سمعت يارا صوت طرقات على باب عيادتها في المستشفى ولما رفعت رأسها كي تسمح للطارق بالدخول هالها ما رأت ، القامة الحبية التي عشقت كل إنش منها تقف أمامها بعد أن أغلق الباب خلفه ، تلاقت نظراتهما فهمس ليوقف اعتقادها بأنه أحد خيالاتها المريضة مجدداً يضعها في دائرة هلوسة محيطها هاشم :
- مسا الخير !
بقيت صامتة لحظات وهي تكاد تقسم أنها لا تصدق عينيها .. فعلياً تشعر أنها سيغمى عليها إن هي تحركت فالشهور الماضية كانت متعبة وثقيلة وهي لا تحتاج المزيد من التعقيد في صحتها ، همست بضعف كله رجاء :
- هـ...ااا..شـ.. ـم
راحت عيناها تتأمل كل شيء فيه دفعة واحدة ، وكأنها تتأكد من حقيقية وجوده ، بدا لها مختلفاً بعض الشيء ، إذ كان أكثر نحولاً ما جعل عظام فكه أكثر بروزاً ونظراته أكثر حدة بينما عيناه محاطة بظلال سوداء أحزنتها ، راح عقلها يعمل في كل الاتجاهات في الوقت الذي كان قلبها وكل خلية في جسدها تسيّرها نحوه كي تحتضنه بقوة وتنعم بعبق رائحته وهو يضمها له ..
بقي الصمت سيد الموقف للحظات وهي تقف ببطء وعقلها يلح بسؤالها عن سوزان ، هل تنتظره في القصر ، هل جاء كي يخبرها أنه طلقها هي يارا ؟؟ أم أنه طلق سوزان ؟؟ لماذا يبدو صامتاً والمرارة تلف نظراته ؟!
التفت من حول المكتب و وقفت أمامه وهو لم يحرك ساكناً ، شعرت وكأنها غريبة عنه ، تكاد لا تعرفه ، رغم أن ما فصل بينهما لم يكن سوى أربعة شهور ، كانا قبلها في أحضان بعضهما البعض ! همست بصوت متحشرج :
- الحمدلله عالسلامة !
ارتفعت إحدى يداه كي يلامس وجنتها برقة شديدة ، وهو يهمس مجيباً :
- الله يسلمك !
لمسته كانت أشبه بلسعة كهربائية جعلتها ترتد قليلاً مبتعدة عن يده ، اضيقت عيناه بحذر وهو يمحص في وجهها ، لينقذها صوت الباب وقد فتحه أحد الاطباء وهو يقول :
- يارا بدي إياكي ضروري تعالي معي .. !
لم تستطع نظراتها إلا أن تنتقل نحو عيني هاشم كي ترى الامتعاض من مناداة الطبيب لها باسمها دون أي لقب رسمي ، لقد باتت تعرفه تماماً وقد أدركت بغريزتها أنه سيتنبه للأمر ، لكن الشيء المغيظ أنه لم يظهر لها غيرته ، بل تنحى جانباً وكأن لا حق له بطلب أي شيء منها وهو يقول برسمية شديدة :
- شكلك مشغولة هلأ .. و أنا ما بحب أعطّل حدا .. بشوفك بعدين ، سلام!
فغرت فاها وهي تراه ينسحب بكل بساطة ، شعرت برغبة قوية في الانقضاض على ظهره بلكمات هستيرية وهي تصرخ بجنون :
" انا ما صدقت ولقيتك وشفتك .. هيك بكل بساطة بتتركني وبتروح بدون ولا أي خبرية ؟؟! "
لكنها وجدت نفسها تتراجع وهي تفكر لربما فعلاً لم يعد لديه الحق في الاستئثار بي و بوقتي ، لربما يريد أن يؤخر المحتوم قدر المستطاع ، ولربما .. لديه زوجة تنتظره وليس من حقهما أن يقضيا الوقت سوية من ورائها!
نداء جديد أخرجها من دائرة أفكارها المفرغة ، لتجد نفسها تستجيب للطبيب وهي تكاد لا تصدق أن ما حدث فعلاً حدث .. هل كان هنا أمامها بعد غياب عانت فيه الأمرين لينسحب ببساطة قبل أن يقدم لها تفسيراً واحداً .. أو حتى معلومة واحدة مفيدة ؟؟!!
*************
جلست هيا على سريرها وحنينها لناصر يكاد يذبحها ، تشتاق له ولألاعيبه الكثيرة وتحرشاته المستمرة بها حتى وإن كان مستفزاً معظم الوقت ، تقلبت على الفراش وهي تتذكر بسعادة المرة الوحيدة التي اعطاها فيها درساً خصوصياً رومانسياً هنا حيث تستلقي الآن .
ابتسمت بخجل وهي تنتقل بذاكرتها بين كلماته لها في مختلف المواقف التي حصلت بينهما ، لكنها توقفت مطولاً عند ليلة زفاف رعد ، عندما لم يسمح لها أن تتركه ولا حتى للحظات بسيطة ، وراقصها أكثر من مرة ، لكنه عند رقصة الفالس البطيئة لم يخجل من أحد وهو يضمها إليه بقوة و كأنه يعلن لجميع الحاضرين أنها ملك خاص !
لكن في نهاية الزفاف ، وعندما كان قد بقي سويعات قليلة على سفره فجراً ، طلب من عمته أن يسهر معها في أحد مطاعم الفندق ، رغم أنهما تناولا العشاء أثناء الزفاف ، لكن أشواقه تفجرت نحوها بطريقة درامية ..
ختم الأمسية عندما ودعها عند بناية سكنهم ، بقبلة بريئة لم تحاكي غزواته المتعددة لها ، ليتركها ويعود إلى سيارته ، لكنها قبل ان تصعد الدرجات القليلة نحو باب منزلهم ، شعرت بذراعه تلتف حول خصرها وهو يجرها معه إلى تحت سقف الدرج ليضمها في قبلة عاصفة وهو يكاد يلتهمها كما اعتادت منه ، ما زالت تذكر حتى الآن حرارة يديه على خصرها وظهرها وهو يتحسسها بوحشية لذيذة وكأنه يترك بصماته عليها من فوق قماش الساتان الناعم لفستانها !
الطريقة التي باغتها بها ذكرتها بقبلتهما الأولى يوم صفعها لكلامها عنه مع يارا !
يارا التي كانت سبباً أساسياً في التفات ناصر إلى هيا في عدة مناسبات !
أخرجها من تأملاتها صوت هاتفها وهو يرن بنغمة رسالة لتجدها من ناصر يسألها :
" اشتقتلك هياتي .. نفسي أكون معك بهاللحظة ، ليش ما تزوجنا .. كان انت هلأ نايمة بحضني مو لحالك .. نام العسل ولا لسا ؟"
أجابته هيا بخجل :
" انا كمان اشتقتلك حبيبي ، يلا هانت كم شهر وبيجي وقت زواجنا ، لسا ما نمت عم بفكر فيك حياتي موج ايني نوم .. بحبك كتير "
جاءها الرد :
" أنا بمووت فيك هياتي .. بحبك ومشتاقلك .. مشتاق لكل شي فيك .. أكيد هلأ احمريتي .. هالكم شهر حاسسهم كم سنة "
بالفعل احمر وجه هيا لرسالته الجريئة فأرسلت له :
" يا عيبك ناصر .. موبدي أحكي معك "
" يسعدلي الدلوع "
" تصبح على خير حبيبي "
" انا عندي الدنيا العصر .. إنت تصبحي على خير هياتي .. غناتي .. حياتي "
ابتسمت هيا بشوق وهي تقرأ رسائله الدافئة ، واسترسلت أفكارها نحو زفافها الذي بات قريباً بعد ستة شهور تقريباً ، يا الله كم تحب ناصر وتشكر الله لأنه جعله من نصيبها .. فهي لا تتصور نفسها بأنها كانت ستحب أحد سواه في يومٍ من الأيام .
أنت تقرأ
سلسلة النشامى /الجزء الأول / جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة
Romanceالحقوق محفوظة لـ الكاتبة المتألقة لولا سويتي