الفصل الخامس عشر

19K 357 7
                                    

استيقظت سارة على مداعبات رقيقة لذراعها ، شعرت أنها لم تنم شيئاً ، لا بد أنها غفت قبل دقائق قليلة فقط بعد أن أنهكها حازم بعواطفه الجياشة ، سحبت نفساً عميقاً وهي تزفره بسعادة لقد كان لقاءً عاصفاً ، مزلزلاً ، جعلها تشعر أنها غارقة في حب حازم حتى أذنيها ، يا الله كم هو عاطفي !
شعرت بأنامله تسير على جانب وجهها ففتحت عينيها بإنهاك ، لترى وجه حازم فوق وجهها تماماً ، همست باسمه بنعومة شديدة ، ليلامس شفتيها بفمه المتعطش إليها ، امتدت أناملها على عنقه لتلامس شعره الرطب تفاجأت وهي تهمس متفاجأة :
- تحممت ؟؟!
أجابها بنفاذ صبر وهو مشغول بلثم عنقها :
- تحممت وصليت الفجر !
انفرجت شفتيها كي تقول أنها تريد أن تصلي الفجر أيضاً ، لكنه كان قد قطع عليها الطريق وهو يضمها إليها شاداً إياها نحوه ، ليستلقي وهي تميل بشعرها الكثيف الذي يلامس كتفيها ، ويأخذها في قبلة عطشى وهو يعيد لها حكاية الحب من جديد !
بعد أن أخذت سارة حماماً سريعاً صلت الفجر وقرأت أذكار الصباح واستغفرت قبل أن تعود إلى سريرها وهي تشعر بنعاس شديد ، فهي لم تنم شيئاً طوال الليل!

***********

كانت يارا في غرفتها تعاني سهاداً غريباً ، لم تعد تعرف طعم النوم وهي تتذكر قبلة سوزان لهاشم ، وابتساماتهم المتبادلة عدا عن ميلان هاشم نحوها كي يسر لها شيئاً في أذنها ، شعرت بنيران كاوية تكتسحها تمنت لو تستطيع أن تصلي هاشم بها أيضاً.. الغبية كيف كانت على وشك أن تستسلم له قبل أسبوع عندما كانا في المزرعة ، حاولت أن تهدأ من روع أنفاسها المضطربة وهي تمسك بهاتفها المحمول وتنظر إلى شاشته لترى الساعة تتجاوز الثانية بعد منتصف الليل وهي مازالت تجلس في سريرها وعينيها تأبى أن تغمضا لثوانٍ قليلة..
أجفلت بقوة عندما اهتز الهاتف بيدها معلناً وصول رسالة قصيرة ، فتحتها على عجل وهي ترى أنها من هاشم ، هبط قلبها حماساً ولهفة وغضباً وشوقاً ، زفرت بيأس وهي تشعر برغبة بالبكاء لمجرد رؤية الكلمات التي كلف نفسه عناء طباعتها ، لم تكن قد قرأت شيئاً لكن عينيها مرت على شكل الرسالة وهي معنونة باسم هاشم ، سحبت نفساً عميقاً وهي تقرأ ما كتبه :
- اشتقتلك كتير .. متى رح تصيري مرتي وتنامي جنبي ؟؟!!

ابتسمت ولهى من حبها له ، لكنها عادت تعقد حاجبيها وهي تتذكر غضبها منه قبل لحظات ، لتخرج من ملف الرسائل وتضع الهاتف تحت وسادتها وهي تضع رأسها فوقه في وضعية النوم ، كأنها تنكر تأثرها بمبادرته التي ما زال قلبها يخفق وشفتيها تتسعان بابتسامة رغماً عنها ، حاولت أن تغمض عينيها بقوة علها تخفف من إنفعالها.

دقيقتين .. واهتز الهاتف من جديد لتجلس كالملسوعة في سريرها ويدها تبحث عن هاتفها ، والابتسامة تتحول ضحكة وهي تفتح رسالة هاشم التي كانت تقول :

- " نايمة يا يارا ؟؟!! نايمة و أنا عيوني ما داقت طعم النوم من يوم ما وصلت عمّان ؟؟! تصبحي على خير حبيبتي !"
قرأت كلمة حبيبتي وحدها عشر مرات إن لم يكن أكثر ، وهي تشعر بسكرة الحب تذهب بعقلها و قدرتها على التحمل ، لم تشعر برغبة في الرد عليه ، فمن شدة حبها له شعرت أنها تكرهه لأنه ليس بجوارها ، تكرهه من عمق حبها له ، نعم هذا ما تشعر به حالياً ! لكنها أرادت أن يعرف أنها مستيقظة وتتعمد أن لا تجيبه ، لذلك أرسلت له بكلمتين فقط :
- " و إنت من أهل الخير "
لحظات قليلة فقط سبقت اتصاله بها ، تأملت الشاشة وهي تضيء وتطفئ يزينها اسم هاشم ، لكنها قاومت رغباتها العنيفة بسماع صوته بعنف أكبر إلى أن توقف الرنين وظهرت مكالمة لم يرد عليها ... مرت اللحظات بعدها ببطئ شديد ، لابد و أنه غاضب منها ، لأنها لم ترد عليه ، صارت تتأمل هاتفها وهي تنتظر اهتزازه ولكن دون جدوى .. وضعته تحت وسادتها وهي تتخذ وضعية النوم مجدداً والتمرد يدب في أطرافها ، لن تتراجع عن موقفها ، يجب أن يعرف أنه يضايقها بتصرفاته حتى و إن بررها لها ، فليدلل زوجته بعيداً عن أنظارها ، لماذا يجب أن ترى هي كل شيء !
كانت تتفقد الهاتف كل دقيقة إن لم يكن في الدقيقة مرتين ، لعنت غباءها وهي تفكر أن هاشم يمر في مرحلة صعبة وهي اتخاذ قرار بانفصاله عن سوزان ويجب عليها في هذه الفترة أن تزيد تعلقه بها لا أن تصده وتبعده عنها!
اهتزاز خفيف جعلها تخرج هاتفها من مخبئه وهي تفتح فوراً على الرسالة التي كانت تقول :
- " يعني صاحية ومابدك تردي لا على مسجاتي ولا على تلفوني؟؟! ماشي يا يارا خلينا هيك لا عارفين ناخد راحتنا أدام العيلة ولا بدك نتواصل ونتفاهم لحالنا"
بتردد ضغطت على زر الاتصال ، و تواصل الرنين دون إجابة ، وفي الرنة الأخيرة فتح الخط لتسمع صوت هاشم الأجش بخفوت لامس أوتارها الحساسة :
- نعم ؟؟!!
ابتسمت وهي تسأله :
- إنت بغرفتك ؟؟!!
- لأ بالمكتب !
هذه المرة انفرجت أساريرها وهي تقول بفرح :
- أنا خفت تكون بغرفتك بعدين حدا يسمعنا !
شعرت بابتسامته وهو يقول :
- والله أخيراً حكيتي معي زي الناس و بدون نكد .. خلص كل يوم بنزل على غرفة المكتب !
- بكون أحسن !
صمت قليلاً ليقول بعدها :
- هيك كل واحد نايم بأحضان مرته ... ما عدا أنا نايم بأحضان كرسي المكتب !
بدلع أجابته وهي تستخدم أسلوبها الذي يضج إغراءً :
- إطلع عند مرتك شو بتستنى !
همس لها كي يغيظها :
- والله هلأ بطلعلها ؟؟!! ترى هي أكتر من جاهزة .. ما شاء الله من ليلة العرس كانت جاهزة أكتر مني !
شعرت بالدماء تغلي في عروقها وهي تقول بعصبية :
- صحتين وعافية .. روح لعيدان الخيزران .. الله يشبعك فيهم !
ضحك بصوت خافت وهو يقول :
- طب طولي بالك ... كنا بنمزح .. مش بدك تمزحي ؟؟!!
أجابته بنفاذ صبر :
- على فكرة أنا ما قولتلك إطلع لسوزان أنا قولتلك إطلع لمرتك .. بس إنت طبعاً مو معتبر مرتك غيرها!!! بركي أنا كان قصدي عن حالي ؟؟..
صمت للحظة قبل أن يجيب :
- طيب لسا العرض قائم ؟؟!!
كشرت وهي تقول بلهجتها النكدة :
- ما كنش عرض على فكرة كان حركة مناغشة أو حركشة أو سميها متل ما بدك !
قال فوراً :
- أنا بدي أسميها حركة استفزاز !
زفرت بغضب ونفاذ صبر وهي تقول :
- إففففف أصلاً أنا غبية عشان رنيت عليك .. شو كنت متوقعة يعني ما إنت ما بتعرف غير تفقعني وتقاهرني شو الجديد بده يكون ؟؟!!
سألها بدهشة :
- هلأ أنا ما بعرف إلا أفقعك و أقاهرك ؟؟ هيك يا يارا ؟؟!! فعلاً " يكفرن العشير "
شهقت قائلة :
- أنا يا هاشم بتقول عني " يكفرن العشير " ؟؟!! أنااا...؟؟!!! ليش في وحدة صبرت على زوجها ومتذكره جمايله عليها أدي !
أجابها بهدوء غريب :
- أنا بقول تطالبي نعملك تمثال جنب الجندي المجهول !! مو إنت الغبية لإنك اتصلت أنا الغبي أصلاً لإني تحركشت فيك .. آل ببعتلها اشتقتلك وهي ما بترد علي .. وبعدين بتقضيها خناق معي !! مش عارف شو كنت مستني منك !
وقبل أن ترد أغلق الخط وهي تشهق بدهشة وتفكر ، كيف وصلنا إلى هنا ؟؟ وما سبب هذه المشاحنة ؟؟ لابد أن التوتر قد أنهك كل منهما فصار الشجار متنفسهما الطبيعي والوحيد !

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن