعر مجنون يسافر حولها بدلال سافر ، أما عيناها فكانتا تقولان له أشياء كثيرة ، كثيرة ومغرية ، لتأتي بعد ذلك همسة شفتيها وهي تقول بصوتها العذب :
- هاشم ...
قطع بقية كلماتها بقبلته النارية ، لم يكن باستطاعته السيطرة على جنون مشاعره وهو يسمع همستها ( بهاشم ) التي عذبته ليالٍ طويلة . ارتفعت يداه تدريجياً لتحط على كتفيها ، وما إن لامست يده بشرة كتفها المكشوف من ياقة كنزتها الواسعة حتى أحست به يسحب نفساً قوياً قبل أن يبتعد قليلاً ليهمس لها :- شو هالنعومة هاي يا يارا ... رح تجننيني !
ارتفعت يداه نحو وجهها محيطاً وجنتيها بأنامله قبل أن يعاود الكرة ويميل برأسه نحوها فيما أنامله تغوص بين خصل شعرها التي تثير جنونه !
كان فعلياً يلتهمها ... وكانت هي مسلوبة الإرادة تماماً وهي تعيش لحظات حب مجنون مع هاشم في مخيلتها .. تريد أن تشعر أنها زوجته أو حتى خطيبته ... تريد أن تشعر أنها مليكة قلبه !
مرت بضعة دقائق ويارا غارقة تماماً في أحضانه ويداه تداعبها برقة شديدة ، لكن عقلها كان يلمع كل ثانية كما لو كان إشارة تحذير وإنذار ، أبعدت ذراعيها من حول عنقه وهي تخفضهما ببطئ لتجعلهما على صدره ، وبدأت تدفعه برفق كي تخفف من تشابكهما ، عندما شعر هاشم بانسحابها ابتعد عنها وعيناه لا تفارق عينيها ، كان لون الذهب في عينيه قد استحال عسلاً صافياً ، بينما لمعة عينيها جعلتهما تبدوان زيتيتان بطريقة تخطف الألباب ، كانت وجنتيها محمرتان مما حدث بينهما وازدادتا احمراراً من طريقة تحديقه بها ، ضمها إلى صدره وهو يبتسم ويقول :
- وأخيراً شفت خدودك بحمروا بسبب هجومي عليك! صرلي سنين بستنى هاللحظة !
رفعت رأسها تنظر إليه وقد فغرت فاها ، تأملها بجوع ، وهمس لها بصوتٍ متحشرج :

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن