المقدمة

35.6K 483 10
                                    

أقلعت الطائرة بركَّابها ، أخرج حاسوبه المحمول ليضعه أمامه .. فأعماله الكثيرة تحتم عليه أن لا يؤجلها ولا حتى لساعات قليلة ، تنتظره رحلة طويلة بالطائرة التي تقطع القارات والمحيط الأطلسي في طريقها من الولايات المتحدة إلى مطار الملكة علياء الدولي في قلب العاصمة الأردنية عمّـان ، ستة عشرة ساعة على الأقل من الطيران ستكون كافية لينهي بعض دراساته التي يجب أن يغلق بها حسابات والده " الشريف فيصل " الذي عاد بعد شهر من الغياب كي يتسلم أعماله من جديد في أمريكا ..
طلب فنجان من القهوة من المضيفة وهو يفكر أنه فعلاً ابن الأردن .. يحبها ويشتاق إليها ويتمنى أن يجعلها أسعد بقاع العالم خاصة وأن جدته الحبيبة " الشريفة نوزت " لم تطق فراقاً عن أراضي المملكة الحبيبة فأصرت أن يعيدوها إليها بعد مكوثها في الولايات المتحدة لمدة عام واحد فقط ... أخبره والده أنه اختار ممرضة ممتازة لوالدته .. متميزة في عملها ورقيقة في تعاملها تتحمل المسؤولية ويمكنه أن يسلمها زمام أمور الجدة ...
زفر " هاشم " أنفاسه ببطء ، غاب والده عن أميركا لمدة شهر واحد فقط ليعيد والدته إلى قصرهم المنيف في عمّـان واختار لها ممرضة - يتحدث عن مزاياها بإسهاب - قبل أن يقرر أن يعود لأعماله الكثيرة وتجاراته المتفرعة في الولايات ، من حسن الحظ أن موعد عودة هاشم إلى الأردن كان قد حان ، بعد أن أنهى تقديم شهادة الدكتوراة في المحاسبة وإدارة الأعمال بنجاح مميز ، وقرر العودة إلى الأردن كي ينشئ أعماله الخاصة فيها عدا عن تدريسه في كليه التجارة في الجامعة الأردنية بناءً على طلبٍ حثيث من رئيسها وعميد كلية التجارة ..
حرك كرسيه ليصبح في وضع استرخائي أفضل وأفكاره تتجول بين أفراد عائلته.. أمّـه سيدة المجتمع الراقي .. ووالده الرجل الشرقي الحازم الوقور صاحب الأخلاق الشريفة التي تليق بلقبه المتوارث من أجداده شرفاء مكة، أخته سارة ذات المزاج المتقلب ، شعر بغصة وهو يتذكر أخته .. إنها ليست بمزاج متقلب لكنها متخبطة .. بين الشخصية القوية الواثقة التي تعرف مالها وما عليها في عالم الأعمال .. والشخصية الأخرى التي تزرعها والدته فيها باستمرار والتي لا تعنى إلا بآخر صيحات الموضة ، وحفلات المجتمع الساهرة الراقية وتقلباتها المضحكة ... كان يشعر بالحزن عليها ، فهي تجاوزت السابعة والعشرين ومازالت شخصيتها كفتاة في التاسعة عشرة من عمرها ...
أزاح هذه الأفكار عن رأسه وهو يفكر لماذا عليّ دائماً أن أنغص يومي بهذه الأفكار ، اتجهت ذكرياته نحو جدته " الشريفة نوزت " وشعر بقلبه يستريح من كل عناءات الدنيا ، لديها سكينة فريدة تصل لقلب المتحدث معها .. يا الله كم اشتاق إليها ، وكم يعرف ويعي شوقها بالمقابل له و لجميع أفراد عائلتها المغتربين عنها .. ابنيها الاثنين فيصل أبوه .. وعمه راشد يقيمان في أميركا - ولو حتى مؤقتاً – عمته منى الوحيدة المقيمة هنا، لكنها كالمغتربة مع زوجها النكد الطباع و أولادها المدللين .
حاول أن يسترخي أكثر في جلسته وتلقائياً تحركت أفكاره لعينين خضراوين تضجان إغراءً وشعر أشقر مفرود و دائماً مسرح عند أفضل مزيني الشعر ، لم يجد الراحة المطلوبة في أفكاره هذه لكنها نجحت في إقصاء خيالات عائلته عنه !

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن